العمل من المنازل .. اضطرار عارض أم خيار مطروح؟

  • 4/28/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

وباء فيروس كورونا أثار تراجعا كبيرا للعمل في المكاتب، بانتقال معظم العاملين إلى المنازل، في خضم الضائقة الاقتصادية. في حين أن البعض قد توصل إلى أن من المريح التخلي عن التنقل اليومي والعمل بالوتيرة التي تناسبه في المنزل، إلا أن هناك آخرين يجدون ذلك مرهقا لشعورهم بالبعد عن المكاتب، في الوقت الذي تجري فيه الشركات تخفيضات وتمنح إجازات للعاملين. اضطراب النوم وصعوبة التحكم في الحالة المزاجية وعدم الرضا عن الحياة، قلق عام ضمن مشكلات شائعة، كما يقول ريتشارد شايفيتز، الرئيس التنفيذي لشركة كومسايك ComPsych القائمة في شيكاغو، التي تقدم برامج مساعدة للعاملين في الشركات في جميع أنحاء العالم: "حتى الشخص الذي يتمتع بوضع سليم نسبيا من حيث الصحة العقلية، سيشعر بآثار التغيير المفاجئ في أسلوب حياته: عدم القدرة على الخروج والخوف من المجهول، أو الخوف من فقدان الوظيفة". نيك بلوم، زميل أعلى في معهد ستانفورد لأبحاث السياسة الاقتصادية، الذي بحث عن تأثير العمل من المنزل على الإنتاجية يقول إن: "إجبار الجميع على البقاء في المنازل وغالبا العيش مع الأطفال في غرف مشتركة، وعدم الهروب اجتماعيا في أوقات عدم العمل، سيولد ضغطا نفسيا كبيرا". ويضيف: "هذا عادة يؤدي إلى الشعور بالوحدة والاكتئاب، وهو مكلف عقليا، وغالبا ما يؤدي إلى تدهور الصحة البدنية، أيضا". في بريطانيا أفادت وكالة بوبا Bupa مزودة الرعاية الصحية الخاصة، أن علماء النفس المتخصصين في أماكن العمل محجوزون بالكامل للاستشارات الافتراضية، وأن خط نصائح الرفاهية تلقى مكالمات أكثر بنسبة 300 في المائة منذ ظهور أزمة فيروس كورونا. استجابة لذلك، تعين مزيد من المهنيين المدربين في الصحة العقلية. تقول شركة كومسايك إن عدد المكالمات ارتفع بشكل حاد في آسيا عندما انتشر الوباء، بينما كانت هناك في الولايات المتحدة زيادة بنسبة 20 في المائة في طلبات مناقشة مشكلات الصحة العقلية. يقول شايفيتز: "من الواضح أن الناس يشعرون بآثار الإغلاق اقتصاديا، إنهم يفقدون وظائفهم، ويشعرون بالقلق بشأن مستقبل أسرهم". مزيد من الهروب مزيد من القلق في استطلاع سريع لـ500 عامل من المنازل أجراه معهد دراسات التوظيف، توصل إلى أن 20 في المائة من المستجيبين يعترفون بزيادة الشرب، وقال الثلث إنهم يأكلون بشكل أقل التزاما بالقوعد الصحية، وأضاف 60 في المائة منهم أنهم يمارسون الرياضة بصورة أقل. في المقابل، أفاد 64 في المائة منهم عن مشكلات في النوم بسبب القلق، و48 في المائة قالوا إنهم يعملون بأنماط عمل غير منتظمة ولأيام طويلة. أما الثلث فيشعر بالوحدة. لمكافحة العزلة، يشجع أصحاب العمل على اللقاءات الافتراضية، مثل الساعات السعيدة ومسابقات المواهب والألغاز عبر الإنترنت. يقدم بنك جولدمان ساكس دروسا للطهي عبر تطبيق زوم Zoom، وجلسات صلاة افتراضية ووقت لقراءة القصص للأطفال. أطلقت شركة لينك ليترز للمحاماة ورشات عمل جماعية افتراضية. تقول كيت دود، محامية توظيف تقدم المشورة لشركة للمحاماة عن التنوع والاندماج، "إن هذا تحول ثقافي. من كان يظن أن شركة محاماة ستعقد جلسات تأمل موجهة لمساعدة الأشخاص على التمييز بين العمل والمنزل. نحن نتعلم بينما نمضي. في الأسبوع الأول، كنا ننصح أن الناس بتشغيل كاميراتهم في الاجتماعات، ثم أدركنا أن البعض يجد الأمر مربكا للغاية، إذ كانوا يعانون هذا". تقدم مجموعة لويدز المصرفية إمكانية الوصول إلى أداتها للتواصل يور ريزلينس Your Resilience. لقد سجل أكثر من ثمانية آلاف زميل في البرنامج ويمكنهم الوصول إلى المحتوى الجديد المتعلق بالفيروس في شكل مقالات، ورسوم متحركة وملفات صوتية وندوات عبر الإنترنت. شركة المحاماة جعلت بعضا من موارد الصحة العقلية لديها افتراضية، مثل الأطباء النفسيين في هونج كونج وسنغافورة وبريطانيا. الموارد الأخرى على الإنترنت تشمل الندوات عبر الإنترنت، وتناقش التأثير النفسي للعمل في عزلة. بعض الأقسام وجهت دعوات أسبوعية للوالدين العاملين لمشاركة الأفكار عن أنماط العمل، والتعليم المنزلي وإشغال الأطفال الأصغر سنا، والتحديات التي تواجه مقدمي الرعاية، والحفاظ على الصحة العقلية والبدنية الجيدة. استطلاع شركة ميرسر توصل إلى أن 43 في المائة من العاملين يرون أن شركتهم قد عالجت قضية الضغط النفسي في هذا الوقت. إلا أن 15 في المائة فقط من أصحاب العمل أجروا استطلاعات على الموظفين لفهم احتياجاتهم. بحسب تعبير ترينت هنري، نائب رئيس المواهب في "إي واي": "لا يمكنك تغيير الثقافة بين عشية وضحاها". الصحة النفسية على أجندة الجميع عملاء جوناثان مولت، المحامي الذي أصبح طبيبا نفسيا استشاريا، هم في الغالب من العاملين في حي المال في لندن، ويقول إنه بالنسبة إلى كثير من أصحاب العمل، فإن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن متطلبات الوظائف في بعض الأحيان كبيرة جدا، لدرجة أنها لا تتطابق مع أهداف الرفاهية. "قبل فيروس كورونا، كان ينظر إلى الصحة العقلية على أنها مسؤولية شخص آخر وجزء من التنوع والاندماج، لكنها الآن تطبق في جميع المجالات. ربما تصاب نسبة صغيرة منا بفيروس كورونا، إلا أن 100 في المائة منا يتأثرون به نفسيا". التعامل مع مخاوف العاملين عن بعد أمر صعب. تقول بوبي جامان، الرئيسة التنفيذية لتحالف الصحة العقلية في الحي المالي في لندن، إن المسؤولين التنفيذيين يضطرون إلى التكيف بسرعة. يكافحون "للتعرف على الإجهاد عندما لا يرون الأشخاص وجها لوجه". تقول إن الأمر المهم هو التناغم مع تغيير السلوك وسؤال الأشخاص عن حالهم بشكل متكرر، بما في ذلك خلال المحادثات الفردية. راشيل سوف، مستشارة السياسة العامة في هيئة المهنيين في مجال الموارد البشرية، تقول إن: "القلق يمكن أن يكون معقدا ودقيقا". مع كثير من عدم اليقين الاقتصادي، تقول السيدة إن الخوف من فقدان وظائفهم يمكن أن "يغير سلوك الأشخاص". علاوة على ذلك، إذا شعروا أنهم قد يتم خفض أجورهم، سيشعرون أنهم غير قادرين على "رفع أيديهم والاعتراف بأنهم يكافحون". استجابة لذلك، أدخلت بعض الشركات نظاما للصداقة، يتم بموجبه إقران الموظفين مع شخص من خارج قسمهم للتحقق من صحتهم العقلية. الذين يعانون صحة عقلية ضعيفة من قبل سيكونون ضعفاء بشكل خاص. العاملون في الخط الأمامي، مثل المهنيين الصحيين الذين يخاطرون بالإصابة ويعتنون بالمرضى الضعفاء وأقاربهم المتألمين، معرضون بشكل خاص للإرهاق والقلق. حياة الموظفين في المنزل تختلف بشكل كبير. يقول هنري من "إي واي": "المشكلات تختلف بشكل كبير". حتى وإن كان الموظفون قادرين على العمل بأمان من المنازل، فقد يواجه شركاؤهم البطالة أو يكونوا عاملين مهمين؛ وقد يضطرون إلى رعاية الأقارب الضعفاء. يقول هنري: "تحدي الصحة العقلية صعب جدا. يعيش بعض موظفينا وحدهم. هذا يختلف عن شخص لديه ثلاثة أجيال يعيشون تحت سقف واحد. بعض الأشخاص يعملون لساعات طويلة وعلى المدى الطويل هذا أمر غير مستدام". آخرون "لا يشعرون بالانشغال بما فيه الكفاية" ويشعرون بالقلق بشأن مستقبل وظائفهم. مع امتداد العزلة الاجتماعية، يقول إنهم لاحظوا أن العاملين يجدون الأمر "يصبح أكثر صعوبة"، خاصة بالنسبة إلى المحاصرين في شقق صغيرة. يقول شايفيتز من كومسايك إن تخفيف قواعد الإغلاق، ومن ثم إعادة فرضها قد يكون له "تأثير ضار". إن الأمر مثل منظمة تسرح الأشخاص. "دائما ما نقول إنه ينبغي عليك القيام بذلك بسرعة، فالتأثير البطيء ربما يكون أسوأ". تحديات الإغلاق أدت العزلة إلى ارتفاع في حالات العنف المنزلي. المؤسسة ريفيوج الخيرية البريطانية التي تساعد المتضررين، أفادت عن ارتفاع بنسبة 700 في المائة في المكالمات لخط المساعدة في يوم واحد. آنا بورشاس، رئيسة قسم الأفراد في شركة KPMG للتدقيق في بريطانيا، وزعت إرشادات حول العنف المنزلي على المديرين. "النصيحة الرئيسة هي طرح أسئلة مفتوحة. افتح المحادثة وحدد المساعدة". أنجيلا أوجيلفي، مديرة الموارد البشرية العالمية في شركة للمحاماة تقول إن الأفراد المبتدئين عادة ما يكونون في شقق أصغر، لديهم كثير من شركاء السكن الذين يكافحون لإيجاد مساحة للعمل. "نحاول التأكد من أن الموظفين المبتدئين يضيفون قيمة، وأن لديهم عملا منفردا يمكنهم تحقيقه حتى لا يشعرون بأنهم بلا هدف. هناك تحديات مختلفة للقوة العاملة الأصغر سنا". لوسي دابلداي، الشريكة المنتدبة في وكالة ويرزسوشيال لإبداع وسائل التواصل الاجتماعي، تقول إن كثيرا من القوة العاملة الشابة في الشركة يعيشون في شقق مشتركة مع أصدقاء "تم تسريحهم من العمل، بطرق مروعة حقا. وهذا يؤثر فيهم". مجلس الظل في الشركة، وهو مجموعة يختارها الموظفون، معبر مفيد عن الحالة المزاجية للقوة العاملة. "نحصل على تعليقات منهم حول كيف يتم تفسير بعض الاتصالات" على حد قولها. الموظفون المجازون والقلق بالنسبة إلى الموظفين الذين منحوا إجازة، هناك قدر كبير من عدم اليقين. يقول شايفيتز، "إنه يسبب كثيرا من القلق، حيث لا يعرفون ما سيعودون إليه - هناك كثير من ’ماذا لو‘ فيما يتعلق بحالة الشركة. من الصعب أن تكون حاسما إذا كنت تعاني أزمة مالية كرئيس تنفيذي". حتى الذين منحوا إجازة مدفوعة الأجر، تقول السيدة سوف عنهم، إن ذلك ليس عطلة. "إنهم في حالة من عدم اليقين يمكن أن تولد كثيرا من القلق. إذا كنت تعمل فلديك هدف. لا يزال عليك واجب العناية بهم، ولا يزالون بحاجة إلى الشعور بالتقدير". توصلت الأبحاث إلى أن العمل لمدة ثماني ساعات فقط في الأسبوع يمكن أن يحافظ على الصحة العقلية للأشخاص. يقول بريندان بورشيل، محاضر في قسم علم الاجتماع، في جامعة كامبريدج وأحد معدي التقرير: "هناك فرق كبير فيما يتعلق بالصحة العقلية بين عدم العمل والعمل". ويقترح أن تسمح مخططات الإجازة الحكومية للأشخاص بقدر من العمل، ربما للقطاع العام - أو إعادة توزيع المهام داخل الشركات. "العمل يفرض هيكلا لحياة الناس، لذا يكون لديك شيء تفعله، لا تفكر بعمق طوال الوقت. الحفاظ على الاتصال مع الناس خارج المنزل. العامل الأكثر أهمية هو وجود أهداف ذات مغزى. قد يكون عملا إيثاريا، مثل مساعدة الممرضين، أو قد يكون أهدافا مثل البيع. يجب أن يكون مهما بالنسبة إليك وهذا ما يجعلك تستمر". أنتوني ويلر، أستاذ الإدارة في جامعة ويست تشيستر في بنسلفانيا، يقول إن "الموظفين الذين منحوا إجازة عادة ما سيواجهون مشكلات معنوية من شأنها الاتحاد مع التوتر والإرهاق". يمكن أن يكون الأمر مثيرا للفرقة: "إذا تم استدعاء بعض الموظفين إلى العمل بينما منح آخرون إجازات، فينبغي على الشركات وضع سياسات بشأن قراراتها فيما يتعلق بمن يعمل ومن لا يعمل". بشكل عام، يضيف الأستاذ ويلر أنه إذا اعتقد الأشخاص أن العمليات تطبق بشكل عادل، سيشعرون أن النتيجة مبررة حتى لو كانت غير مواتية لهم. "بإمكان الأشخاص التعامل مع ذلك. ما لا يمكنهم التعامل معه هو عندما تفتقر العمليات إلى الإنصاف والشفافية. في تلك الظروف، ستشهد الشركات مجموعة من النتائج السلبية المتعلقة بموظفيها - الأداء الضعيف ومعدل دوران أعلى وسلوكيات عمل عكسية". الشعور بالراحة من عدمها كيت موردين، مؤسسة شركة بش Push التي توفر التدريب والاستشارات للشركات، تقول إن كثيرا من الموظفين يجدون صعوبة في التعامل مع عدم اليقين. "عندما بدأ هذا أول مرة، واصلنا العمل بسرعة 100 ميل في الساعة، لنشعر بأننا أكثر أمانا. نحن لسنا جيدين جدا في الشعور بعدم الراحة. الحل هو الشعور براحة أكبر في التعامل مع عدم اليقين. يحاول الناس يائسين رسم طريقة للخروج من هذا الوضع. لا يمكننا ذلك". السيدة دود من شركة بينسنت ماسون Pinsent Mason تقول إنهم تعلموا من الزملاء الآسيويين عدم التخطيط للمستقبل البعيد. "إنه أمر غير متوقع لشركات المحاماة. نحن نحاول أن نقول لا تخطط للمستقبل. دعونا نتعامل مع الأمور أسبوعيا. لا تتوقع الكثير. يقول الناس إنهم يشعرون بالقلق من وقت مدته ستة أسابيع. نحاول القول، لا تفكر مليا في ذلك". بعض الأخبار الجيدة بالنسبة إلى البعض، العمل من المنزل فرصة لقضاء الوقت مع العائلة أو وقفة للتأمل. يقول مولت: "غالبا في فوضى الحياة اليومية لا نحصل على فرصة للتفكير في هدفنا". كشف الوباء حقيقة أن الأفضل أجرا ليسوا ضروريين، ما أثار عملية بحث عن الهدف بين أصحاب المال والمحامين. يقول مولت: "هناك إعادة معايرة. كان لدينا مجتمع يتميز بصنع المال والوكالة وحرية الإرادة". الآن الأولوية للخدمة العامة والعلاقات الاجتماعية. أولي ديرن، الذي يعمل في مجال التسويق في مجموعة هافاس الإعلانية Havas، يقول إنه بصفته شخصا انطوائيا يعمل في صناعة يهيمن عليها المنفتحون، توصل إلى أن لديه "مزيد من الطاقة، وذهني أكثر وضوحا وأنجز عملا كثيرا". على الرغم من أنه بحلول الأسبوع الرابع، أصبحت طاقته أضعف وتحولت التجربة إلى "كدح في عمل ممل". في حين أن التكنولوجيا تسمح له بأداء معظم عمله عن بعد، إلا أنها لا يمكنها تكرار التفاعل البشري اليومي الذي يجلبه المكتب. يقول: "أفتقد الثرثرة، الضحك، استخراج الأفكار من الأشخاص والحديث الصغير العام. من الصعب تكرار ذلك على تطبيق زوم Zoom. كل شيء أصبح مسجلا، على حساب العفوية. بالنسبة إلي، بدأ ’العمل‘ و’الحياة‘ يندمجان في واحد - على الرغم من أنني الآن أحمي بشدة عطلات نهاية الأسبوع. في حين أن الجميع قد تأقلم على العمل من المنزل بشكل مذهل، إلا أنه كلما طال الأمر أكثر، أصبح أكثر إرهاقا".

مشاركة :