5 مايو 2020 / شبكة الصين / مع نسائم الربيع، بدأ الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي الحالي في الصين بنمط جديد من التعليم. فبسبب فيروس كورونا الجديد، تأخر استئناف الدراسة في الجامعات والمدارس الصينية بعد عطلة عيد الربيع، بيد أن الصينيين ابتكروا أساليب جديدة متنوعة لتقصير المسافة بين المعلم والطالب، من خلال التدريس عبر شبكة الإنترنت. فصول دراسية في المنزل في نهاية شهر يناير 2020، أعلنت وزارة التعليم الصينية قرارها بتأجيل استئناف الدراسة بعد عطلة عيد الربيع، لكافة المراحل التعليمية؛ بما فيها رياض الأطفال والمدارس والجامعات والدورات التدريبية المتنوعة. كما دعت الوزارة التلاميذ والطلبة إلى التزام منازلهم وإلغاء كافة النشاطات الجماعية، للوقاية من فيروس كورونا الجديد. ومن أجل مساعدة الطلبة في إكمال التعلم، أطلقت الصين برنامج التعليم السحابي عبر منصة "ykt.eduyun.cn" على المستوى الوطني، التي تتضمن المواد الدراسية والمحاضرات المميزة للمراحل الدراسية الابتدائية والإعدادية والثانوية. تُقَدم هذه المحاضرات حسب مناهج التدريس الأسبوعية، ويمكن للمدارس والمعلمين استخدام هذه الموارد الدراسية مجانا. وبالنسبة للتلاميذ الذين ليست لديهم القدرة على الوصول إلى شبكة الإنترنت، أو أن سرعة الإنترنت لديهم غير كافية لتلقي الدروس، يمكنهم متابعة دروسهم على القناة التعليمية التلفزيونية الوطنية، التي تقدم سلسلة من برامج التدريس بشكل دوري. لقد أعلنت وزارة التعليم أن "التعلم لن يتوقف واستمرار التعليم مع تأجيل الفصل الدراسي". إن استخدام التدريس عبر الإنترنت على نطاق واسع يمثل اختبارا وقياسا لقدرة نظام التعليم الصيني على التعاطي مع الوضع الصحي في البلاد. ومن أجل مراعاة الصحة البدنية والنفسية للطلاب، أكدت الوزارة على أهمية ترتيب الدروس على الإنترنت بشكل مناسب، من خلال التحكم في وقت وحجم الدروس المقدمة. وبالإضافة إلى استخدام الموارد المقدمة من الهيئات العامة، يمكن للمعلمين استخدام تطبيقات ووسائل متنوعة بالبث الحي على شبكة الإنترنت. وفي هذه الفترة الاستثنائية الخاصة، صار كثير من المعلمين "نجوم" البث الحي على الإنترنت، ولديهم عدد هائل من المتابعين. شبكة الإنترنت تربط بين المعلمين والطلبة عبر الحدود تشتهر جامعة بكين للغات والثقافة بإعداد الأكفاء ذوي القدرة اللغوية العالية، ويدرس فيها طلبة وافدون من أنحاء العالم. هذه الجامعة التي تعتبر "الأمم المتحدة المصغرة"، أجلت الفصل الدراسي الجديد منذ نهاية فبراير 2020، حفاظا على صحة الطلبة والمعلمين. وفي الثالث والعشرين من فبراير، قام رئيس الجامعة ني هاي دونغ ومدير الجامعة ليو لي بإلقاء "المحاضرة الأولى على الإنترنت" من خلال منصة الجامعة للتدريس عبر الإنترنت، حيث أكدا فيها أن الأولوية هي مواجهة الوباء بكل عزم وجدية، وحثا الطلبة والمعلمين على الاستفادة من هذه الفترة للارتقاء بقدراتهم في الدراسة والتعلم. كما أعرب رئيس الجامعة عن تهنئته للطلبة والمعلمين وتطلعه لتحمل الطلبة مسؤولية العصر والوعي بروح التضحية. منذ المحاضرة الأولى، يجري تنظيم محاضرات الجامعة وفقا لجداول الفصل الدراسي ذاتها، كما في الأوقات العادية. لا يتابع الطالب مقاطع الفيديو التعليمية على الإنترنت فحسب، وإنما أيضا يمكنه التفاعل مثل طرح الأسئلة والإجابة عليها مع المعلمين الصينيين والأجانب. تعمل الأستاذة فريال في كلية اللغة العربية بجامعة بكين للغات والثقافة. عادت الأستاذة فريال إلى موطنها في الجزائر خلال العطلة الشتوية، ولم ترجع إلى الصين بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد. وبفضل التدريس عبر الإنترنت، تلقي الأستاذة فريال محاضراتها على طلابها في الصين. ترى السيدة فريال أن التدريس عبر الإنترنت أسلوب بديل للنمط التقليدي (التواصل المباشر مع الطلبة)، برغم أن النمط التقليدي أفضل، فالاحتكاك مع الطلبة يجعل عملية التدريس تتعدى التزويد الآلي للطلبة بالمعلومات إلى الارتقاء بعلاقات إنسانية تجمع بين المعلم والطالب يمكن أن تساهم في إثراء عملية التحصيل العلمي. ولكن، بسبب الظروف الصحية التي يعيشها العالم، فإن نمط التدريس الجديد الذي لجأت إليه الجامعات الصينية يعتبر الحل الذكي والأمثل لتفادي أي تأثير سلبي على سيرورة التدريس. والصين، بحكم تفوقها التكنولوجي، يمكنها وبسهولة التحكم في هذا النمط دون أي عناء، كما أن الطلبة الصينيين متعودون على هذا النوع من التواصل ويجيدونه بشكل ممتاز، بفضل وجود شبكة الإنترنت ذات التدفق العالي، حتى في المناطق النائية والمنعزلة. تستخدم الأستاذة فريال تطبيق ويتشات الصيني في التبادلات العادية، أما فيما يخص المحاضرات عبر الفيديو، فإن منصتي "Ding Talk" و"Tencent Meeting" هما الأكثر استعمالا. قالت: "بطبيعة الحال، من السهل التعامل بهذه الطريقة حيث يجيد الطلبة الصينيون استخدام التكنولوجيا الرقمية. ومن وجهة نظري، فإن عدم انقطاع التواصل مع الطلبة واستمراره رغم هذه الظروف التي يعيشها العالم، يزيد من عزيمة الطلبة والمعلمين ويوطد علاقاتهم أكثر، وخاصة عندما لا يقتصر تواصل المعلمين مع الطلبة في الدروس، وإنما يتعدى ذلك إلى التشجيع لبعضهم البعض وتبادل الأخبار والمعلومات في مجالات أخرى، مما يجعلهم لا يشعرون بالوحدة وأن هناك من يقلق عليهم ويتقصى أخبارهم." القطاع المتطور للتدريس عن بُعد استخدام تطبيقات الإنترنت للبث الحي أمر شائع في المدارس والجامعات الصينية. وبالإضافة إلى التطبيقات التي أشرنا إليها أعلاه، ثمة تطبيقات كثيرة ذات وظائف مشابهة على الهواتف الذكية، مثل "zuoyebang"، "yuanfudao" و"Zoom"، وغيرها. تتميز هذه التطبيقات بأدائها الرائع في إجراء الأعمال المشتركة وتنسيق جداول الأعمال في آن واحد. لذا، يمكن للمعلمين توصيل معرفتهم وشروحهم إلى الطلبة، بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينهم. شهد قطاع التعليم عبر الإنترنت في الصين تطورا سريعا قبل انتشار الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد(كوفيد- 19)، لأن الطلبة يبحثون عن خيار بديل للدورات التدريبية المدرسية للاستفادة من إمكانيات الإنترنت. وبالإضافة إلى الطلبة في المدارس والجامعات، يبحث كثير من الصينيين عن المعرفة والمهارات في وقت الفراغ، مثل تعلم اللغات الأجنبية أو الرسم أو عزف آلات الموسيقى، حتى بعض المعلومات التي تبدو بعيدة عن أعمالهم اليومية مثل علم الحشرات أو برمجة الكمبيوتر. وهناك منصات إلكترونية تعليمية مفتوحة للجميع، مثل الدورات التعليمية عبر الإنترنت "МООС" للجامعات الصينية، كما أن هناك هيئات تدريسية خاصة، مثل "yuanfudao" التي يتابعها أكثر من أربعين مليون مستخدم، وتتجاوز قيمتها المالية ثلاثة مليارات دولار أمريكي في الوقت الحالي. حسب بيانات من شركة آمي (iiMedia Research)، سوف يصل حجم سوق التدريس عبر الإنترنت في الصين إلى ٨ر٤٥٣ مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي ٩ر٦ يوانات حاليا) خلال عام ٢٠٢٠. وحسب هذه الشركة، سيلعب هذا النمط الجديد للتدريس دورا هاما في تجديد الصناعات التقليدية مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبرى، وسيشهد تطورا أسرع مع بناء شبكة الجيل الخامس. هذه التوقعات تتفق مع ((التعليمات الإرشادية بشأن تشجيع التطور السليم للتدريس على الإنترنت))، التي أصدرتها وزارة التعليم الصينية في سبتمبر عام ٢٠١٩، وتتضمن رفع مستوى البنية التحتية للتعليم عبر الإنترنت وتحقيق استخدام أوسع للإنترنت والبيانات الكبرى والذكاء الاصطناعي في مجال التعليم، وتوفير مزيد من الموارد التعليمية. ومنذ بداية عام ٢٠٢٠، تم تحقيق الاندماج العميق بين تكنولوجيا المعلومات الحديثة والتعليم. كما أن هناك أهدافا محددة، مثل توفير خدمة الإنترنت في كافة المدارس الصينية بحلول عام ٢٠٢٢. اتخذت الصين قرار تأجيل الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي الحالي في مدارسها وجامعاتها، وتتحمل خسائر ضخمة من أجل ضمان سلامة وصحة أبنائها. وبفضل التدريس عبر الإنترنت، تتنوع أساليب التدريس في الفصول الصينية، ويظهر الصينيون الذكاءَ والمرونة في هذه الفترة الصعبة، والجرأة والعزم في التقدم والدراسة وقهر الصعوبات. وتؤكد الصين مسؤوليتها، كدولة كبيرة، في منع انتشار الفيروس على نطاق العالم، ذلك أن العالم كله يعيش في رابطة المصير المشترك للبشرية. الدروس لا تتوقف، وروح الدراسة والتطور لن تتوقف.
مشاركة :