الدوحة - نشأت أمين: أكد فضيلة الداعية الشيخ محمد المحمود أن المولى عز وجل بتشريعاته التي شرعها أراد منا عمارة الأرض، مشيرا إلى أنها تشريعات حكيمة جاءت بهدف بناء مجتمع متكاتف ومتراحم يقوم على التعاون والتآزر امتثالا لقوله تبارك وتعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان». وأشار إلى أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام صور لنا بصورة بليغة حالة الأمة وهي مجتمعة متجانسة متآلفة متحابة كما جاء في الحديث الذي خرجه الأمام مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وقال الشيخ محمد المحمود في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب إن التراحم والتكاتف والتعاطف يقتضي من هذه الأمة أن تقدم مصالحها العامة على الخاصة. مشددا على ضرورة ألا ينشغل الناس بمصالحهم الخاصة على المصالح العامة، وقال إن ذلك يقتضي أن يبذل الناس الخير للناس جميعا.. وأن يقدم الإنسان المصلحة العامة على مصلحة نفسه وأن يحب الإنسان لإخوانه ما يحبه لنفسه، مستشهدا بقول النبي عليه الصلاة والسلام «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وأضاف: «كان النبي عليه الصلاة والسلام في حياته يعزز هذا المبدأ ويقويه في أصحابه ويدعوهم إلى التكاتف والتآلف والتحاب خاصة في أوقات الأزمات واشتداد الأمور، فإن الناس في حاجة إلى التواصي فيما بينهم حتى يقووا علاقاتهم وأن يقدموا الخير لله تبارك وتعالى لا يرجون على ذلك أجرا. فضل زاد وتابع: جاء عن النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وقد كان في سفر فرأى رجلا أتى راكبا راحلته وعينه تتلفت يمينا ويسارا كأنه يبحث عن شيء يسد حاجة له، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له»، وذكر النبي أنواعا من المال قال الصحابة رضي الله عنهم: «حتى ظننا أنه لن يترك لنا من الفضل شيئا» ويريد منهم أن يبذلوا كل شيء زائد عندهم من كل أنواع المال من مركوب ومأكول ومشروب وملبوس وغير ذلك من الأموال مواساة لإخوانهم ولتحقيق مبدأ التكافل والتراحم بين الأمة. وأشار المحمود إلى أن النبي عليه الصلاة وأتم التسليم يعظم ويثني على من يحقق هذا المبدأ، فقد أحب جماعة من أصحابه وهم الأشعريون قوم أبي موسى الأشعري رضي الله عنه إذ أثنى عليهم النبي وجعلهم منه وهو منهم.. ولفت الخطيب إلى أن عمل الأشعريين كانوا إذا أرملوا في الغزو أو قل قوت عيالهم في المدينة جمعوا ما عندهم في ثوب ثم قسموه بينهم بالسوية فقال صلى الله عليه وسلم: «هم مني وأن منهم». وقال إن حال الناس ينبغي أن يكون هكذا خاصة في الأزمات.. مبينا أن الأزمات التي تعرض على الناس تؤدي بهم إلى أوضاع متعددة ومختلفة إذ أن هناك من يفقد عمله أو قوته أو يتعرض للأمراض فلا يستطيع العلاج وغير ذلك من الأمور التي تعرض للناس خلال الأزمات. اجتماع الناس وأكد أنه خلال الأزمات لابد من اجتماع الناس وتكاتفهم وتعاونهم ونظرهم لبعضهم البعض، لافتا إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يوصي أصحابه بهذا التكاتف والتعاون، فقد قال لأبي ذر رضي الله عنه: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك»، لعل من الجيران من هو متعفف لا يسأل الناس برغم أنه لا يجد قوت يومه.. إذ أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن نفّس على مسلم نفّس الله عليه يوم القيامة ومن ستر على مسلم ستره الله يوم القيامة. ودعا إلى تتبع المحتاجين وتقديم ما يكفيهم.. وقال إن من كان عنده في غير الأزمات ما يكفيه يصعب عليه في حال الأزمات أن يمد يده أو يسأل الناس بل يظل متعففا صابرا لكن المجتمع المتآلف لا يغفل عن هؤلاء المحتاجين بل يتتبعهم ويواسيهم. أعظم الصور وقال إن من أعظم الصور في حال الأزمات إذا طلب من الإنسان أن يتبرع بدمه فلا يبخل به فإن فيه أجرا عظيما وقد يكون بهذا التبرع قد تسبب في نجاة روح من الهلاك «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» وذكر أن من صور تفريج الكربات في زمن الأزمات لأن كثيرا من الناس قد يكون فقد عمله أو يكون زاد عليه الضغط فيصرف أكثر مما كان يصرف في الأيام العادية وهنا ينبغي أن نواسي بعضنا بعضا بإسقاط الديون.. وأكد أن الذين يواسون الناس ويتتبعونهم لهم عند الله تبارك وتعالى مكانة عظيمة. تماسك الأسرة وأكد الشيخ محمد المحمود أن المجتمعات لا يمكن أن تتماسك وبصفة خاصة في ظل ظروف الأزمات الحالية التي نتعرض لها إلا إذا كانت نواتها وهي الأسرة صلبة ومتماسكة، وأوضح أن الأسرة إذا كانت متماسكة وقوية فإن المجتمع يكون كذلك، لافتا إلى أن المجتمع لا يمكن أن يقوم على أسرة متفككة ومتنازعة يدب الخصام بين أفرادها. ونوه بأن أقوى ما يسعى إليه الشيطان هو أن يثير الفتنة بين الأزواج، مستشهدا بما ورد عن جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت قال الأعمش أراه قال فيلتزمه». وشدد خطيب جامع الإمام على أن أعظم ما يسعى إليه الشيطان هو أن يفرق بين الأزواج ويهدم البيوت الصالحة القائمة على ما يرضي الله تبارك وتعالى. ونصح الأزواج بوصية النبي صلى الله عليه وسلم وبصفة خاصة في هذه الأيام التي يلازم فيها الناس البيوت ويحتكون احتكاكا زائدا وما قد ينجم عن ذلك من مشاكل وخلافات وجدل حيث قال صلى الله عليه وسلم:»خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». وأضاف الشيخ محمد المحمود مخاطبا الأزواج: الخيرية ليست بمديح الناس لك في العمل أو في المجلس أو في غير ذلك وإنما الخيرية هي الأعمال الصالحة والصفات التي تتحلى بها في بيتك. مستشهدا بما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكًا بسّامًا، وما كان إلاّ بشرًا من البشر، كان يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته، فإذا أحضرت الصلاة خرج إلى الصلاة، ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادمًا». وأضاف: هكذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكبر على أهل بيته وكان يتخلق بالأخلاق الحميدة. الضغط والخصام ووجه الشيخ محمد المحمود حديثه إلى الزوجات قائلا: في ظل وجود الأزواج والأولاد في المنزل في هذه الأيام يكثر الضغط والخصام، فتذكرن قول النبي صلى الله عليه وسلم عن خير النساء «خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك». وقال: هكذا ينبغي أن يكون حال بيوت أهل الإيمان يطيعون الله تعالى ورسوله ويصبرون على ما ابتلوا به في هذه الأيام، مشيرا إلى أنه لا منجى ولا ملجأ لنا إلا الله عز وجل وأن نسأله أن يرفع عنا هذه الغمة.
مشاركة :