في الذكرى الـ 75 للنصر في الحرب الوطنية العظمى

  • 5/6/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في التاسع من مايو 2020 يحتفل الشعب الروسي بالذكرى الـ75 للنصر في الحرب الوطنية العظمى (1941-1945)، بالنسبة لمواطني روسيا هذا العيد له مدلول خاص ودراماتيكي ذو طابع مقدس، هذا العيد يذكرنا بأحاسيس صعبة تملأ قلوبنا ممزوجة بالفرح والحزن والشجون بالألم والكرامة وبالحنان.تاريخ بلادنا غني وزاخر بالأحداث الكبرى والإنجازات للشعب التي تؤكد رصيده الغني في تطوير الحضارة العالمية، إلا أن الانتصار على الفاشية يحتل مكانة خاصة في تاريخ روسيا حيث إنه قبل هذه الحرب لم تواجه البشرية تحديا بهذا الحجم والمستوى الذي اخذ طابعا قاريا.في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي أعلنت الفاشية شمولية الأفكار العنصرية والقومية المتطرفة وأخضعت ألمانيا وإيطاليا ثم اندفعت للسيطرة على أوروبا والمعمورة كلها وشنّت الحرب العالمية الثانية التي في فرنها احترق ملايين من البشر الأبرياء وشعوب بأكملها. الآيديولوجيا والممارسة الفاشية القائمة على العنف الشامل والقسوة والاستخفاف المطلق بالحياة الإنسانية وضع مصير الحضارة المعاصرة تحت التهديد مما قد يؤدي إلى انهيار البيئة الإنسانية لوجود البشرية وعودتها إلى عهد البربرية وسيطرة قوانين العالم المتوحش.على مدار الحرب العالمية الثانية التي جرّت أكثر من 70 دولة تمثل 80% من سكان المعمورة تقريبا، وغطت مساحات الأعمال الحربية ثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وإفريقيا، ولكن الحدث الأهم الذي غير مجرى الحرب حدث على أراضي الاتحاد السوفيتي الذي تعرض في يونيو من عام 1941 لضربات موجعة من قبل الآلة العسكرية لألمانيا النازية. وبالنسبة للشعب السوفيتي أصبحت الحرب ضد الفاشية حربا من أجل الحرية واستقلال البلاد.لقد اخترقت أراضينا أعداد كثر من الجيوش وتكنولوجيا المعارك التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية، إلا أن سير المعارك العنيفة في ضواحي موسكو والدفاع البطولي عن مدينة لينيغراد المحاصرة ومعركة ضواحي ستالينغراد وقوس كورسك والدنيبر قصمت ظهر الجيش الألماني الذي تلقى هزائم أدت إلى انهيار نهائي للنازية وكانت المرحلة النهائية لهذه الحرب تحرير الجيش الأحمر لدول أوروبا الشرقية من الفاشية وسحق الجيش النازي نهائيا في ضواحي برلين.نحن لم نسع أبدا لاحتكار النصر في الحرب العالمية الثانية الذي دفع ثمنه بدماء 70 مليون شخص تقريبا في أنحاء المعمورة، فنحن دائما نتذكر بكل التقدير المساعدات التي قدمها لنا الحلفاء مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وفرنسا، والدول الأخرى المعادية للحلف الهتلري ونخصص يوما لبطولة الألمان والإيطاليين المعادين للفاشية وكل الأوروبيين المناهضين للنازية.ومع هذا نتذكر وسوف نتذكر الثمن الباهظ الذي دفعته شعوب الاتحاد السوفيتي ثمنا للنصر في هذه الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية، فالمجموع الكلي للخسائر البشرية لبلادنا أكثر من 26 مليون قتيل يمثلون 13% من مجموع سكان الاتحاد السوفيتي ما قبل الحرب، منهم 9 ملايين قتلوا خلال العمليات العسكرية أو سقطوا على جبهات القتال أو في معسكرات الاعتقال الألمانية، ملايين من السكان المدنيين قتلوا في مناطق الأعمال العسكرية أو في المدن المحاصرة، أكثر من 7 ملايين كانوا مطاردين على الأراضي المحتلة وأكثر من مليوني شخص قتلوا في الأسر بألمانيا وأكثر من مليون مواطن سوفيتي قتلوا على جبهات تحرير دول أوروبا الشرقية من النازية.الخسائر المادية التي سببتها الحرب لبلادنا حددت بحوالي 30% من ثرواتنا الوطنية ودمار شامل للمناطق الغربية للاتحاد السوفيتي حيث دمرت أكثر من 1700 مدينة ومنطقة سكنية كبرى بالكامل وأكثر من 70 ألف قرية وتدمير 6 ملايين مبنى وتقريبا كل المصانع والمعامل والمستشفيات والمدارس والمؤسسات التعليمية و65 ألف كيلومتر من طريق السكك الحديدية، سرقوا المتاحف ونهبوا المكتبات. وأصابت المصائب كل منزل وكل أسرة وكل عائلة. اليوم لا يمكن أن نتصور كيف سيكون العالم في أيامنا لو أن شعوب العالم لم تتمكن بجهودها المشتركة من سحق الفاشية التي أصبحت «طاعون القرن العشرين».في كل عام ونحن نحتفل بالذكرى السنوية للتاسع من مايو 1945، وهو يوم استسلام ألمانيا الفاشية، نجدد امتنانا وتقديرنا اللا محدودين لأبنائنا وأجدادنا الذين بفضل عزيمتهم وقوتهم تم تدمير وسحق هذه القوة الغاشمة ونحني رؤوسنا أمام الذكرى النيرة للجميع الذين لم يعودوا من الحرب لكن تضحياتهم أعطتنا الحرية.. الحرية في العيش والاستمتاع بالحياة والعمل والكد والإبداع والمحبة وتفهم بعضنا البعض والاستماع إلى بعضنا البعض وبالجهود المشتركة نبني المستقبل والسلام العالمي لجميع شعوب المعمورة.ومن الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية ونتائجها إدراك حقيقة غير قابلة للنقاش وهي أن تحديد مصير العالم في المرحلة المعاصرة لتطور البشرية هي مسؤولية مشتركة ذات طابع عام لا يتجزأ، اليوم كل الشعوب تتحمل المسؤولية أمام جيل المستقبل للمحافظة على النظام الدولي وتعزيزه على أساس المبادئ والقيم التي وضعها ورثة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية والتي من أهمها فكر الحرية والديمقراطية والمساواة بين الشعوب والدول وحق كل دولة في اختيار عقيدتها الوطنية وخيار تطورها المستقل والثقة المتبادلة والبحث المشترك للآفاق المستقبلية للبشرية جمعاء.هذه القيم التي تشكل الهيكل الأخلاقي والسياسي للنظام العالمي المعاصر مثبّتة في ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تشكلت كأحد النتائج المهمة للحرب العالمية الثانية، وفي تأسيس هذه المنظمة الدولية الشاملة دعوة لتوحيد جهود البشرية لضمان السلم والأمن الدوليين والتصدي للتهديدات الدولية وتتضمن جوابا نهائيا وأساسيا لكل الشعوب المحبة للسلام وهو رفض آيديولوجية الفاشية وأي نظرية معادية للبشرية أو للعقيدة.روسيا من جانبها مستعدة للتعاون البناء مع جميع الدول لما فيه مصلحة تعزيز ودعم السلام والأمن العالمي، ومستعدة أيضا لمواصلة وتوسيع الشراكة المتساوية مع الجميع وكل من له مصلحة في توفير الظروف الملائمة لضمان تطور مستقر للبشرية في جو خال من النزاعات.بالنسبة لمواطني روسيا عيد النصر هو في الحقيقة مقدس يحتفلون به في كل مكان وكل عائلة، واليوم وبغض النظر عن الإجراءات المتخذة في روسيا -حالها حال دول كثيرة في العالم للتصدي لوباء كورونا- منها قرارات اضطرارية عن تقييد الأنشطة الجماهيرية إلا أن مباهج الاحتفال بهذا العيد لم تتغير، كل عائلة تتذكر أقرباءها الذين قتلوا أو الذين حاربوا على جبهات هذه الحرب، وتشيد بما أبدوا من الإحساس بالوطنية والاستعداد لنكران الذات ليكونوا فداء للوطن، هذه الذكرى تساعدنا اليوم على استخلاص الدروس المهمة والعبر من تاريخ الماضي ونتعلم من جيل أسلافنا أن السلام لا يقدر بثمن وأنه من المهم عمل كل ما يمكن للمحافظة عليه وتعزيزه.أما بالنسبة لتنظيم الاحتفالات الجماهيرية بمناسبة اليوبيل الماسي ليوم النصر بما فيها العرض العسكري في الساحة الحمراء بموسكو فإنها ستقام لاحقا بمجرد استقرار الوضع الوبائي بشكل نهائي، وعلى يقين تام بأنها ستكون في مستوى الإعداد لهذا العيد الذي له بعد وطني وطابع شعبي. ‭{‬ سفير روسيا الاتحادية لدى مملكة البحرين

مشاركة :