حض الإسلام على البذل بإنفاق المال في الصدقات لما فيه رحمة بالضعفاء ومواساة للفقراء، إلى جانب ما فيه من كسب الأجر ومضاعفته وتطهير النفوس من آفة البخل والشح والتخلق بأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في البذل والإحسان والعطاء وفي الصدقة إدخال السرورِ على المساكين، وأفضل الأعمال إدخال السرور على قلوبهم قال عليه السلام (أفضل الأعمالِ أن تدخِلَ السرورَ على أخيك المؤمن أو تقضيَ عنه دينا أو تطعِمه خبزًا)، ولكن البعض لديه مفهوم خاطئ أن الصدقة تكون فقط في رمضان والبعض الآخر عندما يخرج الصدقة لا تكون من النوع الجيد. لابد أن تكون الصدقة من الأغلى أكدت جوري خالد -موظفة- ان اخراج الصدقة أمر ديني وعمل إنساني جليل لما لها من آثار ايجابية على المجتمع والفرد، لذلك لابد أن تكون الصدقة من أفضل واغلى الأشياء التي يملكها الإنسان، وتضيف من غير المقبول اعطاء الفقراء الأكل المنتهي الصلاحية او الملابس البالية. أما دانية محمد فتقول: احرص على اخراج الصدقة طوال العام ولكن في شهر رمضان اهتم كثيرا بمضاعفة التبرع، وتؤكد بان هناك أناسا لا يتبرعون إلا في رمضان فقط اعتقادا منهم ان الأجر يكون مضاعفا وهذا غير صحيح؛ لان الصدقة يحث عليها الإسلام في كل وقت. تقول عائشة عبدالله: من المؤسف عندما يتصدق البعض بملابسه المتسخة أو القديمة وبقايا الطعام التي لا يمكن أكلها متناسين قول الله تعالى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) أيضا نجد البعض يرفض التصدق إلا في رمضان وهذا مفهوم خاطى لابد من التصدي له عبر وسائل الإعلام المختلفة. وتشير أم فيصل -إحدى العاملات في الجمعيات الخيرية -ينبغي الإنفاق من جيد المال وليس من رديئة فلا ينفق الفتات واليسير والذي لا يحبه بل ينبغي أن يكون البذل والصدقة ذات قيمة وفيها شيء من التعب والكلفة وأن يكون لها حيزٌ في مال الشخص وتضيف كثير من الناس اليوم لا يتصدقون إلا بالشيء الذي تعافه أنفسهم أو يريدون أن يرموه مع النفايات مما ذهب نفعه وقلت الرغبة فيه وهذا لا يفيدهم شيئاً. مجتمع تكافلي يؤكد د. خالد الدوس- باحث ومتخصص في القضايا الاجتماعية والاسرية بجامعة الملك سعود- إن من صفات وخصائص المجتمع الإسلامي انه مجتمع تكافلي، يقوم على التراحم والتواصل والتواد والبر والترابط الأخوي والإنساني يسوده العدل والتكامل والإحسان، كما أن ديننا الإسلامي الحنيف دين العدالة الاجتماعية ودين المحبة والرحمة والتضامن الاجتماعي، الذي وضع نظاما فريدا للعلاقات الإنسانية والروابط الأخوية. ويضف ان من ثوابته وأسسه الحكيمة أن جعل فضائل الإعمال ومكارم الأخلاق هي المنطلق أو المرتكز الذي يقوم على دعائمه بناء المجتمع الإسلامي الحضاري، ولذلك فإن الصدقات والإنفاق على المحتاجين والمكلومين وبذل المال في أوجه الخير والإحسان، مطلب ديني وسلوك حضاري واتجاه أخلاقي وواجب اجتماعي، اذ ان التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بتفريج كربات الفقراء والمساكين والمحرومين والضعفاء هي مظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي، وعندما يلتزم المجتمع بهذا القاعدة التضامنية والأخلاقية يجد التكافل الاجتماعي ومنطلقاته السامية مكانة مرموقة وبارزة في المجتمع الانساني الواعي، حيث تتحقق فيه جميع مضامينه وتتسع فيه دائرة التساند والتماسك الاجتماعي انطلاقا من قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ) وفي الحديث المتفق عليه (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم اعط ممسكًا تلفًا) ، فالصدقة تبارك المال وتقي من مصارع السوء وتزيد الإيمان وتشرح الصدور وتهذب النفوس وتؤلف بين القلوب وتستر العيوب وتخفض الفوارق الاجتماعية وتؤصل قيم الروابط التكافلية. ويؤكد د. الدوس بقوله: لذلك فإن من أعظم الإعمال الصالحة ذات الأثر الايجابي على المجتمع هي صدقة التطوع وهي صدقة اختيارية خارجه عن نطاق وحدود الوجوب تعطى للفقراء والمحتاجين طلبا لمرضاة الله، ويضيف ان لشعيرة الانفاق والتصدق عدة مظاهر قد تكون (معنوية) كإفشاء السلام والابتسامة في الوجه، وقد تكون( مادية )وتشمل إعمال البر التي يقصد بها وجه الله تعالى وقد تكون (عينية )مثل مايقدم من طعام وملابس وادوية ويشير الى انه لا ريب ان للصدقة اثارا ايجابية على المجتمع وبنائه حيث تعمل على تقوية أواصره وتثبيت دعائمه والعمل على بث روح التعاون والتواصل وتجسيد عمق التضامن الاجتماعي بين افراده، كما ان للصدقة انعكاسا نفسيا وعاطفيا واجتماعيا على المتصدق وعلى المحتاج وبذات الوقت تقي المجتمع من أسباب الانحراف والفساد والسرقات . لان الفقر يجعل الإنسان المعسر يتجه( ميكانيكا) إلى مستنقع الفساد والجريمة فيقع بالتالي فريسة لأصحاب الفساد والمخدرات والانحراف الأخلاقي الذين يستغلونه وحاجته في تحقيق أهدافهم ومآربهم وتنفيذ رغباتهم، كما أن التصدق يوّثق روابط الإخوة ويظهر مبدأ التكافل الاجتماعي والأخلاقي وبالتالي يشعر الغني بحاجة أخيه الفقير فيسرع ويمد يد العون له ليقضيها له، وبالتالي يترك اثر عميق في النفوس والوجدان. ويقول الدوس :للأسف أن مفهوم الصدقة التي جعل الله سبحانه وتعالي لها باب من أبواب الجنة الثمانية لعظم فضلها وأثرها ومكانتها عند البعض مازال مفهوما (ضبابيا) حيث يعتقد هؤلاء أن اخراجها فقط في شهر رمضان فنجدهم يتسابقون في مضمار الإنفاق والبذل والعطاء بسخاء والتصدق على الفقراء والمحتاجين على نحو جعل سوق المتسوّلين وأصحاب العاهات الفكرية والدجل والكذب تنّشط خلاياهم وبالتالي تزايد مكاسبهم في هذا الشهر الفضيل مستغلين مشاعر وعواطف كثير من الناس ومفهومهم الخاطئ في أوقات اخراج الصدقة بالذات في رمضان، شهر الخير والغفران والأكيد أن أبواب الصدقة مفتوحة في كل زمان ومكان ولاتقتصر فقط على اخراجها في شهر رمضان كما يعتقد البعض، فمن عظمها أنها باب من أبواب الجنة وعبادة جليلة من العبادات التي تطفئ غضب الرب وطريق أسرع إلى رحمة الله وكسب محبته ومرضاته. واضاف قائلاً: لذلك يكره التصدق بالردئ بل ينبغي المبادرة عند اخراج الصدقة تقديم ماهو أطيب وأفضل بالذات في الصدقات العينية، فقد كان بعض السلف الصالح عند إخراج صدقاتهم كانوا يحرصون اشد الحرص على إخراج ماهو أجود وأطيب وأحسن تقديرا لأهمية هذه العبادة الجليلة وعظم فضلها، التي أدخلت امرأة من بني اسرائيل الجنة بعد أن سقت كلبا يلهث كاد أن يأكل الثرى من شدة العطش.. فغفر الله لها، وقد يكون جهل البعض بفضل شعيرة الإنفاق العظيمة وقلة الورع وعدم الإحساس بقيمة الصدقة وفضلها الكبير عند الخالق العظيم يجعلهم لا يكترثون بإخراج ماهو أطيب وأجود بل ان البعض يفسدها ببعض الممارسات الخاطئة كالرياء والمّن والبحث عن السمعة والثناء الحسن أو دفعها من اجل منافع دنيوية او مصالح ذاتية. ويؤكد انه ينبغي على المؤسسات الدينية والدعاة والعلماء وطلبة العلم النهوض بقالب التنوير وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عند البعض فيما يتعلق بموضوع الصدقة بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية المختلفة، خاصة خطب الجمعة ومنابرها التوعوية، وما يعزز دور وأهمية هذه الخطب ان هناك دراسة متخصصة أظهرت نتائجها ومعطياتها العلمية ان تأثير خطبة الجمعة في إيصال الرسالة والتوجيه والمضمون والإرشاد اكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز كما ان المؤسسات التعليمية والتربوية من مؤسسات التنشئة الاجتماعية المهمة التي لها حراك (بنيوي) ودور فاعل في تصحيح كثير من المفاهيم والاتجاهات الدينية والثقافية والفكرية والتربوية.
مشاركة :