الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي الكريم، وعلى آله وصحبه الأخيار إلى يوم الدين ،،،،،،،،وبعد فمن المعلوم أن رمضان شهر الطاعة والعبادة، وقد أُمرنا فيه بالصيام، والقيام، وقراءة القرآن، وغير ذلك من العبادات التي تقربنا إلى الله عز وجل، وقد أوشك هذا الشهر المبارك علي الانتهاء، فمع بداية العشر الأواخر يتأهب المسلمون في وداع هذا الشهر، ولكن لابد أن نضع في الحسبان أن العشر الأواخر لها فضل كبير، و ثواب عظيم، وقد حث النبي-صلى الله عليه وسلم- علي اغتنامها، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ". (متفق عليه). وقد تأول العلماء شد المئزر بأنه كناية عن ترك الجماع، والجِد، والتشمير في العبادة، وحرص النبي علي إيقاظ أهله معه على العبادة كي ينالا معه الأجر العظيم، والثواب الجزيل، فكان لا يترك صغيرًا أو كبيرًا من أهله يطيق الصلاة إلا أيقظه. ولا ننسي أن في العشر الأواخر نزل القران الكريم علي سيد البشر من شهر رمضان فقال تعالي" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..." (البقرة: 185).كما أن في العشر الأواخر ليلة خير من ألف شهر سماها الله ليلة القدر، فمن فاتته تلك الليلة فقد فاته الخير كله، ومن عظم أجرها، وجزيل ثوابها، أنزل الله عز وجل فيها سورة كاملة تسمى سورة القدر، وقد صوَّر القرآن الكريم ما يحدث في هذه الليلة بقوله تعالي" تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)".فنزول الملائكة في هذه الليلة المباركة لما فيها من الخير الكثير، فمن أقامها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقد جاء في الحديث الشريف عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ». (صحيح، سنن ابن ماجه). ومن ثمَّ يجب على كل مسلم أن يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها، ولنا في رسول الله-صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَة-رضي الله عنها- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ اجْتِهَادًا، لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ». (صحيح مسلم).فكان -صلى الله عليه وسلم- يحيي الليل بالقيام، والنهار بالاعتكاف، ويحرص على الاعتكاف، ويأمر أصحابه به، وللمسلم أن يبدأ الاعتكاف في أي وقت وينهيه في أي وقت متي أتيحت له الظروف. وإذا كان الأمر كذلك فيجب علينا في هذه الأيام المباركات أن نجتهد في العبادات، من قراءة للقرآن، والصلاة، والصدقة، والدعاء، والذكر، فكل هذه عبادات لها فضل كبير، لا سيما في شهر رمضان المبارك، فهيَّا بنا نحرص على استثمار العشر الأواخر استثمارًا جيدًا حتى نخرج من شهرنا هذا وقد غُفر لنا ما تقدم من ذنبنا وما تأخر؛ وأن نجتهد كذلك بالدعاء فنقول:" اللهم إنك عفو تحب العفو فعفو عنا"، فعن عَائِشَةَ أم المؤمنين-رضي الله عنها، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ:" قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي ". (حديث صحيح، أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما).أعاننا الله وإياكم على العبادة والطاعة، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، ورزقنا وإياكم الإخلاص والقبول، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مشاركة :