تختلف أحوال الناس في شهر رمضان بين العادة والعبادة، فقد أصبح شهر رمضان عند الكثيرين من العادات والتقاليد، فيتم التعامل معه باعتباره شهر اجتماعي يتيح الفرصة للسهرات والولائم، أما الاستعداد القلبي الإيماني المعنوي، ووضع برنامج لاستثمار هذا الشهر في صدق النية والتوبة الحقيقية، يكاد يكون نادر. فالامتناع عن الطعام والشراب والشهوات ليس غاية في حد ذاته بل هو وسيلة إلى التحرر من النفس الأمارة بالسوء والتحكم فيها ليس بنية التضييق ولكن بنية التهذيب والتربية للوصول إلى أرقى سلوك. فالعبادات شرعها تعالى لنا لكي نرقى إلى أعلى درجة عند الله، أما أن تتحول هذه العبادات إلى تقاليد وعادات، فليس هذا هو الصيام الذي أراده الله تعالى.فالدين هو المعاملة، والدين هو مكارم الأخلاق، والمسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده، سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار". والعبادات التي لا تترك أثرًا في سلوك القائم بها هى مجرد أفعال لا ينتظر عليها صاحبها أجرًا ولا ثوابًا، فكم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش. ومن المهم المحافظة على أداء العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج، ومن المهم أيضًا المحافظة على التعامل بالقيم الأخلاقية التي تضبط النفس، لنرقى إلى الله صابرين وشاكرين، تتعفف عن المال الحرام فترقى إلى الله صابرًا، يرزقك الله المال الحلال فترقى إلى الله شاكرًا. الصيام الذي يستحق أن ينسب إلى الله هو الصيام الذي لا يعني فقط الامتناع عن شهوتي البطن والفرج، بل هو امتناع في النهار وفي الليل عما يغضب الله من الأقوال والأفعال، ولأجل تحقيق ذلك فرض الله على المسلمين صيام شهر رمضان، صيام عبادة لا عادة، صيام تقوى لا معصية، فالصيام يقوي الإرادة لأنه عبادة الإخلاص. إنها الفرصة لنجعل شهر رمضان يخرج من إطار العادة إلى روح العبادة، لنجعله شهر يتحرر فيه الإنسان من عبودية نفسه وهواه وتسمو روحه ومشاعره لترقى في أجواء الخشوع والشعور بحلاوة الايمان، هذه المعاني هى التي ينبغي علينا أن نتمسك بها ونعمل بها في شهر رمضان.
مشاركة :