بين رف الكتب: سبل تجاوز الأزمة الإيكولوجية

  • 5/1/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

"الوفرة والحرية" للمفكر بيير شربونيي، بحث فلسفي وتاريخي يقترح التاريخ البيئي للأفكار السياسية المعاصرة، ولا يطمح عن أصل الفكر الإيكولوجي، وإنما يبين كيف أن تلك الأفكارتولدت عن تصور معين لعلاقة الأرض بالبيئة، سواء تبنت المعنى الأمثل للإيكولوجيا أم لا. بيد أن أهمّ الفئات السياسية للحداثة قامت على فكرة تحسين الطبيعة، والتغلب النهائي على شحّها وتحديد استغلال مواردها الجوفي، فبدا أن المجتمع السياسي للأفراد الأحرار المتساوين المزدهرين يرى نفسه حِلاّ من أثقال العالم، خاصة مع تطور الصناعة المقرونة بالتقدم. إلا أن هذا الميثاق بين الديمقراطية والتنمية يعاد النظر فيه اليوم على ضوء التغير المناخي وانخرام التوازنات الإيكولوجية، ما يستوجب إعطاء أفق جديد لتفتح سياسي ما عاد يستطيع الاستناد إلى وعود توسّع لانهائي للرأسمالية الصناعية. ويوصي المؤلف بأن نهتدي باشتراكية القرن التاسع عشر حين واجهت الأزمة الجغرافية الإيكولوجية الناجمة عن التصنيع، مع حماية المجتمع حمايةً تراعي تضامن المجموعات الاجتماعية مع بيئاتها في عالم متحول بفعل التغير المناخي. البطء كوسيلة لكسر النسق استراتيجيات تخريبية استراتيجيات تخريبية تاريخ الحداثة هو بالأساس تاريخ تمييز، إذ جعل السرعة مثالا للفضيلة الاجتماعية، ودفع المجتمعات الحديثة إلى ابتكار رذيلة هي البطء، أي عدم القدرة على مجاراة النسق للعيش على إيقاع العصر. انطلاقا من عنف رمزي ومخيال مجهول، يستعرض الباحث لوران فيدال سفر تكوين البشر البطيئين، أولئك الذين استثنتهم أيديولوجيا التطور، بدءا من هندي كسول ومستعمَر خامل زمن الاكتشافات الكبرى إلى العملة غير المنضبطين في القرن التاسع عشر أو العمال الذين يوضعون على هامش الجدوى. والكاتب يكشف لنا كيف تبنى أولئك الأفراد البطء لتخريب الحداثة، في اتجاه معاكس للنسق الذي فرضته الساعات والمواقيت، إما بالكسل أو بالمخادعة لخلق إيقاعات جديدة تتبدى حتى في بعض ألوان الموسيقى كالجاز والسامبا، وفي استراجيات التخريب التي يتبعها العمل النقابي الثوري، وبذلك يقدمون أنماط عمل جديدة، ونظرة أخرى عن التفتح. فوبيا التأخر من أمراض هذا العصر أن الأفراد يعانون من فوبيا التأخر. فالخوف من الوصول بعد الموعد المحدد، سواء في العمل، أو في تربية الأطفال، وحتى لقضاء العطل، يجعل الناس يستبقون كل شيء حتى يستبد بهم شعور أنهم لا يعيشون لحظتهم، وأن الإحساس بالحياة يهجرهم، أي أنهم يفقدون الإحساس بالزمن، ومعه الإحساس بالوجود. ولكن هيلين لويّي أستاذة الفلسفة والتحليل النفسي بجامعة السوروبون، تبين في كتابها "مديح التأخر" أن استرجاع كل ذلك ممكن. فالوصول متأخرا معناه التغيب عن المدرسة، اتباع الطرق الفرعية، عدم التوجه إلى الهدف مباشرة، إدخال تعديلات طفيفة قد تؤدي إلى انحراف التروس المزيّتة بعناية وحيواتنا الآلية حد الشطط. وذلك كله يعني أن الفرد يعيش حياته بحق. وفي رأيها أن أمام القيم المهينة لمجتمعاتنا الحديثة كالمرونة والسيولة والعجلة والسرعة، والباثولوجيا التي تنتج عنها، يصبح التأخر حينٌ من الوقت يسمح للفرد بتدارك وضعيته الزمنية، وبذلك يغدو استراتيجية مقاومة.

مشاركة :