يشدد الخبراء على أن الحفاظ على سرية مراكز الإيواء جزء هام وأساسي في حماية النساء ضحايا العنف وفي غياب ذلك لا تكلّل مهمة الحماية بالنجاح، كما تؤكد جمعيات تونسية أن الأشخاص الذين يتعرضون للعنف الأسري يعانون من ضغوط مضاعفة، لاسيما في فترة الحجر الصحي العام حتى بعد إيوائهم في المراكز المختصة ما يزيد من عمق أزماتهم النفسية. تونس - يتجه الاهتمام صوب مراكز إيواء المتضررين من العنف الأسري في خضم الحملات التي أطلقتها جمعيات تونسية للتوعية بخطورة تضاعف العنف ضد النساء خلال الحجر الصحي وتسليط الضوء على هذه الانتهاكات. ولم يمنع الحذر الذي اتخذه التونسيون للحد من تفشي وباء كورونا ولا حالة الإغلاق العام وتطبيق الحجر الصحي المجتمع المدني التونسي من التنديد بالعنف الأسري والذي من أبرز ضحاياه المرأة، كما لم يمنعه الوضع الحالي في البلاد من شحذ الجهود وإطلاق حملات إلكترونية ومدنية بهدف تسليط الضوء على ما تتعرض له نساء تونسيات من بطش وإهانات تصب في خانة العنف النفسي والمادي. وجددت جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية تأكيدها على ضرورة التزام السرية في كل ما له علاقة بمواقع فضاءات الإيواء التي تقيم فيها النساء ضحايا العنف والمعطيات المتعلقة بالمقيمات فيها من أجل حماية الضحايا وفريق المتطوعين العاملين في هذه المراكز. وشددت نجمة العوادي، رئيسة الجمعية، على أن سرية مراكز الإيواء مسألة أساسية لحماية النساء ضحايا العنف وتعطي الجدوى اللازمة لحمايتهن من المخاطر. وأشارت العوادي، في تصريح لـ”العرب”، إلى أنه لا يمكن توقع ما سيحدث إذا ما تم رفع سرية أحد مراكز إيواء النساء ضحايا العنف، مبدية تخوفها من ردود أفعال مرتكبي العنف تجاه ضحاياهم أو حتى تجاه المتطوعين والعاملين في المركز. ويهم تذكير الجمعية بضرورة الحفاظ على سرية مراكز الإيواء “الأطراف الفاعلة في مجال إيواء وتأطير وحماية النساء ضحايا العنف ووسائل الإعلام”. نجمة العوادي: ردود الأفعال يمكن أن تكون خطيرة وغير محسوبة في البعض من الحالات نجمة العوادي: ردود الأفعال يمكن أن تكون خطيرة وغير محسوبة في البعض من الحالات وأكد بيان الجمعية أن “أمن هذه الفضاءات مرتبط بالضرورة بسرية موقعها حتى لا تكون النساء المقيمات والأطفال المقيمون عرضة لأي شكل من أشكال الاعتداء من قبل المعنفين”. وأوضحت العوادي أن سبب إصدار الجمعية للبيان الذي ذكّرت فيه بأهمية الحفاظ على سرية مراكز الإيواء ومواقعها هو كشف برنامج تلفزيوني عن المنطقة التي يقع فيها أحد هذه المركز المعدة خصيصا لاستقبال ضحايا العنف وتقديم الرعاية التي يحتاجونها. وقالت “هناك من بين المعنفات من تخاف من ردة فعل زوجها بعد معرفة مكان إيوائها وهو ما قد يترتب عنه تعرضها لعنف مضاعف”. وحذرت من أن ردود الأفعال يمكن أن تكون “خطيرة وغير محسوبة” في البعض من الحالات. وكانت جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية قد أطلقت أواخر الشهر الماضي بالاشتراك مع هياكل حكومية من بينها وزارة المرأة والمجتمع المدني في سياق معاضدة جهود التصدي للوباء، حملة توعية بشعار “ماكش وحدك” (لست وحدك) من أجل توعية ودعم “جميع الفئات الهشة من النساء وأطفالهن” وغيرهم من ضحايا العنف الأسري على اعتبار أن الحجر الصحي العام يضعهم “في مواجهة خطر مضاعف”. ومن بين أشكال المساعدة المقدمة لضحايا العنف توفير خدمة الإنصات عن بعد. وتوفر الحكومة وشركاؤها من المجتمع المدني الرعاية النفسية والإرشاد القانوني للنساء ضحايا العنف، وتم تخصيص مركز جديد لإيوائهنّ لمدّة 14 يوما تطبيقا لإجراءات الوقاية ضد انتشار عدوى فايروس كورونا وعند التأكد من سلامتهن يتم نقلهن لمراكز الإيواء العادية. وتوجد في تونس مراكز مختلفة لإيواء النساء بشكل خاص أو ضحايا العنف الأسري بشكل عام والذين يمكن أن يكونوا أطفالا أو شبابا أو كبارا في السن وأغلب هاته المراكز هي حكومية. وأخذت البعض من مكونات المجتمع المدني في تونس على عاتقها مهمة حماية النساء اللاتي تعرضن للعنف من الزوج أو من فرد آخر من العائلة، حيث توفر هذه الجمعيات الرعاية النفسية والمادية التي يحتاجها الضحايا إلى جانب التكفل بإيوائهم في مراكز خاصة. وقالت سلوى كنو السبيعي، منسقة مشروع التعهد بحماية النساء المعنفات الذي ينجز بالشراكة بين وزارة المرأة وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، إن “المركز المؤقت تم إحداثه لأن مراكز الإيواء العادية لا يمكن أن تستقبل مقيمين جدد في ظل انتشار عدوى كورونا في البلاد”. وأضافت، في تصريح لـ”العرب”، أنه بمجرد وصول الضحية يتم تفسير قواعد الحجر الصحي والذي يمكن أن يكون لفترة 14 يوما أو أكثر في نهايتها وعند التأكد من سلامة الضحية من عدوى كوفيد – 19 تنقل إلى أحد مراكز الإيواء العادية. ووفق كنو السبيعي، حاليا يضم مركز الإيواء المؤقت الذي أحدث مع بدء الإجراءات الحكومية للتصدي لتفشي وباء كورونا 10 غرف مجهزة بالأساسيات، تقيم فيها النساء الضحايا بصفة فردية أو مع أطفالهن. وتتولى كل مقيمة عملية تنظيف غرفتها بنفسها، فيما تصلها وجبات الطعام أمام باب الغرفة. سلوى كنو السبيعي: بمجرد وصول الضحية يتم تفسير قواعد الحجر الصحي والذي يمكن أن يكون لفترة 14 يوما أو أكثر سلوى كنو السبيعي: بمجرد وصول الضحية يتم تفسير قواعد الحجر الصحي والذي يمكن أن يكون لفترة 14 يوما أو أكثر وأفادت كنو السبيعي بأن النساء اللاتي تعرضن للعنف خلال فترة الحجر الصحي يعانين ضغطا مضاعفا، من جهة بسبب التجربة القاسية اللاتي مررن بها ومن جهة ثانية بسبب تعطل مسار التقاضي بسبب الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد. وقالت “عندما يفيض بهن يتساءلن لماذا هن هنا محبوسات في الغرف في حين أن من مارسوا عليهن العنف طلقاء ويواصلون حياتهم بشكل طبيعي. ثم يتراجعن عن هذا الاحتجاج عندما يتفهمن موقفنا ويدركن أن كل الإجراءات بهدف حمايتهن”. وأوضحت أن في مراكز الإيواء العادية الوضع مختلف قليلا إذ أن المقيمات هناك يتواصلن أكثر في ما بينهن ويمارسن البعض من الأنشطة الثقافية، بعد التأكد من خلو المركز من أي عدوى بفايروس كورونا المستجد. وتخضع جمعية “بيتي” كل المقيمات في مركز الإيواء الذي خصصته لضحايا العنف إلى الحجر الصحي التام، فيما تتولى فرق من الجمعية تسيير شؤونهن وتلبية طلباتهن واحتياجاتهن اليومية. وتعتبر الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن جهود الدولة لحماية ضحايا العنف الأسري، لاسيما النساء، والإجراءات الجزئية الحكومية غير كافية. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أطلقت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات حملة “الوباء وزيد (ومعه) تعنيف النساء” الإلكترونية الهادفة للتوعية بما تتعرض له النساء من أشكال عنف في أثناء تطبيق البلاد لإجراء الحجر الصحي العام. ومن بين حزمة الإجراءات الحكومية العاجلة التي تطالب بها جمعية النساء الديمقراطيات توفير مسلك خاص بالنساء ضحايا العنف في كل المستشفيات التونسية، بالإضافة إلى استئناف عمل قضاة الأسرة بصفة عاجلة. كما طالبت الجمعية وزارة الداخلية بالتحلي بـ”الجدية والحزم في التعامل مع شكاوى النساء ضحايا العنف”. وكانت وزارة المرأة والأسرة قد أعلنت في وقت سابق على لسان الوزيرة أسماء السحيري أن نسبة العنف ضدّ النساء قد تضاعفت بحوالي 5 مرات خلال الأسبوع الأول من الحجر الصحي العام الذي فرضته الحكومة للحدّ من تفشّي جائحة كورونا. وتتفق وزيرة المرأة مع الخبراء في أن ظروف الحجر الصحي من بين أسباب تنامي ظاهرة العنف ضد النساء، حيث قالت السحيري إن الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد رفع درجة الضغط النفسي داخل العائلة ما جعل المشكلات الأسرية تتعمق وعليه قد تتحوّل البعض من النقاشات إلى عنف مادي ولفظي ضدّ النساء. وكشفت العوادي أن للنساء المعنفات طلبا ملحّا يتمثل في تدخل الجمعية لدى وزارة العدل من أجل تفعيل قانون إبعاد الزوج من المنزل، إلى جانب إرجاع قاضي الأسرة للنظر في قضايا العنف المسلط على النساء، وهو ما استجاب له المجلس الأعلى للقضاء من جملة إجراءات أخرى أقرها الثلاثاء في سياق خطته خلال الحجر الصحي الموجه والذي يبدأ من 3 مايو. وقالت “النساء ضحايا العنف يعتبرن أن هذه الإجراءات جزء من الدفاع عن حقوقهن”.
مشاركة :