فيروس كورونا: كيف نستفيد من دروس الحرب العالمية الثانية في مواجهة كوفيد-19؟

  • 5/6/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مصدر الصورةGetty Images في يناير/كانون الثاني 1941، وخلال إحدى أكثر فترات الحرب العالمية الثانية قتامة، ألقى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ونستون تشرشل، خطابا ذا طابع كئيب متجهم أمام مجلس العموم، قال فيه إن "إمبراطوريتنا، بل والعالم الناطق بالإنجليزية بأسره، يمران الآن بوادٍ مهلك وحالك الظلمة. لكنني سأكون قد أخفقت في أداء واجبي، إن لم أقل لكم إننا الآن أمة عظيمة تمضي بخطى واسعة وراسخة على طريق هذه الحرب". وفي الوقت الراهن نشهد الكثير من المقارنات بين الحرب العالمية الثانية ووباء كورونا الذي نواجهه حاليا. فحاكم ولاية نيويورك الأمريكية أندرو كومو – الذي يُشبهه البعض برؤساء الولايات المتحدة في أوقات الحروب – يُفعم مؤتمراته الصحفية اليومية للحديث عن أزمة الوباء، بمفردات ذات طابع حربي، إذ يصف ذروة منحنى الإصابة بالمرض بـ "المعركة التالية التي تنتظرنا على قمة الجبل"، ويعتبر أن "أجهزة التنفس الصناعي تشكل بالنسبة لهذه الحرب، ما كانت تمثله القنابل خلال الحرب العالمية الثانية". أما القادة الأوروبيون، فيستخدمون مصطلح "يوم الإنزال" - الذي يشير إلى اليوم الذي نزلت فيه قوات الحلفاء على شواطئ نورماندي الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، ما مهد بعد ذلك الطريق لتحقيقها النصر - وذلك للحديث عن مرحلة يعتبرون أنها آتية بشكل حتمي، سيفوق فيها حجم الوباء ونطاقه قدرات القطاع الصحي. كما تتضمن تصريحاتهم إشارات إلى "حرب" تُخاض ضد عدو خفي. وفي سياق الحديث عن أزمة كورونا أيضا، يُوصف عناصر الرعاية الصحية بأنهم يقفون على الخطوط الأمامية للمعركة، ويُعتبر العلماء بمثابة "الجنرالات الجدد"، فيما يُقال إن خبراء الاقتصاد يعكفون على وضع "خطط للمعركة"، ويُشار إلى أن السياسيين يدعون إلى "تعبئة" الموارد والجهود. ولعلنا لا ننسى كذلك أن الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، حثت مواطنيها قبل بضعة أسابيع على "التحلي بالانضباط والعزيمة نفسيهما اللتين أبداهما المواطنون البريطانيون خلال الحرب العالمية الثانية". وقالت في كلمة متلفزة نادرة إن مخاطبتها للبريطانيين في هذه الأزمة تُذكِّرها بأول بث إذاعي وجهته لمواطنيها عام 1940 في غمار الحرب. ورغم وجود العديد من أوجه الاختلاف الجوهرية بين الحرب الفعلية وأزمة كورونا، فإن الأزمة الحالية تتطلب على ما يبدو اتخاذ الإجراءات والتدابير نفسها التي يتم اللجوء إليها في أوقات الطوارئ. فقد تُجبر المعركة التي يخوضها العالم ضد فيروس كورونا الآن، دولا عظمى على العودة لتبني التدابير التي تطبقها عادة في أزمنة الحروب، بدءا من تعزيز الإنتاج الصناعي، مرورا بالإسراع بإعادة توزيع الموارد وزيادة إشراف الحكومات ووضع خطط التحفيز، وصولا إلى إمكانية التقنين المحتمل لتوزيع السلع الأساسية. ويحدونا ذلك للتساؤل عما إذا كانت هناك دروس يمكن أن نستخلصها، مما شهدته سنوات الحرب العالمية الثانية، من هيمنة مشاعر القلق الجماعي، وتطبيق تدابير طارئة وإطلاق دعوات للتماسك الوطني وحدوث تغييرات دراماتيكية في المجتمع؟ وما هو تعريف "التضحية المشتركة" التي يجري الحديث عنها في ظل الأزمة الحالية؟ وكيف سيشكل ما يجري في الوقت الراهن مستقبلنا؟ بداية يتعين القول إنه لا يزال من غير الواضح مدى التماثل بين الحالة النفسية لمواطني الدول التي تخوض حروبا، وما نشعر به حاليا إزاء وباء كورونا، خاصة أن ما نعرفه بشأن الوباء لا يزال غامضا بدوره ويتطور بسرعة، تماما مثل مسار تفشي الفيروس نفسه. في الوقت ذاته، قد يؤدي عقد الساسة أو الصحفيين مقارنات - تبدو في الظاهر منطقية ومقنعة - بين الوباء والمعارك الحربية، إلى بلورتهم افتراضات خطيرة في هذا الصدد، خاصة إن كانت هذه المقارنات تتعلق بمسائل مثل "اللجوء إلى حلول ذات طابع عسكري" أو إمكانية حدوث "عنف منظم" جراء الأزمة. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption غالبا ما تُستحضر روح رئيس الوزراء البريطاني في زمن الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل من جانب من يطالبون بتبني تدابير طارئة لمواجهة وباء كورونا وفي هذا الشأن، يقول مارك آر. ويلسون، أستاذ التاريخ في جامعة نورث كارولينا: "لن يؤدي إقدامنا على `شن حرب` ضد وباء كورونا، إلى حل المشكلات الجوهرية التي يعاني منها قطاع الرعاية الصحية، على سبيل المثال. إذ أن تفكيرنا في تعبئة الموارد على المدى القصير، مثلما يحدث في الحروب، يؤدي إلى تقييد مخيلتنا وقدرتنا على التفكير". ويعود ذلك إلى أنه لا يمكن من خلال "شن هجوم سريع" على فيروس كوفيد – 19، الوصول إلى حلول شافية لمشكلات عالمية خطيرة، مثل الفقر وعدم المساواة المجتمعية والشح في المعدات والتجهيزات والتفاوت في مستوى الرعاية الصحية بين دول العالم وبعضها البعض، حتى وإن كان استخدام مصطلح "المعركة ضد الفيروس"، يتسم بطابع مجازي في هذه الحالة. لكن ويلسون يشير إلى أن بوسعنا، بل ويتوجب علينا كذلك، السعي للاستفادة مما شهده الماضي من تجارب، بالرغم من عدم وجود نمط ثابت لما يحدث عادة خلال أي أزمة أو بعدها. ومن بين أوجه الشبه بين ما تشهده أزمة وباء كورونا وما دار خلال الحرب العالمية الثانية، الإقدام على تغيير طبيعة الإنتاج الصناعي، لمواكبة الاحتياجات المتغيرة المترتبة على هاتين الأزمتين. ففي فترة الحرب، أدت الحاجة الماسة للإسراع بالحصول على مزيد من السفن والدبابات والمقاتلات إلى "تعبئة" كل الموارد الاقتصادية لخدمة ذلك الغرض. ففي الولايات المتحدة وبريطانيا – تحديدا – أمرت السلطات المصانع التي كانت تتولى إنتاج السلع والمنتجات المدنية، بتصنيع معدات عسكرية. وفي هذا الإطار، تحولت شركات السيارات إلى تصنيع شاحنات عسكرية، وانخرطت شركات الساعات والعاملون في مجال السباكة في تصميم وإنتاج خراطيش الذخيرة، بل وتم الاستفادة من الجوارب الحريرية لتصنيع مظلات القفز من الطائرات. أمر مماثل شهدناه على مدار الأسابيع الماضية، بعدما غيرت المصانع في مختلف أنحاء العالم، طبيعة إنتاجها في محاولة لمواجهة تفشي الوباء. فخلال نحو 72 ساعة لا أكثر، بدأت شركة "لوي فيتون" للأزياء والإكسسوارات الفاخرة، في إنتاج مُعقمات للأيدي من الكحول، الذي تستخدمه عادة في تقطير عطورها، ومن ثم توزيع هذه المنتجات على المستشفيات في جميع أنحاء فرنسا. أما شركة "جنرال موتورز" الأمريكية للسيارات، التي سبق لها أن صنّعت الدبابات بأعداد كبيرة خلال الحرب العالمية الثانية، فقد بدأت هذه المرة في إنتاج آلاف من أجهزة التنفس الصناعي. ولم يختلف الحال في المملكة المتحدة، إذ حوّلت شركات الأزياء التي تتعامل مع تجار التجزئة، اهتمامها من صناعة الموضة، إلى إنتاج أقنعة جراحية واقية من نوع (N-95). في الوقت نفسه، بدأت شركات الطيران في شتى أنحاء العالم، في تسيير رحلات لإعادة المواطنين العالقين، ونقل عناصر فرق الرعاية الصحية والمستلزمات الطبية، إلى المناطق الأكثر تضررا من الوباء. بجانب ذلك، تم استخدام سفن مخصصة لتقديم الرعاية الطبية مثل "يو إس إن إس كومفورت" التي صُمِمَت لعلاج ضحايا الحرب، لمد يد العون للمستشفيات التقليدية، المثقلة بأعباء التعامل مع المصابين بفيروس كورونا.الأعراض: فيروس كورونا: ما أعراضه وكيف تقي نفسك منه؟احتمالات الوفاة: فيروس كورونا: ما هي احتمالات الموت جراء الإصابة؟من الأكثر عرضة؟ فيروس كورونا: هل النساء والأطفال أقلّ عرضة للإصابة بالمرض؟كيف ينتشر؟ فيروس كورونا: كيف ينشر عدد قليل من الأشخاص الفيروسات؟ ولم تقتصر عملية إعادة توزيع الموارد هذه على السلع والخدمات فحسب، بل امتدت للعنصر البشري أيضا. إذ يتم الاستعانة الآن بخدمات جراحي الأعصاب وأطباء القلب وطلاب الطب للعمل في غرف الطوارئ وعنابر العناية المركزة. أما موظفو الاستقبال، الذين كانت مهمتهم لا تتجاوز عادة تحصيل الفواتير من المرضى أو ذويهم، فباتوا يُكلفون بالمساعدة في فحص المصابين بالفيروس، من أجل تعويض النقص الحاد في عدد العاملين المؤهلين للقيام بذلك. فضلا عن هذا وذاك، صارت الوجبات التي تُحضّرها المطاعم، تُخصص للممرضات المنهكات العاملات في أقسام الطوارئ. وأصبح الآباء والأمهات معلمين بدوام كامل لأبنائهم. وبلغ الأمر حد تدريب المسؤولين في الفنادق، على برتوكولات العمل في المستشفيات، بعدما فتحوا أبواب منشآتهم الفندقية، أمام العاملين في مجال الرعاية الصحية. وفي وقت تطلب فيه الأمر شهورا لتطبيق التدابير الرامية لزيادة الإنتاج الصناعي خلال الحرب العالمية الثانية، تبدو الصورة الآن مختلفة، إذ لا نملك رفاهية الانتظار لعدة شهور، بل إن كل ما لدينا أسابيع لا أكثر. وبينما تبدو جهودنا الحالية الرامية لمحاربة الوباء خليطا غير متجانس في أفضل الأحوال، ربما تشكل التعبئة غير المسبوقة التي حدثت في فترة الحرب العالمية الثانية - بما شهدته من ارتفاع هائل في حجم الإنتاج وقدرة على التحكم في الأرباح - نموذجا يمكن احتذاؤه خلال المرحلة التالية من تفشي فيروس كورونا. إذ قد يلجأ المسؤولون إلى محاكاة ما حدث خلال الحرب، من توفير التمويل اللازم لإقامة مصانع جديدة وتجهيزها بالآلات والمعدات اللازمة لها، ولكن كي تنتج هذه المرة أجهزة تنفس صناعي ومعدات حماية شخصية. فمن شأن إقامة منشآت جديدة مخصصة للتعامل مع وباء كورونا، بدلا من إجراء تعديلات على المرافق الموجودة من الأصل لاستخدامها لهذا الغرض، تمكين حكومات دول العالم من تعزيز قدراتها لمواجهة الوباء، وتقليص المخاطر المترتبة على ذلك، في ضوء أنه يمكن بمجرد الانتهاء من إنشاء المصانع الجديدة، الاستفادة منها للإسراع بتطوير لقاح ضد المرض، وكذلك لتحضير اختبارات الأجسام المضادة، الرامية للكشف عن المصابين به. في الوقت ذاته، بوسع السلطات في دول العالم المختلفة وضع قواعد خاصة بأولويات الرعاية الصحية في أوقات الأزمات، بما يسمح لها بتوفير العناية والعلاج لمرضى بعينهم، وتقنين توزيع المعدات الطبية، بل وحتى المواد الغذائية. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption حفزت الحرب العالمية الثانية على حدوث تغيرات مجتمعية هائلة، مثل تطوير نظام الرعاية الصحية الشامل في دول مثل بريطانيا ورغم أن التكاليف المالية لهذه التدابير ستكون هائلة على المدى القصير، فإن مردودها الإيجابي سيكون هائلا كذلك. وفي واقع الأمر، ثمة مؤشرات بدرت بالفعل، على نجاح التدخل السريع، الذي أقدمت عليه حكومات العالم، خلال الشهور القليلة التي أعقبت بدء تفشي الوباء. ففي الصين – مثلا – شيّد آلاف العمال مستشفى ميدانيا بناء على أوامر حكومية، ما يعني أن التعبئة سريعة الوتيرة من هذا القبيل، أتاحت الفرصة في غضون أيام قليلة لتوفير العلاج لآلاف المرضى. بالإضافة إلى ذلك، أسهم تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، في تقليص الجدول الزمني اللازم للتعامل مع وباء كورونا. ومثّل الالتزام بهذه التدابير، ضربا من ضروب التضحيات الفردية، التي تُذَّكِر بالضغوط التي تعرضت لها الجبهة الداخلية في الدول التي خاضت الحرب العالمية الثانية. من جهة أخرى، ربما سيكون من الصعب أن يتحمل أطراف المشهد السياسي والمالي الحالي في العالم، شعار "متساوون في التضحية"، ذاك الشعار الأيقوني الذي ظهر خلال الحرب العالمية الثانية، وتم تطبيقه عبر فرض ضرائب تصاعدية كبيرة، على سبيل المثال. لكن اللافت أن الأسابيع القليلة الماضية، شهدت إبداء الناس رغبتهم في الامتثال والانصياع للقواعد الرامية للحد من تفشي الوباء، إلى حد استعدادهم لتقديم تضحيات فردية وشخصية من أجل تحقيق الصالح العام في هذا الصدد. وتقول ماري إل. دودزياك، أستاذة القانون في جامعة إيموري الأمريكية، إن الناس يميلون لاستخدام المفردات المتعلقة بالحرب، في التشبيهات التي يلجؤون إليها وهم يتحدثون عن أزمة الوباء الحالية "بسبب الجوانب المتعلقة بالتعبئة وحشد الموارد، التي نشهدها في أوقات الحروب". لكن دودزياك تقول إن أي تفشٍ وبائي لا يمثل حربا بالمعنى المفهومـ فـ "الدولة التي تواجه حربا، تتعامل معها عبر قتل أشخاص آخرين. أي أن القتل يمثل وسيلة خوض الحرب. أما مواجهة الوباء، فلا تتطلب قتل الآخرين، وإنما السعي بدلا من ذلك للحفاظ على الأرواح". ومن هذا المنطلق، لم تعد الرغبة في الانصياع لأوامر الحكومات والاستعداد لتقديم تضحيات شخصية، يهدفان في الوضع الحالي إلى التدمير كما هو الحال في أوقات الحروب، وإنما يرميان الآن لتحقيق صالح أعم وأشمل بحق، يتمثل في حماية الحياة البشرية، وتمكين الدول من تبادل المساعدات بينها وبين بعضها بعضا لمواجهة الوباء. وإذا عدنا إلى مارك آر. ويلسون، سنجده يرى أن "أوقات الأزمات، يمكن أن توفر كذلك فرصا للإصلاح". فالحرب العالمية الثانية، جلبت معها إصلاحات في مجال الرعاية الطبية الشاملة، في دول مختلفة من العالم، وأدت كذلك إلى ظهور منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي. وقادت في الولايات المتحدة - على وجه الخصوص - إلى سن قانون يُعرف باسم "تشريع جي آي"؛ ينص على تقديم امتيازات مهمة لقدامى المحاربين. وبطبيعة الحال، لم تتسم كل الإصلاحات التي تمخضت عن الحرب العالمية الثانية، بأنها ذات نطاق واسع في تطبيقها، بما يجعلها تشمل أكثر من دولة. فبينما أسفرت هذه الحرب، عن استحداث نظام رعاية صحية شاملة في المملكة المتحدة، عبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية، كان النظام الذي أعقب الحرب في الولايات المتحدة أكثر محدودية، ولم يشمل كثيرا من الأمريكيين. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption سارعت بعض حكومات دول العالم خلال الحرب العالمية الثانية إلى الاستفادة من مصانع السيارات في تصنيع أسلحة ومعدات عسكرية، مثل المقاتلات التي كان يُصنعّها هذا المصنع في بريطانيا بالتبعية، يمكن أن تؤدي أزمة وباء كورونا إلى ظهور إصلاحات مماثلة. فقد يتم بلورة خطط لتعويض فئات محددة، مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية. وربما ستسفر عن ولادة اقتصاد أُعيدت هيكلته بالكامل، ما يؤدي لاستحداث نظم شاملة للرعاية الصحية، أو لتعزيز نطاق الأمان الوظيفي. وعلى أقل تقدير، بوسعنا توقع أن تتمخض الأزمة الراهنة، عن ظهور جيل جديد من القادة السياسيين والمفكرين. وفي ضوء أن العلماء والباحثين أصبحوا يقفون الآن على الجبهة الأمامية للمواجهة، لم يعد الجنرالات – كما يحدث عادة في زمن الحروب - هم من يتولون إطلاع الجمهور على مستجدات "المعركة الحالية"، بل تسلم الراية منهم خبراء الطب، الذين يقفون أمام الميكروفونات، لشرح أفكار معقدة مثل "منحنيات تفشي الوباء" و"التباعد الاجتماعي". ويعني ذلك أن المتخصصين في الرعاية الصحية، باتوا يمثلون حاليا جنرالات زمن الحرب الجديد الذي نعيشه الآن. وإذا عدنا بالذاكرة إلى عالم ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، سنجد أن الجانب الأكبر من أوروبا وآسيا، كان عبارة في ذلك الوقت عن أنقاض وحطام. أما حصيلة القتلى فكانت عصية على الاستيعاب، إذ لقي قرابة 60 مليون شخص حتفهم خلال المعارك. وفي الغالب، يُشار إلى عام 1945 باعتباره العام صفر، من باب أنه نقطة فاصلة بين ما قبل الدمار الذي حل خلال الحرب، وما بعده. وقد ضمنت التعبئة الواسعة التي شهدتها الولايات المتحدة وأوروبا خلال الحرب، توفير وظائف للعاطلين، وكفلت توزيعا أكثر عدالة للدخل، كما أدت إلى استحداث تقنيات وصناعات جديدة بالكامل، بما يرتبط بذلك من مهارات بشرية. وفي وقت سقطت فيه القيود الإيديولوجية القديمة بعد الحرب؛ بزغت أفكار جديدة مختلفة حول موضوعات مثل رأس المال وريادة الأعمال والروابط القائمة في المجتمع. وأكدت هذه الجهود الطموحة، على نحو استثنائي، أن بوسع الدول التعافي والخروج من الأزمة في نهاية المطاف. أما إذا أردنا استشراف الفترة التي ستعقب انتهاء أزمة الوباء الحالي، فيمكننا القول إنها ستختلف بشكل جذري عما كان قبلها. ورغم أن بمقدورنا، أن نعكف - ونحن ننعم بالراحة في منازلنا – على تصفح كتب التاريخ، لكي يتسنى لنا تخيل ما قد تشهده المرحلة المقبلة من تصرفات وأفعال نستفيد فيها مما حدث في الماضي من تجارب وخبرات، فإن علينا الإقرار في الوقت نفسه بأن ما نعلمه في هذا الشأن على وجه اليقين، هو أنه ليس هناك شيء موكد على الإطلاق. مع ذلك، بوسعنا القول إن الأزمة الحالية أدت إلى حدوث تعبئة وحشد للموارد على الساحة العالمية، بشكل لم نشهده منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية قبل 80 عاما. فالوباء تطلب بذل جهود سريعة ومركزة تنطوي على مخاطر عالية، وأدى إلى توحيد صفوف الناس في مختلف أنحاء العالم، وبدا مؤشرا على قرب حدوث تغيرات متسارعة ذات طابع زلزالي على الصعيد الدولي، يمكن أن تستمر لسنوات قادمة. في النهاية، ربما نستطيع أن نستلهم الشجاعة من الإشارة التي أوردتها الملكة إليزابيث الثانية في كلمتها الأخيرة بشأن الوباء، إلى أغنية بريطانية سادت في زمن الحرب العالمية الثانية، تقول: "سنعود لنكون مع أصدقائنا من جديد، ومع عائلاتنا من جديد، وسنلتقي من جديد". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future

مشاركة :