بيتر فايس.. الكتابة بحثاً عن موقع في العالم

  • 5/2/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» اضطر الكاتب الألماني بيتر فايس (1916 - 1982) أثناء حكم هتلر إلى الفرار مع عائلته إلى السويد، وصار واجباً عليه أن ينخرط في حياة غريبة وجديدة عليه، حياة يعيشها كما يقول (من الخارج فقط) بعد أن فقد الأصدقاء والعلاقات القديمة، بعد أن فقد كل شيء، واستقر في السويد مراقباً العالم من الخارج، من دون إحساس عميق بالانتماء إلى وطن ما، لكن بانتماء شامل للعالم والإنسان، فكل ما يحدث في العالم يخصه ويؤثر فيه. يؤكد فايس أنه من الضروري أن نحاول من خلال المسرح تغيير المجتمع، فالكتابة عن الهموم الفردية والشخصية غير كافية على الإطلاق، وعلى الكاتب ألا يكتب إلا من خلال ذلك المنطق: «تغيير المجتمع والتأثير فيه» وفي هذا يلتقي فايس مع أستاذه بريخت، في أمل تحقيق مجتمع مثالي، وكما قال بريخت: فإن «الحياة سيئة، وستظل سيئة، طالما كان هناك من يمارس الضغط على الآخرين»، ذلك الضغط الذي يتمثل في علاقات اجتماعية مختلفة وموجهة لمصلحة أفراد قلائل، هم أصحاب المصلحة في تثبيت أطر هذه العلاقات على شكلها القائم، أي داخل إطار مجتمع رأسمالي، يوجهه الاحتكاريون لمصالحهم الذاتية، ويمارسون فيه الضغط بكل وسائله الممكنة وغير الممكنة، والتي تصل في الأغلب إلى حد امتهان كرامة الإنسان وكبريائه، على شتى المستويات النفسية والجسدية.يلتقي فايس مع بريخت في أكثر من وجهة نظر، يدفعه الأمل في تحقيق مجتمع أكثر إنسانية، يتيح للفرد ممارسة حريته داخل إطار رحب، فكان يصر على ضرورة الالتزام في الفن من أجل محاولة تغيير الواقع إلى الأفضل، فالفنان يعي جيداً ما يحدث حوله، ولا يكفي أن يقف ويقول: «هذا لا يجب أن يحدث»؛ بل يجب عليه اتخاذ موقف واضح ومحدد من الأشياء، وأن يدفع القارئ أو المتفرج لأن يقول: «يجب أن نغير ذلك، هذا لا يمكن أن يستمر، لن نفعل ذلك من اليوم».وهكذا يعود فايس ليلتقي مع بريخت مرة أخرى، ويطالب بتفجير كل الطاقات الواعية في المتفرج من أجل اتخاذ موقف من الأشياء والأحداث، التي تعرض أمامه على خشبة المسرح، فوعي الفنان بفوضى العالم الذي يعيش فيه، وباختلال العلاقات الاجتماعية حوله، وبخيبة الأمل في أحلامنا المثالية، وتأكده من أن العالم قد تسيطر عليه الصدفة والجنون في أي لحظة، لا يعفيه مطلقاً من كونه يعد جزءاً من هذا العالم.يقول فايس: «إنني لا أثق في الأشكال الاجتماعية السياسية القائمة، كما أنني لا أجرؤ على اقتراح شكل آخر، هذا منتهى الضعف لا شك، كما أنه لا ينبغي أن نطلب من الكاتب حلاً واضحاً، فالعالم نفسه ليس بواضح، إنني أعبر عن الموقف الذي لا يعجبني قط، وربما بممارستي الكتابة سوف أكتشف موضعي، إنني أكتب لكي أكتشف أين أقف؛ لذا يجب على أن أطرح شكوكي حتى أستطيع الاختيار».كتب بيتر فايس مذكراته الشخصية في كتابين هما «وداع الأبوين» و«نقطة الفرار» ورواية «حديث السائرين الثلاثة» و«ظل جسد العربجي»، إضافة إلى مسرحياته «في الليل مع الضيوف - التحقيق - اضطهاد واغتيال مار»، وإلى جانب هذه الأعمال مارس الرسم وإخراج الأفلام السينمائية، وبين هذه الأعمال أثارت مسرحيته «مارا» ضجة كبيرة في برلين واستوكهولم ولندن وباريس ونيويورك، على الرغم من أنها مسرحية خالية من الأحداث، بمعناها التقليدي، فكل الأفعال تعرف منذ البداية، وتعرض فترة من فترات تاريخ الثورة الفرنسية؛ حيث يعيد بيتر فايس تفسير إحدى شخصيات الثورة المهمة «مارا»؛ بحيث تبدو دوافعه ممكنة التصور، بدلاً من تلك الصورة الدموية، التي وصفه بها المؤرخون، وتتضمن المسرحية عرضاً لتلك القيم التي تحملها هذه الشخصية، وللمعوقات التي تقف في وجه تحقيق تلك القيم، ويظل «مارا» مع ذلك يناضل، لا يدفعه شيء إلى اليأس بعد أن صمم على التغيير.

مشاركة :