رؤيته وفلسفته الاستثمارية وكفاءته محط اهتمام الأوساط الإقليمية والعالمية، ولمَ لا وهو الذي عبر بمجموعته الاستثمارية أعتى الأزمات وأكبرها، بل حلق بها لتكون من أهم مجاميع القطاع الخاص في الكويت والعالم العربي باستثمارات وتوسعات مترامية الأطراف ونجاحات ملحوظة، في حين عصفت تلك الأزمات بدول لا مؤسسات فحسب، ليفرض السؤال نفسه هنا: ماذا سيفعل في الأزمة التي نعاصرها اليوم؟ لقاء "الجريدة" اليوم مع رئيس مجلس إدارة مجموعة المشاريع القابضة فيصل العيار يتزامن مع أزمة فيروس كورونا (كوفيد - 19) المجهولة الملامح كما وصفها، وخطورتها الشديدة نابعة من امتداد آثارها وتداعياتها لتهدد أهم وأغلى المخلوقات على الأرض أي "الإنسان"، مما يجعلها أكثر خطورة من الأزمات السابقة. يرى "بومبارك" أننا نعيش شيئاً لأول مرة من الصعوبة بمكان قراءته أو التوقع حياله، فقد يكون ما نمر به في الوقت الراهن أقل مما قد يكون متوقعاً مستقبلاً، والعكس صحيح، لذا ركّز على ضرورة وأهمية توفر المعلومات والبيانات لدى أجهزة الدولة ومؤسساتها، فهي أزمة صحية تداعت وانتشرت نيرانها في الهشيم لتمتد وتصيب اقتصادات أكبر دول العالم بالانكماش، لذا قررت (أي تلك الدول) رصد مليارات الدولارات لمحاوله كبح جماح تداعيات الأزمة ومعالجة آثارها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والصحية. ورأى العيار أن المعالجات الاقتصادية تأخرت نوعاً ما في الكويت، طارحاً عدة استفسارات عما إذا كانت كافية أمام لا؟ وهل راعى القائم على وضع هذه الحلول أن التكلفة ربما ستكون أكبر في حال ساءت الأوضاع وتفاقمت على ما نعيشه حالياً؟ وشدد على ضرورة معالجة الاختلال الهيكلي في الاقتصاد الوطني، بحيث تكون آليات التطبيق موزعة على المراحل الزمنية المختلفة، حتى يمكن تلمّس نتائجها سريعاً، مشيراً إلى أن الحلول واضحة وموجودة في الأدراج منذ الثمانينيات، والأدوات متوافرة، لكن بحسب تشخيصه الدقيق أنه في النهاية لا قرار. ولفت إلى أن من الطبيعي أن تتأثر بعض المؤسسات والشركات وقد "يتعور" بعضها، وأخرى قد تتأزم أوضاعها بشكل كبير وتتعرض للإفلاس، خصوصاً التي كانت أوضاعها غير مستقرة قبل الأزمة الحالية ، ولذلك يجب الإسراع في إقرار قانون الإفلاس، وإليكم التفاصيل: ● بداية ما رأيك بما نمر به من أزمة راهنة؟ - الأزمة التي نعيشها حالياً في الكويت ودول العالم لا أحد يعلم مداها، وما العواقب التي سنواجهها إذا ما استمرت الأوضاع بهذا الشكل فترة أكثر، وقد يكون ما نمر به في الوقت الراهن أقل مما قد يكون متوقعاً في المستقبل. نحن نعيش شيئاً مجهولاً، تجربة نمر بها للمرة الأولى، فالأزمة الحالية تمس حياة البشر، وهذا مايجعلها أكثر خطورة عما عاصرناه من أزمات سابقة. ورغم انشغال الدول والناس في كيفية مواجهة التداعيات المباشرة للفيروس صحياً وإنسانياً واقتصادياً ونفسياً وعملياً، فإن السؤال الأكثر رواجاً بين الباحثين والمحللين اليوم هو: أي عالم ما بعد كورونا؟ وهل تبقى الأنظمة على ما هي عليها أم أننا نتجه إلى شيء جديد متعدد الأقطاب والتأثيرات؟ هناك مخاوف وضبابية حول النتائج والمكتسبات والخسائر التي قد تنتج عن الأزمة التي نعيشها. كل الأمور متاحة حالياً لكن عواقب القرارات التي ستتخذ ضمن خطوات المعالجات ستظهر مستقبلاً، بالتالي هناك حاجة ماسة لأن تكون حصيفة ودقيقة كي نقلل من الآثار المترتبة عليها. أرى أن لكل أزمة وجهاً إيجابياً مثل انخفاض معدلات التلوث في الطبيعة على سبيل المثال، لكن الأزمة الراهنة لها ظروفها الخاصة، فهي أزمة صحية قد تتداعى الى أزمات أخرى على أكثر من صعيد. ● ما تقييمك للإجراءات الحكومية التي تم إعلانها خلال الفترة الماضية، وهل تراها مناسبة لمجابهة تداعيات الأزمة؟ - ندعم كافة قرارات الدولة التي تم اتخاذها يتوجيهات من مقام صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد حفظه الله ورعاه لمواجهة التداعيات الحالية لأزمة فيروس «كورونا» المستجد، فالقرارات الصادرة عن وزارة الصحة حاسمة وقوية وجريئة رغم صعوبتها، ونرفع القبعة لها. أما عن قيمة تكلفتها على الدولة، فهذا موضوع آخر. وبالنسبة للمعالجات الاقتصادية، فأعتقد انها تأخرت نوعاً ما، إذ إن العديد من الدول بادرت مبكراً لوضع حلول تمكنها للحد من الآثار المترتبة على الأزمة الراهنة، لكن التساؤلات المطروحة هنا، هل هي كافية أمام لا؟ وهل القائم على وضع هذه الحلول راعى أن التكلفة ربما ستكون أكبر في حال ساءت الأوضاع وتفاقمت على ما نعيشه حالياً؟ كل هذه الأمور يجب أن توضع في عين الاعتبار. دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي توصف دائماً بأنها دولة عظمى واقتصادها حر وقطاعاتها قوية، اتخذت قرارات قوية، حيث أعلنت عن خطة بقيمة 3-4 تريليون دولار لدعم وتحفيز الاقتصاد لمواجهة تبعات أزمة وباء كورونا، في حين لم يتوقع أغلب المراقبين رصد خطة بهذا الحجم من الدولة، فالأزمات من هذا النوع يجب أن تكون القرارات والإجراءات المتخذة حيالها أكثر مما هو متوقع. أنا لا أتحدث هنا عن حجم المبالغ بل أقصد الإجراءات والمعالجات المتخذة على كل الصعد.● برأيكم، في الكويت ماذا ينقصنا من هذه الإجراءات؟ - أولاً تأخرنا في اتخاذ الإجراءات، فعلى سبيل المثال بالنسبة للبنوك، هناك مايسمى بمعدل كفاية رأس المال والتي تفوق في الكويت مستوى النسبة العالمية، إذ تتراوح بين 2 و3 في المئة، فما الحاجة لها حالياً، لمَ الإصرار عليها في ظل الظروف الراهنة، الأزمة الحالية بحاجة إلى كافة التسهيلات والمرونة لتجعل البنوك أكثر قدرة على تقديم الدور المناط بها. صحيح أن الإجراءات الأخيرة المتخذة من بنك الكويت المركزي تدعم البنوك المحلية بحزمة تحفيزية مرنة عبر إعطائها مساحة إقراضية إضافية، لكنها جاءت متأخرة، ولا أعتقد أنه ستكون لها آثار كبيرة حالياً لأن العديد من الشركات جمدت أنشطتها نتيجة الأزمة الحالية. البنوك الكويتية سيكون لها دور بارز في الأزمة، فهي ستتحمل كل المسؤولية في منحها القروض والتسهيلات الائتمانية وعملية تخفيض الرهونات لكل القطاعات في حال ارتأت ذلك، بالتالي يجب مراعاة الكلفة التي ستتحملها جراء ذلك. فعلى سبيل المثال، منحت الولايات المتحدة البنوك نظير تقديمها خدمة الإقراض رسوم إدارة، لاسيما أنها ستتحمل كلفة مقابل الدور الذي ستقوم به في دعم قطاعات الدولة وقد تضطر إلى دعم مؤسسات وشركات رديئة الإنتاجية. جميع الدول رصدت مبالغ كبيرة لمواجهة تداعيات الأزمة الراهنة سواء في المنطقة أو على المستوى العالمي، لأن الوضع الحالي أصبح خطيراً وإذا ما سارعنا في اتخاذ القرارات المثلى فستكون العواقب أكبر مما نتصور. يجب أن تبادر كل الهيئات والمؤسسات مثل بنك الكويت المركزي والهيئة العامة للاستثمار ووزارتي المالية والتجارة والصناعة وكل أجهزة الدولة بتقديم الأرقام والتوقعات التي ينبغي أن تُبنى على قاعدة صحيحة من المعلومات، فيما يخص أوضاع القطاعات الاقتصادية والمؤسسات والشركات ومدى تأثرها بالأزمة. ينبغي أن تتم الاستعانة بالجهات والأجهزة الاستشارية التي تستطيع توفير المعلومة التي على أساساها يتم تقيم الأوضاع الراهنة، فكيف نضع الحلول في الوقت الذي لانملك فيه المعلومة؟ ● أجهزة الدولة بررت ذلك بأننا لم نمر بمثل هذه الأزمة سابقاً، بالتالي يصعب توقع الأرقام؟ - في الكويت لم نسمع إلا الأرقام عالمية، لم نتطرق إلى حجم المشكلة على الصعيد المحلي وأرقامها وتوقعاتها. الحديث عن آثار الأزمة وتشبيهها بآثار الحرب العالمية الثانية لا علاقة له بالوضع الداخلي، فمؤسسات الدولة يجب أن تكون لديها المعلومة التي على أثرها سيتم اتخاذ القرار، فهناك دول قد تكون بالغت في إجراءاتها وحجم الأموال المرصودة للمعالجات، أما في الكويت فيصعب تقييم الإجراءات في ظل عدم توفر قاعدة المعلومات الدقيقة والصحيحة التي سيتحدد بناء عليها تقديم الدعم. أتكلم هنا عن أوضاع الشركات وبياناتها وقدرتها على الاستمرارية، بعضها قد تكون أوضاعها مهتزة وغير سليمة قبل الأزمة، وقد تستغل الظروف الراهنة وتطلب الدعم، فما الأساس الذي سنعتمد عليه في تحديد من يستحق؟ ● على ضوء ذلك، بمَ تقيم توجيه الدعم لمصلحة المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ - هنا يطرح تساؤل مهم، ما نسبة مساهمة تلك الشركات في الاقتصاد الكويتي، وماذا قدمت له؟ بعض هذه الشركات والمشروعات كانت تعاني مشكلات كثيرة قبل الأزمة، إذ كانوا يتحدثون عن مخارج ومعالجات لها قبل الأزمة، وليس معنى كلامي عدم دعم هذه الشركات، بل يجب تقديم الدعم لمن يستحق، ومن لديه القدرة على الاستمرارية، بالتالي يشترط أن يكون ذلك بناء على تقييم حصيف مبني على الأرقام والبيانات الصحيحة التي لم نسمعها رغم الحاجة الماسة والضرورية لها. هناك حاجة لتحديد ماهية الأزمة الحالية وملامحها، فهل يتم تصنيفها على أنها أزمة سيولة، بالتالي يجب العمل على حلها، أم أزمة أخرى تتطلب معالجات وحلول أخرى. ● برأيك، ما النصائح التي يمكن تقديمها إلى مديري الأزمة ومتخذي القرار؟ - هناك ضرورة لمعالجة الاختلال الهيكلي في الاقتصاد الوطني، بحيث تكون آليات التطبيق موزعة على المراحل الزمنية المختلفة، حتى يمكن تلمّس نتائجها سريعاً. هناك خطوات وإجراءات فاعلة يجب أن نسير بخطوات جادة إليها مثل وقف الهدر قبل اللجوء إلى الإجراءات الأخرى التي قد يكون لها آثار مختلفة، مع ضرورة وجود رؤى حكومية تساهم في تعزيز الشراكة مع شركات القطاع الخاص سواء لجهة دعم خططها التوسعية أو فتح آفاق جديدة أمامها وتوفير الفرص والمشاريع التي يمكن أن تحقق الفائدة المنشودة للاقتصاد الوطني. منذ الثمانينيات نضع الخطط الاقتصادية الواحدة تلو الأخرى، لكن حتى الآن نعاني الكثير من المشاكل في التنفيذ. جميع الخطط والتصورات التي يعلن عنها مع تغير الحكومات المتعاقبة كانت تحت شعار «وقف الهدر» وإيجاد حلول بديلة للنفط، ولكن لم نرَ شيئاً ملموساً على أرض الواقع.● برأيك هل هناك حاجة ماسة لقانون الدين العام في ظل الظروف الراهنة؟ - الدين العام أداة من الأدوات المالية المتاحة لسد العجز المتوقع في الموازنة العامة للدولة، ولكن ينبغي لمن يتخذ القرار في ذلك الشأن أن يستعرض جميع الحلول والمقترحات، مثل إصدار السندات الخارجية أو الاقتراض من صندوق الأجيال أو من الاحتياطيات، وقبل ذلك يجب أن يكون صاحب القرار يمتلك الرؤية الفنية والمقدرة على المفاضلة والاختيار بين جميع الأطروحات الممكنة في هذا الصدد، وأرى أن التصنيف السيادي للدولة يقوي موقف الدولة في الاستدانة، وتكلفة الاقتراض من الخارج ربما تكون الأقل إذا ما تم مقارنتها بالاقتراض من صندوق الأجيال القادمة. والأهم من كل ذلك، أن الاقتراض مع طريقة الصرف الحالية والهدر الحاصل سيكون بمنزلة جريمة في حق الوطن، ويجب أن تتزامن عملية الاقتراض مع إيقاف عملية النزيف الجارية لأموال الدولة. والحديث عن استغناء القياديين في الدولة عن رواتبهم أو تخفيضها والحلول على ذلك المنوال «خرابيط» ولا تجدي نفعاً على المال العام، والدولة ليس أمامها خيارات إلا بالإصلاح الشامل للموازنة العامة، وينبغي لها أن تحدد حجم الأموال التي سيتم صرفها في الموازنة، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أسوأ السيناريوهات لأسعار النفط، وهذا الإجراء يتطلب إيقاف الهدر وتعظيم الإيرادات من مختلف القنوات التي تدعم تنفيذ تلك الرؤية.● برأيك ما الإمكانات التي تمتلكها الدولة لتعظيم إيراداتها وإيجاد بدائل أخرى للنفط؟ - يمكن تحقيق الاستفادة من أملاك الدولة عبر إقامة مدن صناعية، وهيكلة منطقة الشويخ الصناعية، وفرض الضريبة، وكذلك العمل على الاستفادة من موقع الكويت الجغرافي بين أكبر ثلاث دول في المنطقة، ونحن فاتت علينا فرصة تاريخية لنكون بوابة للعراق، والاستفادة من جنوب العراق الغني بالنفط، وإقامة دولة لوجيستية عبر بناء الجسور مع الدول في المنطقة، إضافة إلى تعظيم الإيرادات المتأتية من الموانئ، فضلاً عن الاستفادة من القطاعات الحيوية المتمثلة في القطاع الخدمي كالصحة والتعليم. وجميع المقترحات قابلة للتطبيق اليوم قبل الغد، لاسيما أن البنية التحتية والتشريعية جاهزة، ولذلك يجب البدء في التطبيق فوراً، ولكني أرى أن هناك مقترحات تم تقديمها للعمل على الحد من آثار الأزمة الراهنة، لكنها في النهاية لا تبتعد ولا ترقى إلى حلول حاسمة لتعديل هيكل الاقتصاد، لأنها أفكار وأطروحات فردية، على عكس المطلوب، الذي يؤكد حتمية أن تكون جميع الإجراءات مبنية على أساس فني ودقيق، لتكون هناك قدرة على تجاوز الأزمة الراهنة. ● ما ردك على من يجزم بعدم إنتاجية القطاع الخاص، وأن الشركات الحكومية كانت السند للدولة في الأزمة الراهنة؟ - الحديث عن عدم جدوى القطاع الخاص غير صحيح وخلط للأوراق، فما الفرص التي أتيحت للقطاع الخاص ولم يستطع إثبات نفسه فيها؟ من الضروري إتاحة الفرص له، ومن ثم الحديث عن إخفاقه أو نجاحه، فهل امتلاك الدولة لشركة طيران والاستعانة بها لإجلاء المواطنين من الخارج يعني نجاح الشركة؟ إذ يجب النظر إلى مدى الفائدة التي تحققها تلك الشركات في زيادة إيرادات الدولة من خلال تحقيقها للأرباح من عدمه، وهل التكلفة القائمة على الدولة في عملية الإجلاء أقل في حال تم تأجير طائرات أخرى؟ يجب إطلاق دور القطاع الخاص وجعله هو من يتولى إدارة مشروعات الدولة وتنفيذها، ومن ثم يمكن الحكم على نجاحه أو إخفاقه. ● هناك من يرى أن توظيف الكويتيين محدود في القطاع الخاص، وبالتالي لا فائدة منه... ما رأيك؟ - توظيف المواطنين في القطاع الخاص شهد نمواً كبيراً في التسعينيات، ونتيجة لعمل الكوادر كانت هناك هجرة عكسية من القطاع الخاص إلى الحكومي، وأرى أنه في حال استمرت الأزمة الراهنة وفي حال عدم وجود الحلول الناجحة، ستكون هناك زيادة في عملية الهجرة للعمل في القطاع الحكومي، وستتحمل الدولة هذه التكلفة وسيكون العبء الملقى على عاتقها في هذه المسألة كبيراً خلال السنوات المقبلة، خصوصاً أن التأخير سيكون له عواقب وخيمة في المستقبل، فما نجنيه اليوم هو ثمار ما أخفقنا فيه على مدار الـ 50 عاماً الماضية. وقد لا يلقى حديثي قبولاً لدى البعض، ولكن الدولة لن تستطع توفير منزل لكل مواطن في المستقبل، فهي تملك القدرة على تقديم المساعدات مثل القروض والتسهيلات، ولكنها غير قادرة على تجهيز البنية التحتية اللازمة لتنفيذ ذلك الأمر الذي قد يكون حلماً في المستقبل. ● ما المعوقات التي تقف أمام القطاع الخاص لتولي دفة القيادة؟ - من أكبر أخطاء الدولة إمعانها في تهميش دور القطاع الخاص مقابل هيمنتها على أغلبية القطاعات الحيوية في الدولة، وكذلك هناك العديد من الأسباب الأخرى مثل الفساد المتمثل في الجهات المسيطرة على القطاع العام، والروتين الحكومي والبيروقراطية، ورغم رصد الدولة مبالغ بالملايين لميكنة خدماتها وتفعيل الحكومة الإلكترونية التي تدفع إلى معالجة هذه العراقيل فإن هناك تأخراً كبيراً في هذا الصدد، فعلى سبيل المثال لا الحصر المدارس الخاصة التي يمكن أن تقدم التعليم عن بعد كانت هناك محاولات لإبعادها عن ذلك. وصاحب السمو أمير البلاد مؤمن بإمكانات القطاع الخاص ودائما ما يؤكد أهمية وحيوية الدور الذي يقوم به بجانب مؤسسات الدولة، لذا هناك ضرورة بتوافر الجهود لتفعيل دور القطاع الخاص وإطلاق يديه على إدارة مشاريع الدولة ليكون بمنزلة القاطرة التي ستعبر بالاقتصاد الكويتي إلى بر الأمان. ● بم تصف الأزمة الراهنة، وهل هناك مخاوف من حدوث أزمة مالية على غرار عام 2008؟ - الأزمة التي نعيشها حالياً تختلف عن الأزمة المالية التي جرت عام 2008، لأنها كانت أزمة سيولة وأصول مسمومة، وأثناء تلك الفترة كان لي حديث مع رؤساء بعض البنوك كانوا يقولون «لا ندري هل نحن سنكون موجودين غداً أم لا». أما الأزمة الراهنة فهي أزمة انكماش، وهي أزمة صحية نتج عنها تأثيرات اقتصادية نتيجة الشلل الذي أصاب العديد من القطاعات، وسيكون لها آثار طويلة، ولكني أرى أنها أسهل من الأزمة السابقة حتى وإن كانت قد تستغرق وقتاً أطول في المعالجات، ولكن من يستطيع تكييف أوضاعه مع الأوضاع الراهنة ولديه القدرة على اتخاذ القرارات اللازمة فسيستطيع العبور منها. ● هل من الممكن أن نرى إعلانات إفلاس من جانب بعض الشركات والمؤسسات؟ - من الطبيعي أن تتأثر بعض المؤسسات والشركات وقد «يتعور» بعضها، وأخرى قد تتأزم أوضاعها بشكل كبير وتتعرض للإفلاس، خصوصاً التي كانت أوضاعها غير مستقرة قبل الأزمة الحالية. ● برأيك هل هناك حاجة لوجود قانون إفلاس عصري؟ - يجب الإسراع في إقرار قانون إفلاس، إذ من المؤكد أننا سنرى إفلاسات، وأي اقتصاد متطور يجب أن يتم توفير كل التشريعات والقوانين التي تنظم عمله، لاسيما أنه لا شك أن الأزمة الراهنة قد تؤدي إلى أزمة ديون، وبالتالي وجود مثل هذا القانون سيعطي متنفساً للشركات لترتيب أوضاعها. ● هل ترى أن هناك فرصاً يمكن لها أن تتوفر في مثل الظروف الراهنة؟ - هناك فرق كبير بيننا وبين المؤسسات الأجنبية في الجانب الاستثماري، إذ قد يلجأ بعض المستثمرين الأجانب إلى الخروج من استثماراتهم في منطقة الخليج، لاسيما في ظل تهاوي أسعار النفط وتوقعات بحدوث انكماش في اقتصادات هذه الدول، عكس المستثمرين المحليين الذين يتمسكون باستثماراتهم في ظل ظروف مثل هذه، الأمر الذي قد يخلق العديد من الفرص الجيدة، ومن يمتلك «الكاش» والرؤية الاستثمارية الصحيحة فسيكون هو المستفيد الأول من هذه الأزمة. ● لديكم في مجموعة المشاريع جانب من الأسبقية والابتكارات، هل لديكم فرص تحت الدراسة؟ - الحمد لله، نحن في المجموعة سباقون في طرح الأفكار والاستفادة من الفرص التي يمكن لها أن تحقق عائداً جيداً لنا ولمساهمينا. نمتلك السيولة والكاش اللازم لاقتناص الفرص التي قد تتيحها الأزمة وندرس حالياً بعض الفرص في المنطقة، وجميع تجاربنا أثبتت نجاحها رغم الظروف التي مرت بها دول المنطقة. «سدافكو» في السعودية وبنوكنا في دول المنطقة قامت على دراسة وأسس فنية سليمة، جعلت الاستفادة منها تتجلى بكيفية التعامل والتعايش مع جميع المتغيرات التي طرأت في هذه الدول. ● هل هناك قلق على القطاع المصرفي في المرحلة الحالية باعتباره سيتحمل جزءاً كبيراً من الحلول كما ذكرت؟ - يعتمد ذلك على حجم الأضرار الناجمة عن تلك الأزمة، فعلى سبيل المثال التعثر الذي أصاب شركة «أن أم سي هيلث» أدى الى تأثر بعض المؤسسات والبنوك الكويتية، ومن السهل استيعابها نظراً لقوة ومتانة القطاع المصرفي، لكن ماذا لو تكرر هذا السيناريو في 10 مؤسسات؟ من الطبيعي أن حجم التأثير سيكون أكبر.● هل سيلعب «برقان» دوراً رئيساً في الأزمة الراهنة؟ - من الطبيعي أن يكون له دور مثله مثل باقي البنوك المحلية، ولكن دوره الأكبر سيتركز على تقديم الحلول للشركات أكثر من الأفراد. ● هل التقيتم لجنة التحفيز الاقتصادي أو طُلب منكم أي مقترحات للحد من آثار الأزمة؟ - لم نجتمع مع لجنة التحفيز الاقتصادي، ولم يطلب منا تقديم أي مقترحات للحد من آثار الأزمة الراهنة، والمشكلة لا تكمن في تقديم المقترحات والأفكار، فنحن في الكويت «ملوك المانشيتات والعنوانين في الصحف بالمقترحات» لكننا نضيع في التفاصيل والتطبيق. هناك العديد من اللجان والفرق التي تم تشكيلها للتشخيص والحلول، وسمو الأمير ترأس بنفسه لجنة استشارية لوضع معالجات وحلول للأزمة الاقتصادية في عام 2011، والعجيب الغريب أن كل هذه المقترحات والحلول دائما ما تتكرر، «الكلام مكرر والقرار مؤجل»، والتعويل هنا على أصحاب القرار وقدرتهم وجرأتهم على اتخاذ القرار بغض النظر عن أي أمور سواء كانت سياسية أو اجتماعية.● هل تدعم ضرورة فرض الضريبة على القطاع الخاص في المرحلة الحالية؟ - لا أمانع فرض الضريبة ولست ضدها، هي جزء من الحلول المطروحة، ولكني ينبغي أن يقابل ذلك نوعية وتميز في الخدمات التي سيحصل عليها القطاع الخاص. وهناك من يعول على ضرورة إيقاف مواطن الهدر في الموازنة العامة قبل البدء في تطبيق الإصلاحات ويتحملها التاجر أو المواطن، ولكني أرى ضرورة السير بالمعالجات بالتزامن، وحينما يحصل ذلك أؤكد أنه لن يكن هناك مكان للاعتراض على أي قرارات ستتخذها الحكومة بشأن المعالجات، مع الأخذ في الاعتبار الالتزام بالشفافية في الإعلان عن مزايا وعيوب جميع القرارات المتخذة. ● هل ترى انعكاساً لترقية بورصة الكويت إلى نادي الأسواق الناشئة؟ - البورصة ليست «كازينو « فهي دائما تعكس وضع اقتصاد الدولة بما فيها القطاع الخاص، وطالما أن عجلة دوران القطاع الخاص توقفت أو أصابها نوع من الشلل نتيجة عدم اتاحة الفرص الاستثمارية أو المشروعات التي يستطيع جني العوائد منها، فسينعكس ذلك عليها سواء على صعيد نوعية المستثمرين أو أحجام السيولة والتداولات، فعلى الرغم من الترقية من قبل ثلاث مؤسسات عالمية، لا تزال نسبة «الأفراد» هي الأكبر من حيث التداولات، والذي يركز بشكل أساسي على المضاربة، عكس المستثمر المؤسسي الذي دائماً ما ينظر إلى حجم المشاريع والمناقصات لدى الشركات المدرجة التي تدر تدفقات نقدية، الأمر الذي يجعل هذه الشركات أكثر قدرة على المنافسة، وتكون على أرض صلبة في مواجهة الأزمات، أما الأدوات الاستثمارية التي يتم إطلاقها من قبل البورصة فهي بمثابة عامل مساعد لجذب الاستثمارات وخيارات للتداول والاستثمار فيها. ● هل ترى أن الشركات المدرجة في البورصة حاليا تستحق الوجود فعلياً على شاشة التداول؟ وهل هناك شح في الأدوات الاستثمارية؟ -هناك شروط ومعايير وضعتها الجهات الرقابية للإدراج في البورصة، من لم يستطع الالتزام بها وتطبيق المعايير المحددة لذلك فلن تجد لها مكاناً ضمن القائمة، والوقت كفيل بتبيان أحقية تواجد الشركات الموجودة من عدمها، والمستثمر يكون هو صاحب القرار الاستثماري، وهو من يتحمل نتيجة قراراته. وبخصوص الأدوات الاستثمارية المتاحة فهي شحيحة ولا تلبي رغبات المستثمرين، فالمستثمر دائماً يطمع في المزيد منها، مع ضرورة مواءمتها مع الأنظمة المعمول بها حاليا. هناك أدوات تم إقرارها ولكنها لم تلق القبول لدى بعض الأطراف والجهات المتعاملة في السوق، وهذه المعضلة تتحملها هيئة أسواق المال، كونها هي الجهة المسؤولة عن سن التشريعات والقوانين الخاصة بهذه الأدوات قبل إطلاقها رسمياً في السوق. ● ما الذي يميز مجموعة «كيبكو»عن نظيرتها من المجاميع الاستثمارية الأخرى؟ -إحدى نقاط القوة التي تتميز بها «كيبكو» هي التركيز على المشاريع والأنشطة التشغيلية التي تدر تدفقات نقدية جيدة، إضافة إلى إداراتها وقراءتها الاستباقية لجميع المؤشرات المالية والاستثمارية وإدارتها الجيدة لاستحقاقاتها والتزاماتها. نحن دائما كنا نسير على الطريق الصحيح، وجميع شركاتنا استطاعت عبور الأزمات المتعاقبة التي مرت بها بفضل الإستراتيجية الحصيفة التي اعتمدتها في إدارة كل الشركات، وخير دليل على ذلك الإعلان الأسبوع الماضي أننا بصدد سداد سندات بقيمة 500 مليون دولار كانت تستحق في شهر يوليو المقبل من مواردنا وإيراداتنا الحالية بفضل المركز المالي القوى للشركة وشركاتها التابعة. وخلال الـ 10 سنوات الماضية استطعنا توزيع حوالي 300 مليون دينار لمساهمينا، لو لم نقم بتوزيعها أو احتفظنا بجزء منها لحققنا الكثير من الأرباح لنا ولمساهمينا.تهاوي الأسعار ● ما رأيك في أزمة تهاوي أسعار النفط ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة؟ -الانهيار الذي جرى له أسباب خاصة، جزء منها أن حجم المخزون في أميركا وصل إلى نسبة بلغت 90 في المئة وعدم القدرة على تخزين إضافي، فشراء المزيد يصنع أزمة في كيفية تصريف هذا المخزون، الأمر الذي دفع إلى عملية البيع ووصول الأسعار إلى المستويات الحالية. ولكن الأمر الإيجابي لمنطقة الخليج أن كلفة إنتاجها للنفط هي الأقل على مستوى العالم، والأسعارلن تصل إلى الصفر، لأن الفحم يستخدم حتى الآن. ● هل هناك حاجة لإنشاء مجلس أعلى للاقتصاد؟ - الأمر مرهون بأصحاب القرار في الدولة وقدرتهم على اتخاذه. جميع وزراء المالية في الحكومات المتعاقبة يعلنون عند توليهم الحقيبة الوزارية عن شعار «شد الأحزمة والتقشف»، الأمر الذي يزيد المخاوف لدى المواطنين ولكن سرعان ما تتلاشى هذه التوجهات مع مرور الأزمات وارتفاع أسعار النفط. نحن في الكويت نمتلك القدرات المالية «لتغليف المر بنوع من الحلاوة ليمر»، وأؤكد أن الوقت لم يمر بعد ويمكننا العمل على تنفيذ واتخاذ القرارات التي تخدم الاقتصاد الوطني. ● هل تدعم دعوات خصخصة القطاع النفطي؟ - أنا مع تخصيص كل شيء فوق الأرض بالنسبة للقطاع النفطي. هناك مشاريع تمت إقامتها في الدولة بشكل متماثل للخصخصة مثل مشروعات الشراكة والوجهات البحرية عن طريق طرحها بنظام الـ «BOT»، ولكن الأمر يحتاج إلى تنظيم كبير سواء لخصخصة القطاع النفطي أو الصحي أو التعليمي، ووضع الاشتراطات والمعايير التي تنظم تلك العملية، إضافة إلى إتاحة المنافسة للجميع دون اقتصارها على جهات محددة، فضلاً عن مكافأة الشركات الفاعلة ومعاقبة الأخرى التي تخفق أو تفشل. القطاع الخاص قد لا يمتلك السيولة اللازمة لتنفيذ مثل هذه المشاريع العملاقة، ولكنه يمتلك القدرات والمؤهلات الفنية التي ترشحه لتولى تنفيذها. ● كنتم سباقين إلى الدعوة لعملية الدمج، ورأينا ذلك بين «كامكو» و»غلوبل»، ودعمتم شركاتكم من خلال زيادة الملكيات فيها، هل من جديد على ذلك الصعيد؟ -نحن في «كيبكو» لم نتوقف عن الأفكار الجديدة والابتكار، وندرس جميع الفرص المتاحة التي يمكن لها أن تحقق فائدة جيدة لنا ولمساهمينا من حيث الايجابية والسلبية ونظرة السوق لها، والأيام المقبلة ربما تشهد توجهات جديدة. وأؤكد أن عملية الدمج بين «كامكو» و»غلوبل» تمت على تقييم فني بحت للاستفادة من القدرات الفنية والإدارية التي تمتلكها كل من الشركتين في الأسواق المتواجدة فيها، فنموذج عمل الشركتين مكمل للآخر، ولا يبخس حق أحدهما أو يرجح كفته على الآخر. ● هل زيادة ملكيتكم في «OSN» دليل على قناعتكم بهذا الاستثمار؟ -خلال الفترة الماضية كانت هناك محاولات للتخارج منها، ولاحت لنا الفرصة لزيادة ملكيتنا فيها إلى نسبة تصل إلى80 في المئة، وفي ظل الإجراءات التي تم اتخاذها بخصوص الاستثمار فيها من خلال تخفيض النفقات والمشاريع الخاصة بها نتوقع تحسن أوضاعها يوماً بعد يوم، فالشركة وزعت في بعض الأعوام 100 مليون دولار، ولم يتم إدراجها نظراً للظروف والأوضاع التي تمر بها الأسواق العالمية. ● ماذا عن استثماركم في القطاع المصرفي، هل هناك أي خطوات في هذا القطاع؟ -نتواجد من خلال القطاع المصرفي في كل من الكويت عبر بنك برقان، والأردن، وتونس، والجزائر، والعراق، والبحرين عبر بنك استثماري، ونعكف حاليا على دراسة أوضاع «برقان»، أما عن مدى تأثير البنوك الخارجية وتمثيلها عبئا عليه أو تصنيفه، فجميع الأفكار مطروحة ونقوم بدراستها بشكل دقيق لتحديد وجهتنا الاستثمارية في هذا القطاع. ● هل هناك مخاوف على استثماراتكم الخارجية بوصفها تمثل نسبة ليست قليلة من ايرادات المجموعة؟ -الإيرادات الخارجية تمثل نحو 40 في المئة تقريباً من مجمل إيراداتنا، وجميع بنوكنا الخارجية الحمد لله تحقق ربحية، رغم الظروف الصعبة التي مرت بها بعض الدول التي نتواجد فيها، وهذا بفضل استراتيجيتنا الجيدة وبركة رب العالمين. ● ماذا عن آخر تطورات مشروع «حصة المبارك»؟ -المشروع يسير بخطة ثابتة، وهو عبارة عن 88 قسيمة يتم تطوير 77 منها، والمتبقي فقط 11، نحن نطور جزءاً، وهناك أجزاء تقوم جهات أخرى بتطويرها، والحمد لله كانت عوائدها جيدة لصالح الملاك الذين يشاركون فيها. ولدينا مشروع آخر في الفحيحيل، وهو مشروع خباري، وهناك تصورات لمشروعات عدة، كما اننا نتواصل حالياً مع البلدية لإنهاء الإجراءات المطلوبة للانتقال إلى مرحلة التنفيذ، ونأمل عدم تأثرها بالأزمة الراهنة، مع سرعة اتخاذ القرار من قبل أصحاب القرار في البلدية، وهناك تفهم كبير حول هذا المشروع.● ماذا عن توقعاتك لنمو إيرادات المجموعة في ظل الأزمة الراهنة؟ -كنا قبل الأزمة نتوقع عوائد تصل إلى 12 في المئة مع نهاية العام الجاري،والآن تصعب عملية التقييم ونعكف على إعادة النظر فيه. ● هل سيؤثر تخفيض التصنيف على قدرة»كيبكو»؟ -الحمد لله أوضاعنا جيدة، وهناك إعادة في تصنيف العديد من المؤسسات، حتى الدول تأثرت بالأوضاع الراهنة وانخفض تصنيفها، وانخفاض التصنيف يمكن أن يؤثر على التمويل في حال الحاجة إليه، إذ يمكن زيادة كلفة الاقتراض، ولكننا لسنا بحاجة إليه في الوقت الراهن.
مشاركة :