في عام 2015، قامت منظمة الصحة العالمية بتشكيل مجموعة مكونة من 30 عالما من علماء الأحياء الدقيقة واختصاصيي علم الحيوان وخبراء الصحة العامة من مختلف أنحاء العالم تتمثل مهمتها في وضع قائمة أولويات للفيروسات الخطرة، وعلى وجه التحديد، تلك التي لم يتم تطوير لقاحات أو أدوية لها بالفعل. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فقد قال أحد أعضاء المجموعة، ويدعى بيتر دازاك، وهو عالم فيروسات بارز يعمل في الصين منذ 10 سنوات: «تجتمع هذه المجموعة سنويا في غرفة كبيرة بمقر المنظمة في جنيف، حيث نجلس جميعا على إحدى الطاولات ويطلب من كل شخص منا وضع مرض معين على رأس القائمة التي تضم الفيروسات المهددة للبشرية». وأضاف «بعد وضع الأشخاص للأمراض التي يرونها أكثر خطورة من غيرها على رأس القائمة، يتوجب على كل منهم أن يقنع جميع الموجودين بالغرفة بأن المرض الذي سجله يعتبر التهديد الأكبر للبشرية، وينبغي التركيز عليه وعلى مواجهته بدلا من غيره». وتابع «بعد انتهاء النقاش يبدأ الحاضرون في التصويت على كل مرض، ووضع المرض الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات على رأس القائمة لبحث سبل مواجهته بعد ذلك». وأشار دازاك إلى أن القائمة النهائية التي تم إنشاؤها في فبراير (شباط) 2018 تضمنت فيروسي «سارس» وميرس» وهما من نفس سلالة فيروس «كوفيد - 19» - وحمى القرم - الكونغو النزفية «سي سي إتش إف» وإيبولا وحمى لاسا وفيروس نيباه وحمى الوادي المتصدع وزيكا. وتضمنت القائمة أيضا مرضا أطلق عليه الخبراء اسم مرض «إكس»، قائلين إنه وباء مستقبليا غامضا شديد العدوى يمكن أن يتطور عن تحوّر في فيروسات الإنفلونزا، وإنه قد يؤدي إلى وفاة ما يصل إلى 80 مليون شخص إذا انتشر. وأشار دازاك إلى أن مواصفات هذا الفيروس تنطبق تماما مع مواصفات فيروس كورونا المستجد، ما يعني أن المجموعة تنبأت بانتشاره منذ حوالي عامين. وبعد وضع هذه القائمة، قامت منظمة الصحة بحثّ الدول على توفير المزيد من الموارد لبحث تلك الأمراض المحتملة وسبل الوقاية منها. إلا أن دازاك قال: «كان من الممكن جدا الوقاية من هذا المرض، ولكننا لم نفعل ذلك. اعتقدت الحكومات أن هذا الإجراء سيكون باهظ الثمن ولم يكن لدى منظمة الصحة العالمية التمويل ولا القوة اللازمة لفرض التعاون العالمي الواسع النطاق اللازم لمكافحة هذا المرض المستقبلي الغامض». وأوضح دازاك أن ما حدث يمكن أن يكون درسا لوقف الفيروسات المستقبلية. إذن، ما الذي يمكن فعله لوقف الأوبئة القادمة؟ يقترح بعض خبراء الأمراض المعدية، تشكيل مجموعة تضم عددا من العلماء، يطلق عليهم اسم «مجموعة الدفاع الفيروسي»، وتكون مهمتها تطوير اللقاحات والأدوية التي يمكنها أن تتصدى لمجموعة واسعة من مسببات الأمراض، ورصد النقاط الساخنة للأمراض وتحديد الفيروسات المحتملة عالية الخطورة، سواء المعروفة أو غير المعروفة. وقال مارك دينيسون، الطبيب المتخصص في الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة فاندربيلت الطبية بأميركا، والذي يقود حاليا فريقاً يعمل على تطوير أحد أكثر العلاجات الواعدة لفيروس كورونا «نظراً لصعوبة التنبؤ بالأوبئة المستقبلية إلى حد كبير، أرى أنه من الضروري تصميم عقاقير دوائية ولقاحات تكون فعالة ضد مجموعة واسعة من سلالات الأمراض والفيروسات: جميع أنواع الإنفلونزا، على سبيل المثال، أو مجموعة كبيرة من الفيروسات التاجية». إلا أن دينيسون يعتقد أن العقبة الوحيدة التي قد تقف أمام تطوير هذه اللقاحات هي التكلفة المالية. وأوضح قائلا «سيتعين على شركات الأدوية إنفاق مئات الملايين من الدولارات لتطوير حقنة سيحصل عليها الناس مرة واحدة سنوياً على الأكثر، وقد لا يحصلون عليها على الإطلاق في حال عدم انتشار الأمراض وتصاعدها». وأضاف «الأمر نفسه ينطبق على العلاجات الدوائية، حيث إنها لن تكون مربحة لهذه الشركات، حيث يكون مسار العلاج قصيرا، ويستغرق بضعة أسابيع في الأغلب على عكس الأمراض المزمنة الأخرى كالسكري وارتفاع ضغط الدم، والتي يتناولها المرضى بشكل يومي لسنوات طويلة». بالإضافة إلى ذلك، قد تتردد الكثير من الحكومات في تمويل العلاجات واللقاحات الخاصة بالفيروسات المستقبلية المتوقعة لأنها باهظة الثمن ولأنها قد تشعر أن هذه الفيروسات قد تكون مجرد وهم قد لا يحدث بالفعل. ويقول الخبراء إن حل هذه المشكلة في يد المنظمات غير الربحية العالمية مثل مؤسسة بيل وميلندا غيتس، والتي يمكنها تمويل هذه اللقاحات. وسبق أن دعمت المؤسسة التحالف العالمي للقاحات والتحصين، وهو تحالف دولي يستهدف تطعيم الأطفال في البلدان الفقيرة، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا في جميع أنحاء العالم. وقال أميش أداليا، وهو باحث كبير متخصص في الأمراض المعدية في مركز جامعة جونز هوبكنز للأمن الصحي، إن قيام المواطنين بالتبرع لهذه المؤسسات غير الربحية قد يساهم بشكل كبير في التصدي للأوبئة المستقبلية، واصفا ذلك بأنه «الاستثمار المستقبلي الأمثل بعد الدمار الذي شهدناه نتيجة تفشي كورونا». يذكر أن بيتر دازاك، الذي يرأس منظمة «إيكو هيلث إليانز» الأميركية، وهي منظمة صحية غير ربحية تتتبع انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ، قد قام هو وفريقه قبل يومين بالدخول إلى كهوف الخفافيش، في مقاطعة يونان جنوب غربي الصين، ونصب الشباك لها وأخذ مسحات من فمها وبرازها وتحليلها الأمر الذي قد يمكنهم من التنبؤ بالأوبئة المستقبلية، وقد يمكنهم كذلك من التوصل لمسببات فيروس كورونا وتطوير لقاح مناسب له في أسرع وقت. وأودى فيروس كورونا بحياة 212 ألف شخص حول العالم وأصاب نحو ثلاثة ملايين و65 ألفا.
مشاركة :