الطائفية ليست حالة حكة وراثية بسيطة - د.ثريا العريض

  • 6/23/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

موسم مثمر لكل من صام بنيّة صافية، وقام ليدعو لغيره بالخير. الحمد لله على كل نعمة وكل ابتلاء؛ والحمد لله أنه سبحانه لا يغلق باب الرجاء في وجه الأخيار وأنه أعلم بالنيات والمقاصد وفي النهاية هو من يختار الأصلح.. والأصلح قادم لا محالة.. ولنا أن نتفاءل. ما يصل عبر قنوات التواصل الاجتماعي والصحافة يبشر بالخير؛ كثير من الاستنكار من نخبة قادة الفكر في الوطن تعلن استغرابها واستياءها لما حدث في مجلس الشورى من اسقاط مقترح الوحدة الوطنية، وكثير من التعاطف والتكاتف لإثبات الوطنية والتلاحم الإنساني، وكثير من التذكير والترحيب بكلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة موسم رمضان الفضيل؛ سدد الله خطاه على طريق البناء ورأب الصدوع وضمان وجهة المستقبل. أتذكر باطمئنان: «وربما تكرهون شيئاً وهو خير لكم»، يقود إلى ما يراه الله الكريم الوهاب أفضل.. والعبرة بالنتائج البعيدة. والحمد لله كثيراً. أكاد أقول إن ما حدث في المجلس كشف ما كنا نتجنب الإشارة إليه أو حتى أن نعترف بوجوده بيننا. فالحمد لله أن سقطت الغشاوة عن العيون ورأوا ما بعد سقوط ورقة التوت عن الخطب المبطنة بالشر، وانكشفت سوأة الطائفية المتغلغلة في جسد ومؤسسات هذا الوطن الغالي عبر ممارسات أبنائه. في المجتمع العام كنا نرى تفاقم الغلو والتطرف والإقصائية والترصد والعدائية، ونعيده الى انحرافات شرذمة أفراد هنا وهناك. وكأنها حالة حكة مستمرة نعطيها أقل من حجمها ونظل نعاني منها. كنا كمن يظنها غير مهمة كحساسية مفرطة لذكرى تاريخية فاكتشفنا أنها تسرطن قاتل. وآن أن ننزع النظارة المغبشة عن أعيننا ونصغي بجدية لاضطراب نبض أفكار الكثيرين، لندرك ضرورة البدء في العلاج الجاد القاطع قبل استفحال تدعشن التكفير والتفجير. نرى قابلية انتشاره في الجوار كالنار في عقول جففت بالنفخ في جذوة الفكر الطائفي، والغلو في الممارسة حتى غدت هشيما. وآن أن نعالج التسرطن في مرئيات الأفراد وأفكارهم وممارساتهم. أما وقد اتضحت العلة فقد اتضح أيضاً أن العلاج لابد أن يكون ناجعا وحاسما حازما في بتر الفكر الذي يولد الغلو والتطرف ويثمر الإرهاب والتفجير. ولن نستطيع البدء بجرعات الدواء المطلوب لإيقاف استشراء العلة، وإعادة التوازن والصحة إلى جسد المجتمع إلا بالوقوف بصرامة القانون وتنفيذه. تابعت كل ما استجد على ساحات الوطن مؤخراً.. وأستعيد في ذهني كل التصريحات والتفاصيل. رحلة وزير الدفاع الى روسيا توضح أننا نعي ضرورة استعادة التوازن والتخلص من حالة اعتماد مصدر دعم واحد يملي شروطه كما يرى مصالحه. وتابعت ما يجري داخلياً نحن بخير وقوى الأمن متأهبة وفاعلة داخلياً وعلى الحدود، والحس الوطني متوهج ويقظ. وسنكون أكثر فاعلية في استعادة توازن الوسطية، إذا تأملنا تفاصيل ملامحنا خارجيا وداخليا بتجرد من التحيز الفئوي، واستطعنا إغلاق المواقع التي تبث بأفعالها الكراهية والإقصائية بين فئات المجتمع. ولعل مؤسساتنا، وبينها مجلس الشورى، تحتاج الى نفض وإعادة تأهيل ليدرك بعض من فيها أن أهم صفة تؤهلهم لعضوية المؤسسات هي أن يكون ولاؤهم لبقاء الوطن آمنا ومستقرا. لاشك أن الأفعال تتكلم أوضح من الأقوال. والفعل يبدأ بقرارات صانع القرار. أدعو الله أن يأخذ قائد المسيرة بزمام الحزم ويقر قانون تجريم الكراهية ليمتنع جهلة الشارع واليوتيوب وتويتر عن الاستفزاز والعبارات النابية وتأجيج الفرقة والتحريض على العنف وتهديد أمن الوطن والمواطنين. ويكف أي مسؤول قولا وفعلا عن مواصلة التمييز وتعريض الوحدة الوطنية للتمزق. اللهم وفق المساعي العليا لإصدار نظام ضد التمييز يلتزم بتنفيذه، ليصبح الإخاء وصدق الانتماء مرادفا للهوية الوطنية وجزءا لا يتجزأ من متطلباتها. لا يستقر الأمن عالميا أو محليا في أي موقع، إلا في ظل قوة القانون، وتطبيقه واحترام حقوق كل فرد ودولة في العيش الكريم والانتماء الصادق. فالتمييز الفئوي ليس حالة حكة بسيطة لحساسية مزمنة.. بل مرض قابل للتسرطن القاتل في وجود جو من نقص المناعة الذاتي.

مشاركة :