ننعي بأعطر الكلمات وأعظمها شهداء الوطن من رجال القوات المسلحة الأبطال الأحرار البواسل الذين استشهدوا نتيجة الحادث الإرهابي الغاشم الذي أحزن مصر والعالم.. ننعي هؤلاء الذين رحلوا إلى الله صائمين.. رحلوا إلى ربهم مرابطين.. رحلوا إلى الجنة مخلصين.. عاشوا بشرف واستشهدوا في سبيل الله والوطن بشرف.. ويا لها من مكانة عظيمة.. جد عظيمة!! فهم الآن يتنعمون في الجنان على سرر متقابلين.وعندما نتحدث عن الشهيد نشتم عبير الخلود ورائحة الجنة... ولمَ لا وهو الذي اختصّه اللهُ عز وجل بمكانة سامية سامقة لا تدانيها مكانة.. في الدنيا ويوم القيامة وفي جنات الخلود.. ونقول له: أين نحن منك أيها المختار الذي اصطفاك ربك؟.ومن عظيم مِنح الله تعالى لهؤلاء الشهداء الذين باعوا أنفسهم من أجل الله، وتساموا فوق ما يحبون، وتغلبوا على شهواتهم، واسترخصوا الحياة في سبيل الظفر بالشهادة نيْلا لإرضاء لله؛ أنه تعالى اختار لهم خير الأسماء والألقاب.. وخير الذكر.. وخير الخلود... اختار لهم مكانة رفيعة تعد مضرب المثل في العلو والمعالي والسمو والتسامي والسموق.. تلك المكانة التي لا يصل إليها إلا الأنبياء والمرسلون والشهداء، ومَن اختارهم الله تعالى من عباده الصالحين..لقد سمَّى اللهُ تعالى ذلك الشخصَ الذي قُتل في سبيله، وفي سبيل الحفاظ على بيضة الدين، وحماية الوطن سماه "شهيدًا".. والشهيدُ في أصل اللغة من الشهود والحضور، أي مِن شهد يشهد شهودا فهو شاهد ومشهود، ولا يكون ذلك إلا بالحياة؛ لذلك فالشهداء أحياء عند ربهم، قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 169-171). فهم أحياءٌ، وأرواحهم شاهدة حاضرة، تشهد ما أعدَّه الله تعالى لهم من العزة والكرامة.. وقيل سمَّي الشهيد شهيدا؛ لأن الله تعالى يشهد بنفسه له بحسن نيته وإخلاصه، ولأن روحه شهدت دارَ السلام في الجنة ودخلتها قبل القيامة وقبل غيره من الناس.. وقيل لأنَّ ملائكةَ اللهِ شاهدةٌ عليه وشهدت احتضارَه.. وقيل لأنه يُشهد له بالأمن من النار، فقد وقّع الشهيدُ عقدًا على صدقه مع ربه؛ لذلك يبعث الله شاهدًا له يوم القيامة وهو دمه الطاهر الذي سال من أجل الله ومن أجل الدين والوطن والناس.. وقيل سمي شهيدا لأنَّ الشهيدَ جاد بنفسه التي بين جنبيه -وهي أغلى شيء في الوجود- من أجل الله، فكانت هذه شهادة حية وعملية على أن إرضاء ربه تعالى أعزُ إليه من نفسه التي بين جنبيه، إرضاء لله، وحفاظًا على الدين والوطن، وبسطًا للحق، وإحقاقًا له وإزهاقًا للباطل.. فيموت الشهيد لينعم غيره بالعيش الآمن الرغيد.. يموت هو ليَسْعَدَ الآخرون.. وأكرم به من إيثار عظيم عزَّ نظيرُه وقلَّ مثيله في هذه الحياة..!!.وتتعاظم التحديات إذا كان العدوُ مجهولا ومباغتًا، ينثر بذورَ الخوفِ في أرض الله، وينشر شرَّه وخبثه وعدوانَه في كل مكان كما يفعل الإرهابيون؛ لذلك كانت الحاجة ماسة دومًا إلى أناس من طراز فريد؛ تساموا فوق الحياة وملذاتها وشهواتها، وسمت مواقفُهم وبطولاتُهم إلى أعلى الأعالي.. باعوا أنفسهم لله.. يرون الجبن أو الفرار من ساحة المعركة عارًا وبورًا.. إنهم الشهداء العظماء..لذلك اختار الله تعالى لهؤلاء اسم (الشهيد) وكأن الله تعالى يُشهِد الشهيد، ويجعله جزءا أصيلا من معادلة إحقاق الحق وإزهاق الباطل. إن الشهداء الأبرار الأبطال عرفوا الحقَ فاتّبعوه، وعرفوا الشرَّ والباطلَ فواجهوه بصدورهم، وقد هانت عليهم الدُّنى؛ فلم تغرهم متعُ الحياة... بل اختاروا طريقَ الخلود وطريقَ الأماجد، طريقا قلَّ سالكوه، وقد أيقنوا أن أرواحَهم أغلى ما يملكون، فقدموها قربانًا إلى الله الكريم، وأراقوا دماءهم في سبيله..فيا لها من تجارة رائجة رابحة، جد رابحة..!!، سلعتها أرواحهم، وثمنها جناتُ الخلود في مواقع الشهود في مقاعد صدق عند مليك مقتدر.. وأكرم بها من تجارة وسعادة.. وأكرم بذلك من فوز عظيم..!!وصدق الحق جل وعلا القائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111).وقد جعل الله تعالى لهم "مكانة العندية"، فهم عند ربهم، في معيته وفي جواره وفي كنفه وفي جنابه الأعلى. قال الله تعالى: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ وجعل لهم المغفرة والأجر العظيم والنور المبين، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (آل عمران: 157). كما جعل الله تعالى الشهداء في مأمن فلا يفزعون حين يفزع الناس، ولا يخافون حين يخاف الناس..وإذا كان الشهيد قد ضحى بنفسه؛ لنعيش نحن.. ونأمن نحن.. ونسعد نحن.. فإنه من الواجب الآكد علينا جميعا أن نرعى أسر الشهداء، فقد كان النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يزور أسر الشهداء ويتفقد أحوالهم، ويواسيهم، ويجبر خاطرهم، ويبشرهم، وينفق على أولادهم وذويهم ويساعدهم هو والصحابة الأخيار.فنهيئا لكم أيها الأبطال الأبرار.. هنيئا لكم وأنتم تحاربون الأوغاد الأشرار.. هنيئا لكم وأنتم تحاربون أناسًا باعوا أنفسهم للشيطان.. هنيئا لكم وأنتم تجاهدون من أجل تخليص البلاد والعباد والعالم من شر هؤلاء الاشرار. وصدق الرسول الكريم القائل فيما أخرجه الترمذي في سننه: (عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل اللهِ). فأين نحن منك أيها الشهيد العظيم؟ اللهم احشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
مشاركة :