أقام المكتب الثقافي المصري في الكويت أمسية «رماد الروضة» احتفاء بالكاتبة الدكتورة إقبال العثيمين، وذلك ضمن أنشطة ديوان القراءة، تحت رعاية سعادة السفير المصري عبد الكريم سليمان. في البداية رحّب الملحق الثقافي المصري الدكتور نبيل بهجت بالدكتورة إقبال العثيمين، وأعرب عن سعادته بإقامة الأمسية لنقاش كتاب أهميته تأتي من قدرته على صناعة الأمل، وعلى بث مفهوم المقاومة من خلال البحث عن المسرات الصغيرة وهي مفاتيح الأمل لأي شعب يريد أن يقاوم ويصنع المستقبل. ثم عرض الكاتب إبراهيم فرغلي الكتاب والذي يعتبر بمثابة شهادة إضافية لمن عاصروا فترة غزو الكويت، من أبناء الكويت، والتي أتصور أن أغلبها لم تسلط عليه الأضواء، وربما لأن غالبية الكويتيين يريدون نسيان هذه الفترة المؤلمة من تاريخ الكويت. ولكن يرى فرغلي أن الكتاب يؤكد وعي الدكتورة إقبال العثيمين بأن استدعاء الألم مفيد أحيانا من أجل تطهير الجروح وعلاج تداعياتها على نحو أو آخر. والنبش في صور يريد أن يتناساها الكثيرون ويعتبرونها صورا حرقت وانتهت رمادا، بينما ترى إقبال أن أسفل الرماد هناك بقايا من أشياء ثمينة لم تقض عليها النار تماما. ويروي فرغلي أنه بينما كان يقرأ «رماد الروضة»، الكتاب الجديد الصادر عن دار العين المصرية، للدكتورة إقبال العثيمين، الأكاديمية والناشطة الكويتية في مجالات حقوق الإنسان والمرأة، راوده الإحساس أنه رغم مرور أكثر من عقدين على اجتياح العراق للكويت، ومثلهما كذلك على تحرير الكويت، فإنه لا يزال ثمة جرح ما أصاب الشخصية الكويتية، ويبدو أنه لم يندمل بعد. ويقول انه مع استمراري في قراءة «رماد الروضة» كنت أدرك أهمية الكتاب، ليس فقط لأنه من الأعمال القليلة التي أخذت كاتبته، الدكتورة إقبال العثيمين، على عاتقها أن توثق من خلاله يوميات كويتيي الداخل، في حدود مشاهداتها هي وخبراتها، الذين عاشوا محنة الاحتلال العراقي للكويت، وواجهوها، رغم كل المعاناة، والأحزان والألم. بل وأيضا، لأنها ترصد عبر تلك الوقائع اليومية كيف أن الكويتيين آنذاك، ورغم قسوة المحنة، كانوا جميعا على قلب رجل واحد. اختفت العصبيات والضغائن القبلية، والمذهبية، والطبقية، ولم يحضر سوى اسم الكويت كغطاء واحد ووحيد يتدثر باسمه كل مَنْ بقي في الكويت على أمل أن تنتصر على محنتها رغم الظروف بالغة الصعوبة التي واجهتها. قسمت العثيمين كتابها إلى 27 فصلا أو بالأحرى إلى 27 مشهدا توثيقيا، في صياغة سردية، اختارت لكل منها موضوعا، أو حادثة، أو اسما كان له دور في تلك الفترة. وهذا البناء يتناغم مع ما أشارت إليه في بداية الكتاب من أن حكايات الكتاب هي «خلاصة ما تبقى من تلك المرحلة في الذاكرة»، فهي مزيج مما قد يبدو يوميات، ولقطات ومشاهد، وأحيانا أفكار عن الشهور السبعة التي جسدت الفترة الكئيبة التي مثلت زمن الغزو. تبدأ العثيمين كتابها بالكيفية التي تلقت بها الخبر المفزع لاجتياح القوات العراقية الكويت حين أيقظتها الفتاة الفلبينية بروكسي، من حلم غريب، وفي توقيت لم يكن مسموحا للفتاة أن توقظها فيه، باعتباره يوم الإجازة، بسبب إصرار شقيق إقبال؛ سليمان، أن يبلغها أمرا خطيرا على الهاتف. ثم تدخل بنا إلى الأجواء الكابوسية الأولى التي عايشها أهل الكويت حتى تأكدوا من صدق ما يحدث حولهم من مظاهر لا تدل سوى على أن الكويت بالفعل تعرضت لاجتياح عسكري على يد قوات صدام حسين. كما تشير إلى الدور الذي قام به الأجانب من المقيمين، وخصوصا العرب، في تنقلات الكويتيين من مكان لآخر. القلق المرعب على الغائبين، ممن تم اعتقالهم من قبل الجيش العراقي، أو ممن اختفوا في ظروف مختلفة. وقد كان سليمان، شقيق إقبال، أحد هؤلاء المختفين، والذي واجه العزل في مكان عمله لفترة، قبل أن يتمكن من العودة. بالإضافة إلى رصد الظروف النفسية السيئة التي تعرض لها الشباب والمراهقون والأطفال بسبب هذه الظروف الاستثنائية. تستعرض إقبال العثيمين كذلك دورا ربما لا يعرفه الكثيرون، هو الدور الذي لعبته السيدات في المقاومة المدنية،. وفي أعمال الإسعاف، وفي رعاية دور الأيتام والمسنين الذين كانوا يعانون من الخوف، وقلة الرعاية بعد غياب أغلب العاملين في تلك المؤسسات من الأجانب، وطباعة المنشورات التي تحث الموجودين على المقاومة وتنظيم التظاهرات، وفقا للأحداث ومستجداتها خارج الكويت، وغير ذلك. كما تتوقف الكاتبة عند موقف المقاومة المسلحة الكويتية التي ترى أنها لم تكن حلا واقعيا، بسبب عدم تكافؤ بين قوتين إحداهما مدججة بالسلاح والأخرى هي بوصف العثيمين «شعب أعزل»، وقد ابلغت بذلك يوما وفق ما تقول في آخر فصول الكتاب، للكاتب الكويتي إسماعيل فهد اسماعيل، الذي كان أحد رموز المقاومة الكويتية المسلحة، والذي استشهد أحد أشقائه في واحدة من تلك العمليات. وترى أنها تؤمن أكثر بالمقاومة المدنية والعصيان المسلح، ربما، وقد عاشت فترة من حياتها الدراسية في الهند، بسبب يقينها في النموذج الهندي بقيادة غاندي الذي استطاع دحر الاحتلال بهذه الطريقة. لكن وجه الاختلاف في سرد كل هذه التفاصيل تحققه العثيمين من خلال رسم صورة حية تماما لكل الأحداث، التي تبدو كأنها حدثت بالأمس، وحيث تتمتع الشخصيات فيها بطبيعتها، بما في ذلك العديد من اللقطات المرحة، من الحياة اليومية، تنقلها باللهجة الكويتية المحلية، كاشفة عن الكثير من خفة الظل والمتناقضات، ورصد لأمسيات سهر وسمر، حاول بها الكويتيون أن يتغلبوا على مخاوفهم، وربما تعبيرا عن تشبثهم بالحياة والمقاومة والأمل. هذه تجربة وشهادة لها أهميتها؛ ليس لأنها تستدعي وتنفض الغبار عن مرحلة حاول ولا يزال الكثير من أهل الكويت يحاول ان يتناساها، بل لأن استدعائها بما فيها من ملاحم المقاومة والمواقف الإنسانية هو ما يحتاجه الجيل الجديد اليوم. في بداية النقاش علق الكاتب الروائي اسماعيل فهد اسماعيل قائلا انه تابع تجربة كتابة اقبال العثيمين منذ بدأت تفكر فيها وشجعها على كتابتها بالطريقة التي ترتئيها وترتاح لها، مؤكدا لها ألا تنتظر أن تنقل خبرة كتابة من أحد. وعبر عن إعجابه بالكتاب. وعلقت السيدة ليلى متولي على الكتاب بقولها انه كتاب جميل يتحقق جماله من أنه يحتفي بالحب والأمل وليس بمشاهد العنف والكراهية والعداء. كما علق الفنان نبيل قطيط معبرا عن سعادته بالكتاب موضحا أنه أوحى له بتلحين أغنية عن الكويت كان يتمنى أن تصدر في اسطوانة مع الكتاب، وقدم قراءة شعرية للقصيدة. وعلق محمد عبد الجواد على الكتاب قائلا انه شهد فترة الغزو في الكويت وكان أميل إلى الطابع السلمي للمقاومة خصوصا أنه كعراقي كان من الممكن الاستفادة منه في التحركات والانتقالات. وعلقت جيهان عبد العزيز حول أهم أفكار الكتاب وما أعجبها فيه من كونه يحتفي بالأمل، وبالقدرة على إظهار تفاصيل كثيرة قد لا يعرفها القارئ العربي خصوصا في ما يتعلق بالدور الذي لعبته المرأة في المقاومة بسبب التضييق المشدد على الرجال الكويتيين المطاردين من القوات العراقية. كما أكدت أن الكتاب يقدم أسلوبا مختلفا في الحديث عن خبرة مؤلمة فهو يكاد يخلو من الجهامة من فرط الاحتفاء بالمواقف التي لا تخلو من المرح والفكاهة وهو الأسلوب الذي نجحت به الشخصية الكويتية في المقاومة، مؤكدة أن الخبرة المنقولة تخص إقبال فقط وقد يكون هنا الكثير من المشاهد الأخرى العنيفة أو الخبرات المؤلمة أو القاسية التي قد يكون شهدها آخرون، وأوضحت أن الكتاب رغم أنه شهادة لكنه لم يخل من طابع أدبي سردي واضح. سألت الصحافية سارة السلاموني على الشخصيات في العمل ومدى كونها حقيقية أم مجهلة و وأضحت العثيمين أن اغلب الشخصيات المذكورة حقيقية لكنها غيرت بعض الأسماء والجنسيات أحيانا لحساسية ما كانت تسرده بخصوصهم. واقترحت الفنانة فاطمة كريمي أن تعمل الدكتورة إقبال على الدفع بتقديم العمل لينتج كمسلسل تلفزيوني لأنها ترى أن ما يقدم في أغلب الأعمال التلفزيونية لا يظهر حقيقة الحياة اليومية للمواطنين الكويتيين في أثناء الغزو. وقدم الدكتور عصام من كلية التربية عددا من التساؤلات حول أهمية الشهادات في توثيق الأحداث التاريخية وعقبت الدكتورة العثيمين بأن المشاهدات موجودة دوما بين وثائق التاريخ.
مشاركة :