عبر لقاء افتراضي عن بُعد مع الفنانة التشكيلية سلمى المري، بدأ الحديث من طبيعة الإمارات الحافة بالتنوع والجمال بين الصحراء والبحر والبر، وأي من هذه الملامح كان له الأثر الفني البالغ في أعمالها، حيث أكدت المري، بدايةً، على أن «كل إنسان منا يحمل في روحه أرضاً كاملةً، ومن مميزات الفنان أنه يستطيع أن يعبر عن الأرض المترامية الأطراف في وجدانه. بالنسبة لي، الإمارات تتفرع داخلي، فلا فصال ولا فصل بين عناصرها. وعامةً، لا يكون الأمر مقصوداً بداية، فقد «تنبش» لوحة لبداية خيطاً.. فتتوالى سبحة الفكرة وتتوالد، لتنتج أعمالاً متصلة، فأجد نفسي غارقة بالبحث في تفاصيل تكون هاجسي طوال الوقت». وتواصل المري تأملها الإبداعي في استلهام الطبيعة فتقول: وهكذا أجد المنجز الفني لكل فترة، عبارة عن أعمال ذات روح واحدة. أنتبه في مرحلة منها أنني بصدد إنجاز مشروع تتداخل فيه الهوية الإماراتية، وتنسج عروة وثقى في هذه المجموعة. وجدتني أجنح إلى الألوان المعتقة المتقادمة في أدمة الأرض وكثبانها، وأكاسيد جبالها، وحصوات إنجرافات وديانها، وتراب أرضها بألوانه وتدرجاته، بنخيلها وسمرها وغافها و.. وحتى أشجار القُرم لها نصيبها، والغور في قاع الخليج وعاتي أمواجه وانبساط سطحه. ونلتفت نحو التراث، بدءاً من العملة وتنوعها حسب مراحل التاريخ، لنصل إلى الآثار المكتشفة حديثاً وامتزاج هذه العوالم بأعمالك التشكيلية، حيث تقول: كأنك تسألينني عن مجموعة أعمالي في (حكايا الأرض) التي وجدتني أندفع فيها إلى البحث واستلهام تاريخ الإمارات من ناحية الآثار، عبر العصور (الحجري، البرونزي، فترة ما قبل الإسلام، العصر الإسلامي) وأهم العملات النقدية التي تم تداولها في الإمارات قبل الاتحاد، وحتى قدوم الاتحاد، من خلال العملات التذكارية التي تكشف الوعي والاهتمام بالبيئة منذ الإشراقات الأولى للإمارات، بالإضافة إلى الأسطورة، وكان أسلوبي في العمل البحث في المادة اللونية التي اشتغلت عليها، بحيث تتماشى مع روح الأرض وتاريخها.. فكانت الأعمال تحمل ألواناً معتقة بهوية الأرض، والملامس فيها متنوعة، فاكتسبت صفة الغائر والبارز، كقطع أثرية. لكن خلال ظروف الجائحة التي نرجو أن تكون عابرة، كيف تمضي الفنانة سلمى أوقات الحجر.. تقول: وقتي يمضي ما بين مسؤوليات البيت والحرص على حماية ذاتي وأسرتي، واحتواء الظرف، أقله في هذا الكيان المحدود، والالتزام بالشروط وقوانين الحماية التي وضعت من أهل الاختصاص. وأنا أحرص على تنويع الأنشطة ما بين إدارة شؤون الأسرة، والمرسم، وممارسة الرياضة، والقراءة، والكتابة كلما قفزت العبارة للتعبير عنها. وتضيف المرى: أعتقد أن الكون أطبق علينا قبضته لكي يوعينا، يحمينا، يشفينا.. فننتقل إلى بعد كوني آخر أكثر سمواً. سنكون أكثر إيماناً بالتسامح مع أنفسنا ومع الآخرين، منفتحين على الحب والجمال، مقدرين للاختلاف على كافة الصعد (الدين، التقاليد، الثقافات، اللون، الهوية...)، وعليه ستكون تردداتنا إيجابية، تجذب النور إلينا فنغدو أكثر روحانية.. فالذات الحقيقية فينا ستدير الدفة نحو الخير والتعاطف، سنصبح أكثر وعياً بأن مصيرنا واحد، كبشر وشركاء ومخلوقات على وجه البسيطة، سيرتفع وعينا ويأخذنا إلى مسؤولية الخلاص مما علق بنا من عنجهية «الأنا» التي اتسعت رقعتها في الكرة الأرضية فانقلبت علينا. وتضيف المري: طقوس رمضان تواصلت مع حصار الكورونا فتآخت.. وأحدثت توازناً، ولا أخفي بأنها زادت من تلاحم الأسرة، فكل فرد يريد أن يأخذ بيد الآخر، وفيه من التآزر الكثير، خاصة أننا، كأسرة، فقدنا أحباء. عاد رمضان من دونهم، أماكنهم شاغرة، نفوسنا تهفو إليهم، وأمست أرواحنا تدعم التهاوي فينا، وتخبرنا بأنهم معنا بشكل أو بآخر، نشد من عزيمة بعضنا، نستمر في طقوس المحبة التي كنا نتشاركها وإياهم، حريصين بأن نستمر بالإيجابية التي كانوا يبثونها فينا. هذا شهر الرحمة والدعم.. منّ علينا به الرحمن فأخذنا به.
مشاركة :