مع إطلاق الأقمار الصناعية أيران تغير قواعد اللعبة

  • 5/4/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في الثاني والعشرون من أبريل، أعلنت أيران نجاحها في وضع أول قمر صناعي (أسمته نور) في المدار الفضائي وذلك بعد عدد من المحاولات الفاشلة سابقا. وقد أكدت قيادة الدفاع الفضائي الأميركية (NORAD)  هذا النجاح. ورغم الأهمية العملية والعلمية لهذا الإنجاز الإيراني، إلا أن ما لا يقل أهمية هو قدرة إيران على تصنيع الصاروخ الذي حمل هذا القمر للفضاء والذي يعمل بالوقود السائل والصلب معا. علاوة على ذلك، يشير المدى الواضح للقمر الصناعي إلى أن إيران، من الناحية النظرية أصبحت قادرة الآن على إطلاق صاروخ يمكنه الوصول إلى أهداف في الأراضي الأميركية. إن نجاح أيران في تطوير مثل هذا النوع من تكنولوجيا الصواريخ الفضائية عابرة القارات قد غير قواعد اللعبة العسكرية ـ السياسية مع الولايات المتحدة. وحتى مع وجود العديد من العوامل الأخرى التي تلعب حاليا دورا في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن إطلاق القمر الصناعي سيكون له انعكاسات خطيرة على مستقبل العلاقات بين البلدين والتي تمر بأسوأ حالاتها. والسؤال المهم هو: ماهي هذه الانعكاسات؟ ومن سيكون له القدرة على الاستفادة من هذا الوضع الجديد؟ وردا على عملية الإطلاق، صرح وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أن على جميع دول العالم أدانت هذا الخرق الإيراني الصريح لقرار مجلس الأمن رقم 2231 والصادر عام 2015، والذي ينص على "دعوة إيران لعدم القيام بأي نشاط يؤدي إلى تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية".  وعلى الرغم من إعلان إيران وإصرارها أن نشاطها الصاروخي مخصص للأغراض السلمية وأن الإطلاق الحالي يحمل قمرا صناعيا وليس رأسا نوويا إلا أن التكنولوجيا المستخدمة في كلا الحالتين متماثلة. ومع ذلك، رفضت الولايات المتحدة هذا الادعاء بشكل قاطع ويحتمل أن تدعو لجلسة لمجلس الأمن لمناقشة الردود المحتملة. يحب أن يكون هناك إجماع أميركي داخلي على أن إطلاق الصاروخ يمثل خطرا واضحا وقائما على أمن الولايات المتحدة وبغض النظر عن الجدل القانوني وراء عملية الإطلاق، فإن التطورات الحاصلة ستنقل مستوى الصراع الأميركي ـ الإيراني لتصعيد جديد وخطير في آن واحد، حيث ساهم القلق بشأن التطورات الصاروخية الإيرانية في تشكيل السياسات والرسائل التي تبثها إدارة ترامب تجاه إيران.  بالعودة إلى مارس عام 2018 عندما لم تكن الصواريخ الإيرانية قد نجحت في بلوغ المديات التي تبلغها الآن، وضعت الإدارة الأميركية على لسان بومبيو وقف أنشطة الصواريخ البالستية الإيرانية كأحد الشروط الاثني عشر لرفع العقوبات عن إيران. هناك سؤال يبدو مهما الآن، لماذا اختارت إيران تلك اللحظة لعملية الإطلاق، وهل أخطأت في اختيار هذا التوقيت؟ هناك العديد من العوامل التي تؤثر بالفعل على التوترات الأميركية الإيرانية الأخيرة. وبصرف النظر عن استهداف وقتل قاسم سليماني مؤخرا، فإن الآثار المدمرة لتفشى فيروس كورونا على كل من إيران والولايات المتحدة لم تثن الطرفين عن الإدلاء بتصريحات ضد الطرف الآخر أو في حالة الولايات المتحدة، بفرض عقوبات جديدة. من وجهة النظر الإيرانية، تمثل الانتخابات الأميركية القادمة المفتاح لفهم المسار المستقبلي لهذه التوترات، فإيران كانت تراهن على خسارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للانتخابات في الانتخابات المقرر عقدها في نوفمبر، وترى أن الديمقراطيين سيكونون أكثر مرونة في التعامل مع الملف الإيراني، خاصة بالنظر إلى دور المرشح الرئاسي جو بايدن الذي نجح في الحصول على موافقة الكونغرس على خطة العمل الشاملة المشتركة خلال إدارة أوباما. إن فكرة امتلاك إيران لصواريخ بعيدة المدى لا تهدد فقط إسرائيل والمملكة العربية السعودية ـ حلفاء الولايات المتحدة منذ فترة طويلة ـ ولكنها تهدد أميركا أيضا، خاصة أن هذه الصواريخ لديها القدرة على حمل رؤوس حربية نووية وهي بمثابة تغيير في اللعبة الاستراتيجية في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران. وعلى هذا النحو، كان قرار إيران اختبار القدرة على إطلاق الأقمار الصناعية الآن محير إلى حد ما. ويبدو أن تحرك إيران هذا قد قدم مبررا رئيسيا لسياسات ترامب إزاء إيران. ورغم أن السياسة الخارجية الأميركية لا تمثل عاملا مهما للناخب الأميركي ـ خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية التي تواجهها البلاد ـ لكن ما حصل يعزز صورة الرئيس الأميركي بين قاعدته الصلبة والمتمثلة بالرئيس القوي الصارم. كما أنها تساعده على رفع مستوى المخاوف بين ناخبيه وهذا عنصر أساسي لربح المعركة الانتخابية من قبل أي سياسي يعتمد على ذات مقومات الفوز التي يعتمدها الرئيس ترامب. يبدو أن عملية الإطلاق أيضا وضعت الولايات المتحدة في وضع أفضل على المسرح الدولي أيضا حيث أن دول العالم التي كانت داعمة للموقف الإيراني من الاتفاقية النووية، سيصعب عليها اتخاذ ذات الموقف بعد كشف إيران لقدراتها الصاروخية الجديدة! الصراع على النفوذ والسلطة بين السلطات المدنية في إيران والحرس الثوري الإيراني قد تطور خلال العامين الماضيين ونظرا للكيفية التي قد يؤثر بها إطلاق الصواريخ على السياسة الأميركية تجاه إيران، فمن غير الواضح ما إذا كانت قوى الدولة الأكثر اعتدالا في إيران، مثل الرئيس ووزارة الخارجية سيرحبان بتوقيت إطلاق الصاروخ. ويبدو أن ذلك يمثل أهمية خاصة، حيث عبرت الإدارة الأميركية الحالية مرار وتكرارا عن استيائها من الاتفاق النووي الذي وقعته أدارة أوباما نظرا لعدم تضمين ذلك الاتفاق لموضوع الصواريخ البالستية والتي تمثل تهديدا للأمن العالمي والإقليمي. كما أن حملة الخارجية الإيرانية في الدفاع عن الموقف الإيراني ومهاجمة الموقف الأميركي كانت دوما ترتكز على عنصرين أساسيين هما العنصر القانوني إذ أن إيران ملتزمة بالقانون الدولي فضلا عن العنصر الإنساني، أي أن إيران دولة مسالمة ولا تشكل تهديدا للسلام الإقليمي أو الدولي. هذا العنصران المهمان في الدفاع الإيراني يواجهان تحديا جديا بسبب تداعيات إطلاق إيران لقمرها الصناعي. بالنظر إلى كل هذه العوامل، يجب ألا يُنظر إلى عملية إطلاق القمر الصناعي على أنها سياسة تدعمها جميع أجهزة الدولة الإيرانية، بل كانتصار للحرس الثوري الإيراني على تيارات أخرى داخل السلطات الإيرانية ـ وهو الحدث الأحدث في صراع السلطة والذي دام لسنوات ويمكن رؤيته أيضا في النهج الاستباقي الذي اتبعه الحرس الثوري في جهود الإغاثة الخاصة بمواجهة تفشى فيروس كورونا.  وعلى عكس العناصر الأكثر اهتماما بالمفاوضات، فإن استراتيجية الحرس الثوري قد رسخت نفسها منذ فترة طويلة حول توظيف التهديدات، وخلق نوع من "سياسة حافة الهاوية النووية"، التي تم استغلالها بنجاح خلال إدارة أوباما حيث دفعت الدول الغربية للجلوس والعمل لإبرام صفقة جيدة مع إيران. من الواضح أن الصراع على النفوذ والسلطة بين السلطات المدنية في إيران والحرس الثوري الإيراني قد تطور خلال العامين الماضيين. كانت استقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في فبراير 2019 على إثر دعوة سليماني للأسد لزيارة طهران دون إبلاغه، مؤشرا واضحا هذا الصدع. كما أدى اغتيال سليماني، زعيم الحرس الثوري الإيراني المؤثر للغاية والذي كان قريبا جدا من المرشد الأعلى خامنئي، إلى زيادة قوة المؤسسات الرسمية الإيرانية المدنية (الرئاسة ووزارة الخارجية ووزارة الأمن القومي وغيرها). ويمثل تعيين مصطفى الكاظمي كرئيس للوزراء في العراق خسارة أخرى للحرس الثوري الإيراني حيث تعتبره تلك المؤسسة من المقربين للولايات المتحدة. كما عمدت عملية إطلاق القمر الصناعي عن طريق استخدام الصاروخ البالستي من قبل الحرس الثوري الإيراني إلى استعادة المبادرة من المؤسسات المدنية الرسمية في إيران. ومن المرجح أن يستمر هذا الصراع ليكون سمة بارزة في السياسة الإيرانية في وقت تعمل فيه البلاد على إعادة البناء بعد تفشى فيروس كورونا. ومع ذلك، لن ينتهي الصراع قريبا، وقد يكتسب المزيد من الزخم إذا مات المرشد الأعلى القوي. يمثل تعيين الكاظمي كرئيس للوزراء في العراق خسارة أخرى للحرس الثوري الإيراني حيث تعتبره تلك المؤسسة من المقربين للولايات المتحدة والآن بعد أن قامت إيران بتغيير الوضع الراهن بشكل كبير، فإن الأمر متروك للولايات المتحدة لتحدد الخطوة التالية، حيث أن طريقة استجابة الولايات المتحدة لإطلاق القمر الصناعي هي من ستحدد اتجاه هذا الفصل الجديد في التوترات بين البلدين. ونظرا لأن هذا التهديد الجديد قد يكون موضوعا للتقييم الشامل من قبل حكومة الولايات المتحدة، يحب أن يكون هناك إجماع أميركي داخلي على أن إطلاق الصاروخ يمثل خطرا واضحا وقائما على أمن الولايات المتحدة، ويجب على الإدارة الأميركية أيضا أن تنسق استجابتها لهذا التهديد الخطير مع حلفائها الغربيين وعدم التصرف بطريقة أحادية.  ففي حين أن الولايات المتحدة وحلفائها لم يتفقوا بالضرورة على نهج بعينه تجاه إيران في الماضي، يجب أن تمثل الإجراءات التي اتخذتها إيران مؤخرا علامة واضحة على وجود تهديد خطير قيد التطور. كما يتطلب الوضع القيام بفتح قنوات اتصال مع دولة إيران مع الاستمرار في الضغط على الحرس الثوري الإيراني. ويمكن أن يمثل دعم القوى المعتدلة داخل دولة إيران البديل الحكيم للمواجهة الحالية مع النظام. مهما يكن الجواب فإن قواعد لعبة المواجهة الأميركية الإيرانية قد تغيرت، ومثلما سيكون عالم ما بعد كورونا مختلف عن عالم ما بعد كورونا فإن معطيات العلاقة الأميركية الإيرانية بعد إطلاق القمر نور ستختلف عن معطيات ما قبل هذا الإطلاق، ومن ثم، يجب فهم هذا الاختلاف والاعتراف به.

مشاركة :