تشير تجربة الخصوبة في سنغافورة إلى أن الحصول على الإخصاب عن طريق الأنابيب، وغيرها من تكنولوجيات المساعدة على الإنجاب، لا يكفي لضمان أن يكون لدى النساء الأكبر سنا العدد الكافي من الأطفال الذي يعوض عن انخفاض الخصوبة بين النساء الأصغر سنا. وتعد اليابان مثالا ممتازا آخر، إذ لديها أعلى نسبة في العالم من الأطفال المولودين بالإخصاب عن طريق الأنابيب "نحو 5 في المائة"، وأحد أدنى معدلات الخصوبة أيضا. الدرس الثالث: لا يمكن أن يعتمد إنتاج الأسر على المصادر الخارجية بشكل كامل. فانخفاض الخصوبة في سنغافورة يبرهن أيضا على أوجه قصور القطاع الرسمي في توفير خدمات رعاية الأطفال والأعمال المنزلية. ويرى بيتر ماكدونالد؛ الباحث في الجامعة الوطنية الأسترالية، أنه على الرغم من أن النساء يحظين بفرص تعليمية وفرص في سوق العمل أكثر من أي وقت مضى، فإن انعدام المساواة بين الجنسين في المنزل، الذي يحمل النساء عبء رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، يؤدي إلى ارتفاع كبير جدا في تكلفة الفرصة البديلة للإنجاب وبالتالي انخفاض شديد في الخصوبة. وتوفر سنغافورة رؤى لهذه المسألة بسبب مجموعة الخيارات بالغة القوة التي يوفرها قطاعها الرسمي. فالحكومة تشارك بقوة في تقديم خدمات رعاية الأطفال منخفضة التكاليف وعالية الجودة. وتحصل الأمهات العاملات على إعانات لرعاية الأطفال قدرها 300 دولار سنغافوري في الشهر لرعاية الأطفال في الإطار الرسمي؛ وتحصل الأسر منخفضة الدخل على أكثر من ذلك. وإضافة إلى ذلك، وبخلاف ما يحدث في معظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى، يمكن للأسر "ويقوم عديد من الأسر بذلك بالفعل" أن توظف عاملات منازل بتكلفة منخفضة من الدول المجاورة في منطقة جنوب شرق آسيا، مثل إندونيسيا والفلبين. وبالتالي، من السهل نسبيا على النساء الاستعانة بمصادر خارجية لرعاية الأطفال والأعمال المنزلية في سنغافورة. ويشير انخفاض معدلات الخصوبة في سنغافورة، إلى أن الخدمات التي يوفرها القطاع الرسمي لا يمكن أن تحل محل قضاء الوالدين وقتا ماتعا مع أطفالهم. فعلى الرغم من أن الاستفادة من خيارات رعاية الأطفال الممتازة والعاملات في المنازل يمكن أن تساعد على هذا الأمر، فهناك حاجة إلى دعم مؤسسي أيضا ـ مثل الإجازة الأبوية وترتيبات العمل المرنة التي تتيح لأفراد الأسر قضاء وقت أكبر مع بعضهم بعضا. الدرس الرابع: الاعتراف بالتكلفة الحقيقية لرأس المال البشري. ليس من قبيل المصادفة أن تميل اليابان وسنغافورة والبلدان الأخرى منخفضة الخصوبة إلى تحقيق نتائج جيدة جدا في تصنيفات رأس المال البشري، بدءا من اختبارات برنامج التقييم الدولي للطلاب وصولا إلى مؤشر رأس المال البشري الجديد الصادر عن البنك الدولي. ولاحظ الاقتصاديون منذ فترة طويلة مفاضلة بين كمية و"نوعية" الأطفال "من حيث الموارد المخصصة لكل طفل". ونرى (أنا ومؤلفا هذه الدراسة) أن التركيز المؤسسي في شرق آسيا على الإنجازات في مراحل الحياة المبكرة يزيد عائدات الاستثمار في رأس المال البشري للأطفال، ما يعني مزيدا من الأطفال ومزيدا من النفقات. ويتمثل الوجه الآخر للعملة في العواقب الخطيرة لأن يكون الوالدان وأطفالهما أقل نجاحا من الآخرين. فالمسوح المحلية تشير إلى أن نسبة كبيرة من العزاب ترغب في الزواج في يوم من الأيام، إلا أنهم يختارون السعي إلى تحقيق النجاح التعليمي أو المهني على حساب المواعدة. وأغلبية المتزوجين لديهم أطفال، ولكن يكتفي معظمهم بطفل واحد أو طفلين نتيجة ارتفاع النفقات المرتبطة بالتعليم والرغبة في استثمار المزيد في كل طفل. ويعبر الأزواج الذين قد يرغبون على خلاف ذلك في إنجاب أطفال عن مخاوفهم إزاء الجوانب الأخلاقية المتعلقة بالطفولة والتربية المجهدتين أو عن القلق من أنهم قد لا يمتلكون الطاقة أو القدرة اللازمتين لمساعدة أطفالهم على المنافسة بفاعلية. وبالتالي، جاءت قصة نجاح رأس المال البشري في سنغافورة التي دفعتها إلى قمة التصنيف العالمي، على حساب استعداد شعبها وقدرته على تكوين الأسر. وبالتالي، لا يعد عدم القدرة على رفع معدل الخصوبة شهادة على عدم فاعلية السياسات المشجعة للإنسال بقدر ما هو شهادة على النجاح الساحق لنظام اقتصادي واجتماعي يكافئ بشدة الإنجاز ويعاقب على عدم الطموح. ولذلك، فإن تناول مسألة معدل الخصوبة قد يتطلب مواجهة بعض مواطن الضعف في النظام الأساسي، مما لا يعني التصدي للتحديات الديموغرافية فحسب، ولكن أيضا إمكانية المساعدة على بناء التماسك الاجتماعي أو المواقف الثقافية السليمة تجاه الإقبال على المخاطرة. وفي نهاية المؤتمر العالمي للمديرين التنفيذيين للشركات المدرجة على قائمة فوربس لهذا العام، أشار لي هسين لوونج؛ رئيس وزراء سنغافورة، إلى أنه بمساعدة من الهجرة، يمكن أن يكون معدل الخصوبة الذي يراوح بين 1.3 و1.4 كافيا لتلبية احتياجات البلد، وما دامت حالة التوتر قائمة بين رأس المال البشري والخصوبة، فإن رفع معدلات المواليد في سنغافورة إلى معدلات الإحلال سيحتاج إلى أكثر من مجرد تحديثات وإصلاحات للسياسات. ومع ذلك، قد يؤدي مزيج من السياسات المراعية للعمر والتحسينات في الحوافز المشجعة للإنسال إلى دفع معدل الخصوبة إلى مستوى مستهدف أكثر اعتدالا قدره 1.4 ولا تمتلك سنغافورة وقتا لتضيعه: فمع تقدم السكان في العمر، سيكون عدد أقل فأقل من الأزواج في سن الإنجاب، وسيؤدي ارتفاع معدل الخصوبة إلى تحقيق قيمة أقل مقابل المال. العمل إذن واجب الآن قبل فوات الأوان.
مشاركة :