تونس: من تقاسم الحكومة إلى اقتسام رئاسة الحكومة

  • 4/27/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كان من المنطقي أن تفضي مقدّمات مُحاصصة الوزارات واقتسام السلطات، إلى نتيجة تقاسم مؤسسة رئاسة الحكومة بذاتها، ذلك أن منطق الغنيمة الحاكم لأداء الكثير من الأحزاب التونسية هو منطق ينسحب على معظم مفاصل الدولة وبلا استثناء. فبعد أيام من نشر قائمة الصلاحيات الموسعة لمحمد عبو، وزير الدولة المكلّف بالوظيفة العموميّة والحوكمة ومكافحة الفساد، وهي صلاحيات تكاد تُنازع صلاحيات رئيس الحكومة، أعلنت مصادر مطلعة لوسائل إعلام تونسية تعيين قياديين اثنين من حركة النهضة كمستشارين لإلياس الفخفاخ. وتكاد تتوافق المصادر في أن القياديين النهضاويين هُما عماد الحمامي وزير الصحة الأسبق، وأسامة بن سالم ابن القيادي الراحل المنصف بن سالم. من الطبيعي أن يكون لرئيس الحكومة مستشارون من الحزام السياسي الذي صوّت له، ومن المنطقي أن يأتي بكفاءات سياسية متحزبة لها دراية بالعمل الإداري وبدواليب الدولة لمعاضدته في العمل اليومي لاسيما وأن تونس اليوم تعيش أزمة صحية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، ولكن من غير المنطقي أن يكون التعيين الاستشاري مبنيا على منطق الغنائمية السياسية وتقاسم الأحزاب لمراكز النفوذ والسلطة في البلاد. وما يحصل اليوم بهذا التعيين أننا ننتقل من دور المستشار المستقل عادة عن الأحزاب والذي ينظر إلى المسائل بعُمق الخبير والفاهم لتداعيات وتطورات الأمور، إلى المستشار الظلّ لحزبه وكتلته النيابية وتوازنات الشقوق في تياره السياسي. ولئن سلمنا بإمكانية وجود مستشارين متحزبين في دوائر اتخاذ القرار فإن وجودهم لا يكون بمنطق عين الحزب الرقيب على المطبخ السياسي، ولا يكون أيضا بفلسفة تأمين فيتو في مربع صناعة القرار. ولأن منطق التوافق على حكومة الفخفاخ، كان منطق الضرورة والخشية من الضرر الانتخابي، ولتجميع المتباين والمتضاد، تم اختلاق منظومة حكم أشد تهجينا من نظام الحكم الهجين أصلا. بمعنى أننا حيال وزير شبه رئيس حكومة ممثلا في محمد عبو، وحيال مستشارين أدوارهم أعلى من المستشارين العاديين باعتبار امتلاكهم لحق النقض المستمد من حزبهم صاحب الأغلبية في البرلمان، في المقابل يصير دور الفخفاخ لا قيادة دواليب الدولة كما هو مقرر، بل التنسيق بين الأحزاب السياسية الكبرى وتأمين التوافق بينها. يدفع الفخفاخ اليوم فاتورة باهظة لأمرين اثنين، الأول أنه جاء بلا حزب في البرلمان يسنده بالرؤى والتصورات والمستشارين المدافعين عن خياراته، والثاني أنه وافق على التعامل مع غرور القوة لدى بعض الأحزاب والتي توهمت أنها تمثل أغلبية برلمانية كاسحة، والأخطر من ذلك أنها تحالفت مع بعضها البعض على هذا الأساس. ولهذا، فالمشهد في القصبة، يوحي وكأننا حيال 3 سلطات في سلطة واحدة، سلطة محمد عبو ولها تقريبا كافة صلاحيات المراقبة والسيادة على الوزارات، وسلطة النهضة ممثلة في شخصيتين سياسيتين ستكونان عين النهضة في القصبة إلى حين تركيز عقل النهضة هناك، وسلطة إلياس الفخفاخ الذي إن تحرك اليوم بمقتضى المراسيم فكيف له بسط نفوذه وقراراته بعد كورونا؟ وما بين السلطة الرقابية للتيار الديمقراطي، والسلطة الاستشارية الإلزامية لحركة النهضة، وما تبقى من السلطة التنفيذية للفخفاخ، تكون رئاسة الحكومة قد نالها ما نال كافة الحقائب الوزارية من لوثة تقاسم المقسم. وعندما تكون السلطة الاستشارية بهذا التكثيف، تكون حركة النهضة قد وضعت الفخفاخ ضمن مراقبة قبلية في القصبة ومراقبة بعدية في البرلمان، وهو بالضبط التجسيد السياسي لمقولة أن تكون النهضة في صلب الحُكم وإن لم تكن على رأس الحكومة. وعندما تستحكم الغنائمية السياسية في التحالفات والتوافقات، تتفتت معها لا فقط الحقائب الوزارية، بل النواتات الأصيلة والمركزية لأية سلطة تنفيذية في العالم. يبقى السؤال الآن، ممّ تخشى حركة النهضة، حتى تدفع بمستشارين اثنين من صفها الأول، إلى قصر القصبة؟ يبدو أن استقلالية الرئيس قيس سعيد في السياسة الخارجية أولا وقد عبر عنها بتواصله مع كافة العواصم العربية والإسلامية دون اصطفاف أيديولوجي، إضافة إلى الخطوط الحمراء التي وضعها للمجلس التشريعي في التعامل مع وباء كورونا ثانيا، واختياره لمستشاريه بشكل فردي ثالثا، وتجييره للحمولة الرمزية الدينية رابعا، وعدم استناده إلى حزب بالإمكان الضغط عليه من خلاله، مثلما صار مع الراحل الباجي قائد السبسي خامسا، قد أكدت للنهضة أن مؤسسة رئاسة الجمهورية حاليا لن تكون ضمن المناطق السياسية الآمنة في هذه الولاية على الأقل. في المُقابل، تخشى حركة النهضة من رئيس حكومة يبني جزءا من شرعيته المتراكمة من الاستعصاء الحاصل في البرلمان، بل تمكن إلى اليوم من حسن إدارة الأزمة الصحية بفضل تخليص القرار السيادي من مناكفات مجلس النواب، ولا يتردد لحظة في توجيه لوم شديد لمنظومة عمل البرلمان. وهو بهذا الأداء، يجعل من منظومة الفعل التشريعي برمتها محل استفهام واستغراب، وهي المنظومة التي تبني عليها حركة النهضة تصورها لحوكمة البلاد وتعبئة جمهورها وتحضيره للمؤتمر الانتخابي لها. في حوار صحافي سابق استهجن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي سياسة الراحل قائد السبسي وحتى يوسف الشاهد، مشيرا إلى أن الرجلين رفضا أن يكون لحركة النهضة مستشارون في الرئاسة ورئاسة الحكومة، اليوم لا يزال فيتو الرئاسة قائما، أما الفخفاخ فيبدو أنه قبل بأن تكون النهضة في رئاسة الحكومة، ولكن الخشية كل الخشية أن تصير رئيسة رئيس الحكومة.

مشاركة :