أوصى فضيلة أمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة خياط، المسلمين بتقوى الله عز وجل . وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي القاها اليوم بالمسجد الحرام :” أظلَّنا شهرٌ عظيم مبارك، تفتَّح فيه أبواب الجنة، وتغلَّق فيه أبواب النار، وينظر الله إلى تنافسكم فيه، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فالسعيد من مسَّته رحمة الله تعالى فحظي بالغفران والرضوان، والشقيُّ من حُرم رحمةَ الله عز وجل في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران . وأضاف يقول :” إنَّ المرءَ -من أجل بشريَّته وما رُكِّب فيه من دوافعَ وما جُبِل عليه من غرائزَ- قد تنحرف به نفسُه عن الجادَّة، وتحيد به عن سواء السَّبيل، وقد تكون مثبِّطةً له، تقعُد به عن اللَّحاق بركب عباد الله المُخلَصين، وإدراك قوافل الصَّالحين، والأخذ بنصيبٍ وافرٍ من التكمُّل الذَّاتي والسُّموِّ الرُّوحيِّ لذا؛ كان في حاجةٍ إلى وسيلة صالحة تأخذ بيده، وترقى به إلى ما يريده الله من صلاح قلبه، واستقامة نهجه، وصحَّة مسلكه، فكانت الوسيلة الناجعة لبلوغ ذلك هي الصوم؛ إذ هو العامل الأظهر، والباعث الأقوى في إحداث تحوُّل النُّفوس من المساوئ إلى المحاسن، ومن المحاسن إلى أعلاها في الحسن، وأبلغها في إصابة الهدف “. وبين فضيلته أن هذا تحوُّل عامٌّ يشمل الناس في دنياهم، فيحمل الأكثر على الاتجاه نحو حياة أفضل، يتجلَّى فيها الخير، وسداد المسلك، والاستمساك بخلال التقوى، واطِّراح الغفلة، ومجانبة الصَّبوة، والتَّجافي عن العَثرة، ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وأكد الشيخ الخياط أن المرء إذا ما درج على هذا التحوُّل الكريم شهرًا كاملًا، نشأت عنده العادةُ الحميدةُ في حبِّ الخير، وأخذ النَّفس بسلوك سبيله، والترقِّي في مدارجه؛ إذ العادة تنشأ بالتَّكرار، وتقوى بالمداومة، وتثبُت بالاستمرار ولا ريبَ أنَّ شهرًا كاملًا، يسلك فيه العبد أقوم مسالك الفضيلة، وأرفع مناهج الطُّهر، سوف يكون له أقوى تأثير وأبقاه؛ فيمضي على دربه بعد انقضاء شهر الصِّيام، وقد أصبح هذا المنهج الرَّشيد عادةً لازمةً له ، مبينا أن تلك هي التَّقوى المنشودة التي يجب أن تكون مصاحبة للعبد، يُعِدُّه الصَّومُ لها إعدادًا خاصًّا في شهر رمضان، فيبقى مقيمًا على عهدها، وفيًّا لها، حفيًّا بها، لا يضلُّ عنها، ولا يستبدل غيرَها بها. وأوضح أن تهيئة النُّفوس للتَّقوى مقصدٌ ظاهرٌ من مقاصد الصَّوم، بل هو العمدة والمدار الذي يدور عليه الصوم ويتعلَّق به؛ إذ إنَّ ظاهر التَّكليف في الصَّوم -كما قال بعضُ أهل العلم- متعلِّقٌ بالإمساك والنِّيَّة، ولكن المقصودَ: غضُّ الهوى حتَّى تقوى النُّفوس على بلوغ التَّقوى، ولو كُلِّف الخلقُ هذا المقصود تصريحًا؛ لما استقلَّ به الأكثرون، وهذا من لطائف الشريعة . وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن صومٌ لا تلامسه التَّقوى، ولا تخالط فيه قلب الصائم: صومٌ خَواءٌ، إنَّما هو لإسقاط الفريضة، بحيث لا يؤمر بإعادتها، لكنه خرج عن نطاق التقوى، وضلَّ عن سبيلها، ولم يُدرك حقيقة الصوم، وإنما أتى بمظهره، وجانبه السَّلبي فبدأ سبحانه الآية بنداء المؤمنين، وختمها بقوله : ( لعلكم تتقون ) . وأوضح فضيلته أن بين الإيمان والتقوى أوثق الصلات، وأقوى الوشائج، إذ الإيمان أساس الخير، ومنبع الفضائل، ومجمع المحامد. والتقوى: روح الإيمان، وعماده، وسر الفلاح وفي الجمع بين الإيمان والتقوى في مبدأ الآية وختامها: ما يُشعر بأنَّ المقصود بالصوم ما جمع بين منازع الإيمان من الفضائل والتكمُّلات الذاتية والروحية، وبين دوافع التقوى: من كمال المراقبة لله تعالى، وتمام الخوف منه، والتعلق به وحده، والزهد فيما سواه وبذلك: يجمع الصائم بين مظهر الصوم السَّلبي: من الكف عن شهوتي البطن والفرج، وبين حقيقته الإيجابيَّة، من السَّير على الفضائل، وانتهاج أقوم المناهج، وأهدى السُّبل؛ فلا يصخبُ، ولا يكذب، ولا يماري، ولا يسابُّ أحدًا، ولا يشاتمه؛ وذلك ما وجَّه إليه رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه بقوله: الصِّيَامُ جُنَّةٌ؛ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُم؛ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؛ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ . وبقولِه : مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّوْرِ وَالعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. وبقوله : رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الجُوعُ وَالعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ. وقال الدكتور أسامة خياط :” إنَّ صيام هذا الشهر المبارك على ما أمر الله وبيَّنه رسول الله ، هو بمثابة رسالةٍ بالغةِ التأثير في الأفئدة والألباب، يجب على الأُمَّةِ أن تقدِّمَها للعالمين برهانًا واضحًا على كمالِ الانقياد لله تعالى، وتمام الإذعان لأمره ونَهْيِه، وتقديمهما على كل المحبوبات، وآيةً على تزكية النفوس والترقي بها في مدارج الكمالات، ودليلًا على توثيق عُرَى الأُخُوَّةِ بالشدِّ على الروابط، وإشاعة التراحُمِ والتعاطف والتَّعاضد والتوادِّ، لا سيَّما في هذه الأوقات العصيبة التي تشتدُّ فيها البأساء، والضرَّاء، كما هو الحال في شأن هذه الجائحة التي اجتاحت الدِّيار وعمَّت الأمصار؛ فكانت الحاجةُ أمسَّ إلى التَّراحم والتعاطف والتوادِّ والتعاون، حتى يأذن الله برفع ضرِّها، ودفع شرِّها، عنَّا وعن الخلق أجمعين، بفضله ورحمته. وبين إمام و خطيب المسجد الحرام أنَّ من مقاصد الصوم الجليلة: ترويضَ النُّفوسِ على التَّضحية، وحثَّها على البذلِ، والدَّفعَ بها على تحمُّل شدائد الحياة، وتعويدَها الصَّبْرَ على لَأْوَائِها وبأسائها؛ بما يزخرُ به الصِّيامُ من تضحِياتٍ يبذلُها الصائم من حاجات جسمِه، ورغبَات نفسِه فالصيامُ فَطْمٌ للنفوس عما أُبيحَ لها من لذَّاتٍ، وإلزامُها بتحمُّل ألمِ الجوع وحرِّ الظَّمَأِ، وضبطٌ لشعورِها أن تتبرَّم أو تتأفَّف، أو أن يبدُرَ منها ما يُحبِطُ صيامَها، أو يُنقِصُ من أجرها وفي هذا الفِطام للنفوس تضحياتٌ يبذُلها الصائم؛ ابتِغاءَ مرضات الله، وتصديقًا لموعوده بالجزاء الضافي والأجر الكريم. وأشار فضيلته إلى أنَّ التَّضْحِياتِ في رمضانَ لا تقِفُ عند حدٍّ، فإن أبوابَ التضحية فيه كثيرة؛ إذ هو مِضمارٌ يتسابَقُ فيه الـمُتسابِقون، يَرجُون فيه جميلَ الموعود، وحُسن الثواب فكما تكونُ براحة الجسم وقَطْعِه عن لذَّاته، وصرفِه عن مُباح شهواته، تكونُ أيضًا بتضحيةٍ بالمال الذي تُحبُّه النفوسُ أشدَّ الحبِّ، وما يزالُ ذلك الحبُّ مُستولِيًا عليها، مُتغلغِلًا فيها حتى نهاية العُمُر، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ: طُولِ الحَيَاةِ، وَحُبِّ المَالِ. وبين الشيخ الخياط أن من جميل آثار تلك التَّضحية وجليل عواقبِ ذلك السَّخاء: أنه يورثُ الصَّائمَ ترقيقَ القلب، وتهذيبَ المشاعر؛ تهذيبًا يُحدِثُ فيها تحوُّلًا ونقلةً من ضيقِ الفردية والأثَرة إلى سَعَة الإيثار، والعطفِ، الذي يبعثُ على إحساس المرء بغيره وحاجته إلى برِّه ومواساته وعطائِه، فيبذُل ما تَطيبُ به نفسُه من مالِه، مُستيقِنًا بأنَّ الله تعالى سيُجزِلُ له العِوَضَ، ويُقابِلُ عطاءَه الذي سَخَتْ به نفسُه بما هو أفضلُ منه عطاءً، وأعظمُ عائدةً، وأوفرُ جزاءً. وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المصلين بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخرين . وقال فضيلته في خطبة الجمعة :” طاعة الله خير مغنم ومكسب ورضاه خير ربح ومطلب والجنة حفة بالمكاره وحفة النار بالشهوات واينما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز ” . وأضاف :” أيها الصائمون تقبل الله طاعتكم وأصلح حالكم ووفقكم فيما بقي من هذا الشهر وكتب لكم الثبات على طاعته سائر أيام الدهر ، معاشر المسلمين رمضان شهر عبادة وتوبة شهر تقرب وأوبة شهر توبة ورجوع وإخلاص وخشوع وسجود وركوع شهر صيام وقيام شهر بر وإحسان ” . وأكد أن للعبادة المقبولة أثر في الإيمان فأثرها في القلب والجنان إصلاح النية وتزكية النفوس والتقوى والإخلاص والخشوع لله الأعلى وأثرها في الجوارح والأركان الكف عن المعاصي والمحرمات والمثابرة على فعل الخير والطاعات ، فراقبوا الله في أعمالكم فإن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ورُب صائم ليس له من صيامه إلا العطش والجوع والنصب ورُب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب . وقال إمام وخطيب المسجد النبوي : ” القرآن أعظم ذكر الله عز وجل وترك قراءته هجر له وإعراض عنه ، وكان السلف الصالح يحرصون على قراءة القرآن وسمعه وتدبره ولهم أوراد يومية لا يفترون عنها خصوصا في هذا الشهر شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، فاحرصوا على كثرة تلاوته ولا تزاحمه الأجهزة والبرامج الملهية ” . وأضاف :” عباد الله وأنتم في هذه الظروف التمسوا الدواء والاستشفاء بقراءة القرآن فإنه شفاء ورحمة للمؤمنين اعتكفوا عليه في بيوتكم وفي خلواتكم وجلواتكم اقرءوه واسمعوه في سائر أوقاتكم ومن شق أو تعذر عليه قراءة القرآن فليستمع إلى قراءته وتلاوته فإن المستمع شريك للقارئ في الأجر والثواب والله يقول ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) ، وإن قيام الليل قربة لا يحافظ عليها إلا المؤمنون وسنة لا يصبر عليها إلا المتقون ( الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) ، وقت التهجد من الليل أفضل أوقات القرب قال تعالى ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا)) وهو وقت ينزل الله فيه إلى سماء الدنيا ينادي :هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه وهو وقت تفتح فيه أبواب السماء ويستجاب فيه الدعاء وأعظم قربة يتقرب بها المؤمن في هذا الوقت قراءة القرآن كلام الله والصلاة وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) ، وأفضل القيام قيام رمضان فهو من آكد السنن ومن أفضل النوافل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ” .
مشاركة :