السويداء ـ سوريا 4 مايو 2020 (شينخوا) لم يمنعها العمر والظروف الصعبة التي عاشتها السيدة علا الطاهر (35 عاما) من متابعة تحصيلها العلمي، وتحقيق حلمها بالدخول إلى الجامعة بعد انقطاع دام أكثر من 20 عاما تقريبا، بالرغم من التحديات التي واجهتها تلك العائلة طيلة السنوات الماضية. السيدة علا التي تكنى بـ(أم مالك) تتحدث بكل فخر وإصرار عن معاناتها قبل حصولها على الشهادة الإعدادية، والتي درستها مع ابنها مالك في العام 2018، متحدية كل الظروف والصعوبات التي واجهتها لتثبت ذاتها كامرأة فاعلة في المجتمع. وروت أم مالك قصة حياتها، والتي تستذكرها كشريط سينمائي، لوكالة أنباء (شينخوا) بحلوها ومرها، وتؤكد أن الظروف الصعبة التي مرت بها صنعت منها امرأة قوية وطموحة في نفس الوقت. وتجلس علا حاليا في منزلها مع عائلتها، بسبب الحجر الصحي الذي فرضته الحكومة السورية لمنع انتشار مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي يجتاح العالم بأسره، وتستغل هذا الحجر الصحي للاستعداد لامتحان الجامعة، وتقرأ بكل جد واجتهاد لكي تنجح وتنتقل إلى السنة الثانية، إضافة لقيامها بواجباتها تجاه أسرتها. وقالت أم مالك التي تعيش في شقة مستأجرة في مدينة السويداء (جنوب سوريا) إنها متزوجة منذ 20 عاما تقريبا، ولديها طفلين ولد وبنت، وتعيش مع زوجها سامر مسعود الذي تعرض لحادث دراجة نارية قبل نحو 4 سنوات، وبات عاجزا عن العمل، وتقوم حاليا بجهد مضاعف لتأمين احتياجات البيت ومتطلبات الأولاد في هذه الظروف الحرجة التي تمر على سوريا. وتابعت "لم أتمكن من التحصيل العلمي بسبب عدم تشجيع الأهل لي، فتزوجت بعمر 17 عاما وأنجبت أطفالي وعشنا ظروفا صعبة جدا ما أضطرني لترك أولادي في المنزل والبحث عن عمل لتأمين لقمة العيش وتعرضت وقتها لضغوطات اجتماعية ونفسية ومادية كبيرة، لكنها لم تمعني من مواصلة العمل لتحقيق حلمي". وبينت أنها نزحت مع عائلتها في العام 2014 من إحدى القرى بريف السويداء الغربي بسبب ظروف الحرب وقربها من ريف درعا والاعتداءات المتكررة على قريتها من قبل المسلحين، مشيرة إلى أن ظروف الحياة باتت أصعب بعد تعرض زوجها لحادث وازدادت الأعباء عليها. وبينت علا تلك المرأة العصامية، أنها أثناء جلوس زوجها في المنزل بسبب الحادث المرير، كانت تعمل في الصباح في عيادة أحد الأطباء، وفي المساء بمكتب أحد المحامين كسكرتيرة، مشيرة إلى أن وقت العمل كان طويلا، وكان ذلك على حساب أولادها وبيتها ودراستها. وقالت "كنت أرى أولادي ساعتين فقط بالنهار، أطبخ لهم، وبعدها أذهب للعمل، وأبقى لوقت متأخر ليلا". وأشارت إلى أنها تعرضت لانتقادات كبيرة من قبل أقربائها لتركها الأولاد بالمنزل وهم صغار، والذهاب للعمل، مؤكدة أنها استمرت بالعمل بغية تأمين ما يلزم للبيت. وقالت إن "وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالقرب من قريتي زاد من الضغوط النفسية علي، خاصة وأثناء غيابي عن منزلي وأولادي في العمل، وتعرضي للخطر في الطريق أثناء الذهاب والعودة" . وأضافت أم مالك، وصوتها بدأ يعلو، إن "تلك المعاناة الكبيرة والمتكررة دفعتني للعودة للدراسة من جديد بعد انقطاع طويل دام لأكثر من 20 عاما، فتقدمت للشهادة الإعدادية، وذهبت للدراسة مع ابني مالك بكثير من الجد والإصرار لتحقق الحلم، ونجحت بالرغم من الظروف الصعبة التي كنا نمر بها، وبعدها حصلت على الشهادة الثانوية وكان كل ذلك مثل الحلم". وعبرت عن سعادتها الغامرة عندما أخبروها بنجاحها بالشهادة الإعدادية، مضيفة "لشدة فرحي غبت عن الوعي وسقط هاتفي المحمول من يدي". وقالت "كان شعورا جميلا جدا، وكان محفزا لي لمتابعة التعليم والحصول على الشهادة الثانوية وبدأت الدراسة مجددا مع متابعة العمل صباحا ومساء بغية تحسين وضعنا المادي". وأضافت "قررت أن أحدث تغيرا في حياتي من سيدة متزوجة غير فاعلة إلى امرأة متعلمة لها دور فعال في المجتمع ولم يكن أمامي سوى طريق العلم هو الذي يحقق طموحاتي وذاتي". وروت بكثير من الحب حصولها على ما كانت تطمح له "كان حلم حياتي أن أحمل كتابا جامعيا بين يدي، وأجلس في قاعة المحاضرات، كنت أشعر بالحزن عندما أسمع الطالبات وهن يتحدثن عن المحاضرات والدوام في الجامعة، وأنا غارقة بالعمل والهموم". وتابعت علا "الآن وقد تحقق الحلم، وحملت الكتاب الجامعي وذهبت إلى قاعة المحاضرات بالجامعة واستمتعت كثيرا وأنا استمع للمحاضرين في علوم التاريخ، وسط استغراب الطلبة لكوني سيدة متزوجة وأكبرهم بالسن وصرت محط أعجاب من الأستاذة والطلاب". وأشارت علا إلى أن طموحها بدأ يكبر شيئا فشيئا، مضيفة أنها بدأت تفكر بالتحصيل العلمي العالي، وأن تصبح محاضرة بالجامعة، وقالت "لو بصير عمري 50 عاما لن أتوقف عن التحصيل العلمي". وعلا تتقن أيضا الرسم فتقوم برسم وجوه الفتيات بتقنية الفحم في أوقات الفراغ، مؤكدة أن هذه الهواية كانت معها منذ الصغر، وتحاول الآن أن تنميها. ولعب أبو مالك زوجها دورا إيجابيا في تحقيق حلم زوجته بالوصول إلى الجامعة، وكان الداعم الكبير لها أثناء دراستها. وقال سامر مسعود (أبو مالك) 45 عاما، إن "علا إنسانة طموحة، وهذا الشيء دفعني لكي أشجعها على مواصلة تعليمها"، مبينا أن زوجته كانت تعمل لساعات طويلة، وتسهر في الليل لكي تدرس. وأضاف "لكل مجتهد نصيب، وعلا مجتهدة وحققت هدفها وحلمها"، متمنيا لها كل السعادة وتحقيق ما تصبو اليه، مؤكدا أنه يشجع كل امرأة ورجل لديه طموح أن يحذو حذو زوجته ويحقق حلمه مهما كان.
مشاركة :