في ألمانيا وفي دول أخرى أصابتها جائحة كورونا، يدور جدل حول موت الناس بالفيروس، أم موتهم بأمراض أخرى مع الإصابة بفيروس كورونا؟ أطباء وباحثون ألمان بدأوا بنشر أبحاثهم حول هذا الموضوع. البروفيسور الدكتور كلاوس بوكسيل أثناء عملية تشريح لجثة متوفي بفيروس كورونا "ينبغي اجتناب الفحوص الطبية الداخلية وتشريح الجثث والإجراءات المثيرة للجدل"، علت هذه العبارة صفحة موقع معهد روبرت كوخ RKI في مطلع شهر نيسان/ أبريل 2020، مرفقة بصورة لرفاة مرضى توفوا بفيروس كوفيد -19. ولكن وكما يبدو، فإن الوكالة الألمانية الاتحادية المسؤولة عن الأمراض المعدية غيّرت رأيها في هذا الموضوع. فقد أكد نائب رئيس معهد روبرت كوخ لارس شاده أن مثل هذه الإجراءات لا غبار عليها إذا كان المرض جديداً، وبوسع الأطباء تشريح الجثة قدر إمكانهم، ولكن في ظل تحوطات السلامة المطلوبة. وتعليقاً على ما نشر في صفحة معهد روبرت كوخ مطلع شهر نيسان/ أبريل علّق رئيس رابطة الأطباء الألمان الاتحادية كارل فريدريش برغ بالقول"هذه زلة لسان" مبيناً أنّه في كل حالات الوفيات الناجمة عن أمراض معدية حديثة فإن تشريح الجثة مهم جداً لتحديد مسار المرض، ويشمل ذلك كورونا. قاعدة المعلومات الأكبر في هامبورغ وعلى أية حال، لم يتبع كافة الأطباء توجيهات معهد روبرت كوخ التي صدرت أول نيسان/ ابريل على صفحة المعهد. كلاوس بوشال، مدير معهد الطب الشرعي بجامعة المركز الطبي في ابندورف- هامبورغ يملك اليوم أكبر قاعدة معلومات ويقول "يمكننا أن نتعلم من الموتى ما يساعد الأحياء". ابتداء من 22 آذار/ مارس وصولاً إلى 11 نيسان/ ابريل، نفّذ كلاوس بوشال 65 عملية تشريح لرفاة متوفين بفيروسCOVD-19 ستة وأربعون ممن جرى تشريح رفاتهم كانوا مصابين بأمراض الرئة قبل إصابتهم بالفيروس، و28 منهم كانوا يعانون من أمراض داخلية، أو من أمراض أصابت أعضاء مزروعة في أجسادهم. 10 من المتوفين كانوا يعانون من السكري ومن البدانة، عشرة غيرهم كانوا يعانون من السرطان، و16 منهم كانوا يعانون من الخرف (الزهايمر)، بعض المتوفين كانوا يعانون من عدد من الحالات المذكورة مجتمعة. قاعدة معلومات الدكتور بوشال تحتوي على معلومات عن 100 رفاة جرى تشريحها، جميعها تؤكد أن لا أحد من المتوفين مات قطعاً بسبب فيروس كوفيد 19، بل أنهم جميعاً كانوا يعانون من مشكلات القلب والأوعية الدموية ومن ارتفاع ضغط الدم ومن تصلّب الشرايين والسكري والسرطان والفشل الكلوي أو الرئوي أو من تليّف الكبد. البروفيسور كلاوس بوكسيل مدير معهد الطب الشرعي في هامبورغ ومع كل هذا، حسبما يقول بوشال، يجب أن يؤخذ فيروس كورونا بجدية تامة، لكنه ينبّه إلى أن المخاوف السائدة يغلب عليها طابع المبالغة مبيّناً أن كورونا "لم يكن مرضاً معدياً خطيراً على أية حال". ومن هنا يعرض الدكتور بوشال أن هناك بعض التحديدات تخص حضور أقارب المتوفى في تشييعه ودفنه ومنها "يجب عدم تقبيل الرفاة، لكن بوسع المرء أن ينظر إليها أو يلمسها على أن يغسل يديه بعد ذلك". أبحاث في إيطاليا وسويسرا قاعدة معلومات الدكتور بوشال تدعمها دراسة صدرت عن وزارة الصحة الإيطالية، وهي لا تستند على التشريح، بل على مسار المرض لدى 1738 متوفى ، فعلاوة على الإصابة بفيروس كورونا فإنّ نسبة 96.4 من المتوفين بهذا المرض كانوا يعانون من مرض واحد على الأقل، أعمها غالباً حالات ارتفاع ضغط الدم (70 %)، السكري (32 %)، أمراض القلب والأوعية الدموية (28 %). علماً أن متوسط الأعمار في إيطاليا هو 79 عاماً، أما في هامبورغ فالمتوسط هو 80 عاماً. مراقبة طبية لمسنين في مركز متخصص ببرشلونة في سياق متصل، فإنه قد جرى تشريح رفاة 20 ممن توفوا بفيروس كوفيد 19 على يد الدكتور الكسندر تسانكوف رئيس قسم التشريح بمشفى جامعة بازل بسويسرا فتبين اصابتهم جميعاً بارتفاع ضغط الدم، كما أن أغلبهم كان يعاني من البدانة، وأن ثلثيهم عانوا من مشكلات في القلب، وثلثهم عانى من مرض السكري. ومع ذلك، فإن رئيس الأطباء في مشفى جامعة بازل يفضّل أن لا يصف المرض بأنه "غير مؤذٍ"، بل يقول" كل هؤلاء المرضى المتوفون كان يمكن أن يعيشوا عمراً أطول لولا اصابتهم بفيروس كورونا، ربما عاشوا ساعة أطول أو يوماً أو أسبوعاً أو عاماً أطول". المجموعة التي يحيق بها الخطر كبيرة جداً في ألمانيا كبير الأطباء في مشفى Charité (الرحمة) ببرلين ديفد هورست وفي لقاء مع صحيفة "برلينر تسايتونغ" أكد أنّ كل من توفي من مرضاه بعد اصابته بفيروس كورونا كان يعاني من أمراض سبقت الاصابة، وخاصة أمراض القلب والأوعية الدموية والرئة، ويمضي إلى القول" بعضهم كان يعاني من البدانة، على كل حال، هذه أمراض شائعة جداً فيمن تخطوا سن 65 في ألمانيا، والإصابة تظهر لدى ثلث أفراد هذه الشريحة. كما نلاحظ أن الإصابات بفيروس كورونا بين أفراد هذه الشريحة ستكون غالباً قاتلة". وفيما يتعلق بمسار فيروس يقول د.هورست "إنّ الضرر البالغ الذي يلحق بالرئة سيجعلها تمتلئ بالسوائل ما يمنع اتمام عملية تبادل الغازات التي تجري داخلها، علاوة على أن انتشار البكتريا في الرئتين المتضررتين سيؤدي إلى مرض ذات الرئة التي تقود إلى عجز الرئتين عن القيام بوظائفهما". ويمضي كبير الأطباء د. هورست إلى القول: "علاوة على تلف الرئتين، فانّ جلطات الدم ستحدث مراراً، والحديث هنا يتعلق بالجلطات التي تسري مع مجرى الدم، ثم تؤدي إلى انسدادات في الشرايين ما يسبب عوارض فشل وظيفي حاد في الأوعية الدموية" على حد وصف الطبيب المختص الذي يضيف أنّ الجلطات الدموية الدقيقة قد تقع في أعضاء أخرى من الجسم ما يؤدي إلى تلفها. ولدى سؤاله عن رأيه في الجدل القائم حول موت الناس بفيروس كورونا، أم موتهم بأمراض أخرى مع الإصابة بفيروس كورونا علّق د.هورست بالقول: "أجد الجدل مثيراً للأسى، ففي الرفاة التي شرحناها، كان كل المتوفين يعانون من أمراض سابقة، لكن إصاباتهم لم تكن وخيمة إلى درجة تهدد حياتهم" ومضى ليؤكد ضرورة عدم حصول انطباع لدى الناس بأن كورونا مرض غير مؤذٍ، إذا لولا إصابة هؤلاء الناس بمرض كورونا ما كانوا ليموتوا. يوكفر نيكيتا/ ملهم الملائكة
مشاركة :