مكتبة ابن العباس في الطائف.. منارة علمية منذ أكثر من 900 سنة

  • 6/24/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يلفت نظر الزائر لوسط محافظة الطائف إطلالة مكتبة مسجد ابن العباس التي تعد من أعرق المكتبات المتخصصة في مجال الفقه وأصوله في العالمين الإسلامي والعربي، إذ تضم في أركانها مجموعة من نوادر المؤلفات والكتب والمخطوطات الإسلاميّة، وقطعاً أثرية ونقوشاً حجرية تعود إلى أكثر من 900 عام مضى. وتزامن إنشاء هذه المكتبة مع إنشاء مسجد حبر الأمة الصحابي عبدالله بن العباس -رضي الله عنهما- الذي بنته ثقيف في المكان الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حصاره لأهل الطائف في السنة الثامنة للهجرة، حيث أمر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن يؤم أهل الطائف فيه، ليتوالى بعدها الخلفاء الراشدون والأمويون على العناية بالمسجد حتى تم إعادة بنائه في زمن الخلافة العباسية سنة (592ه). وظلت مكتبة مسجد ابن العباس -رضي الله عنهما- جزاءً داخلياً للمسجد ووقفاً لطلبة العلم والعلماء، حتى قام والي الحجاز في العصر العثماني محمد رشدي باشا الشرواني ما بين عامي (1250ه - 1270ه) بإنشاء مكتبة مستقلة عن المسجد عبارة عن رواقين من الناحية الغربية للمسجد، خصص لها مدخلاً مستقلاً من الناحية الجنوبية، يعرف إلى يومنا هذا باسم باب (محمد رشدي باشا)، وذلك ضمن مشروع إنشاء مكتبات ملحقه للجوامع الكبيرة والمساجد أو ما عرف في ذلك الوقت ب (كتبخانة) وهو المبنى الذي يضم خزائن الكتب والمخطوطات الموجودة والمنتشرة داخل الجوامع والمساجد، بهدف حفظها وتيسير عملية الاستفادة منها وتسهيل وصول طلاب العلم والباحثين إليها وعامة الناس من محبي الاطلاع والقراءة. وحظيت المكتبة باهتمام الدولة السعودية حيث أمر الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- عام 1378ه بإعادة عمارة مسجد عبدالله بن العباس عمارة كاملة وإعادة بناء منارته وأبوابه وجميع ملحقاته بما في ذلك المكتبة، وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- أعيد افتتاح المكتبة سنة 1384ه، وانتدبت لها وزارة الحج والأوقاف "آنذاك" أكثر من مختص لتسجيل الكتب وفهرستها وترقيمها، حتى ضُمّت إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد التي تشرف عليها وتزودها بالكتب والدوريات العلمية وتوفّر لها أرفف الحفظ والخزائن المكتبية والأجهزة الإلكترونية لتواصل رسالتها العلمية. وفي هذا الصدد أوضح أمينها طلال الحارثي أن المكتبة أنموذج تراثي عريق في مجال الثقافة والشريعة نظير ما تحويه من ثروات علمية حصرت في أكثر من (6000) عنوان؛ وأكثر من (12 ألف كتاب) شملت مختلف مجالات العلوم الشرعية، والقراءات، والحديث، والفلك، والتاريخ، والطب، ناهيك عن (22) قطعة أثرية وحجارة منقوشة بالحفر يعود تاريخها إلى عام (546 ه). وتحتفظ مكتبة مسجد العباس بأكثر من (450) مخطوطة من المخطوطات القديمة النادرة كما بين الحارثي، أقدمها مخطوطة الكافي في علم الفرائض التي تضم (380) ورقة للصردفي إسحاق بن يوسف المتوفى سنة (500ه)، وأعيد كتابتها على يد عبدالرحمن الحرازي في شهر رمضان سنة (702ه). وتضم مكتبة عبدالله بن العباس أقساما علمية عدّة هي: القرآن وعلومه، والحديث وعلومه، وأصول الفقه، والعقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة، والآداب، واللغة والنحو والصرف، والتاريخ، والسير والتراجم، والجغرافيا، والسياسة والاقتصاد، والسيرة النبوية، والثقافة الإسلامية، والمجلات والدوريات العلمية، في حين تفتح المكتبة أبوابها للزوار والباحثين وطلبة العلم يومياً وذلك على فترتين من (7.30 إلى 2.30 ظهراً)، وفترة مسائية من بعد صلاة العصر حتى أذان صلاة العشاء. وتحدث الكثير من المفكرين والأدباء عن مكتبة ابن العباس، منهم الدكتور عثمان محمود الصيني الذي عدّها من خزائن الكتب والمكتبات العربية التي تعرضت للإهمال والنسيان فترة طويلة حتى أعيد افتتاحها عام 1384ه في عهد الملك فيصل -رحمه الله- وأنقذ ما يمكن إنقاذه من المخطوطات الموجودة في الصناديق والأكياس التي كانت موجودة فيها. وقال الصيني: إن كثيراً من المخطوطات بمكتبة ابن العباس فقدت بكاملها رغم الإشارة إليها في بعض المخطوطات الموجودة بالمكتبة ، أو فقدت أجزاء منها ، أو أصابتها الرطوبة والبلل والأرضة، مبيناً أن بالمكتبة مخطوطات كثيرة للشيخ عبدالحفيظ بن عثمان بن محمد بن عثمان القاري الفتني الإدريسي الحنفي الذي عاش سنة 1319ه، وله رسالة له باسم "نبذة من أخبار الطائف" محفوظة بدارة الملك عبدالعزيز. ولاهتمام الدكتور عثمان الصيني بالمكتبة صدر له عن نادي الطائف الأدبي كتاباً بعنوان "فهرس المخطوطات بمكتبة عبدالله بن عباس بالطائف"، يقع في (494) صفحة من القطع المتوسط، مفهرساً فيها (450) مخطوطاً من مخطوطات المكتبة باتباع قواعد وتعليمات فهرسة المخطوطات. وشمل الفهرس أيضا العلوم والمعارف التي تحتلها أرفف مكتبة عبدالله بن عباس وهي: المصاحف، التجويد والقراءات، التفسير، مصطلح الحديث، العقائد، التصوف، المواعظ والآداب، المنطق، أصول الفقه بفروعه الأربعة، الفرائض، اللغة، النحو، الصرف، البلاغة، العروض، الأدب، التاريخ والتراجم، الطب، الحيوان، الجبر والحساب، الفلك. ووصف رئيس قسم النشاط الثقافي في إدارة تعليم محافظة الطائف الدكتور صالح الثبيتي مكتبة مسجد عبدالله بن عباس رضي الله عنهما بأنها من أعرق المكتبات التي حفلت بنوادر المخطوطات وأمهات الكتب العربية منذ فجر الطباعة العربية، مشيراً إلى دورها العلمي الكبير في خدمة العلماء وطلبة العلم من الباحثين والباحثات طوال قرون مضت حتى أصبحت كنزاً من كنوز المعرفة البشرية في وطننا الغالي. ونوه أستاذ الفقه المقارن بجامعة الطائف الدكتور نزار الشيخ بالدور الكبير الذي قامت به مكتبة مسجد عبدالله بن العباس وحفظها للتراث والتاريخ الإسلامي بالتدوين والنقل، منوها بالأدوار الحضارية الكبيرة التي قامت بها المكتبة في مجال التعليم والتوعية. وأفاد أن ما يميز مكتبة مسجد عبدالله بن العباس رضي الله عنهما عن سائر المكتبات في العالم الإسلامي وهو ما تزخر به من المصادر والمراجع العلمية والمخطوطات الخاصة بدراسة الفقه وأصوله وعلوم العقيدة والفرائض، إضافة إلى علم الحديث والقراءات واللغة والأدب والبلاغة.

مشاركة :