اعتبر الرئيس اللبناني، ميشال عون، أن دعم صندوق النقد الدولي هو «ممر إلزامي» لتعافي البلاد اقتصادياً، في حال «أحسنا التفاوض»، وتطبيق خطة الإصلاح التي اقترحتها الحكومة.وأقرّت الحكومة، الخميس الماضي، خطة إصلاحية تقدمت على أساسها بطلب إلى صندوق النقد لمساعدة لبنان على الخروج من دوامة انهيار اقتصادي متسارع، جعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر. وتأمل الحصول على دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار.وقال عون في كلمة ألقاها خلال اجتماع دعا إليه رؤساء الكتل البرلمانية لإطلاعهم على مضمون الخطة، «طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي هو الممر الإلزامي للتعافي، إن أحسنا التفاوض، والتزمنا بالإصلاح الذي ينشده شعبنا، من دون أي إملاء، أو وصاية».ورأى أنه بذلك «نضع حداً لاستنفاد الاحتياطات الخارجية، ونحمي أموال المودعين، ونحاول احتواء عجز الموازنة، ومعالجة تدنّي المستوى المعيشي».ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) يترافق مع أزمة سيولة حادة، وشحّ في الدولار.وشدّد عون على أن «الإنقاذ الذي نسعى إليه ليس مسؤولية طرف واحد، أو جهة سياسية واحدة، أو سلطة واحدة»، مؤكداً أن «الخروج من النفق المظلم الذي نعبر فيه، هو مسؤولية الجميع». إصلاحات على مستويات عدة وتقترح الخطة التقشفية الممتدة على خمس سنوات إصلاحات على مستويات عدة، بينها السياسة المالية، وميزان المدفوعات، والبنى التحتية، وإعادة هيكلة للديون والمصارف. وتتضمن إجراءات موجعة تطال المواطنين مباشرة، على غرار تجميد التوظيف في القطاع العام، وحسم تقديمات اجتماعية وزيادة تعرفة الكهرباء، وضرائب أخرى.ويتطلّب تطبيق بنود عدة وردت في الخطة، كهيكلة الدين، وفرض ضرائب جديدة، وقبول دعم مالي موافقة البرلمان، وتشريع قوانين جديدة، ما دفع عون إلى الدعوة للقاء في القصر الجمهوري الذي حضره رئيسا الحكومة حسان دياب، والبرلمان نبيه بري، وشكّل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي يتزعم كتلة نيابية كبيرة في مجلس النواب، أبرز الغائبين عنه.وأبدت جهات عدة، بينها جمعية المصارف، والهيئات الاقتصادية، وأخرى سياسية، اعتراضها على الخطة، معتبرة أنها تحتاج إلى مشاورات أوسع. ويرى محللون أن الخطة تعيد إنتاج الاقتصاد، وتصميم الإدارة المالية، بعيداً عن الاقتصاد الريعي الذي لطالما ميّز لبنان، وشكّل عامل جذب للرساميل.وفي كلمته، قال وزير المالية غازي وزني، إن لبنان بدأ مفاوضات لإعادة هيكلة ديونه السيادية قبل أسبوعين، مضيفاً «فتح مفاوضات مع صندوق النقد الدولي سيعيد الثقة بالبلاد»، وقال وزني «إن احتياجات لبنان التمويلية في السنوات الخمس المقبلة تقدر بنحو 28 مليار دولار».وقال وزني «في سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية، تعتمد الخطة سياسة سعر الصرف المرن في المرحلة المقبلة بشكل متدرج، ومدروس». وأضاف أن «تحرير سعر صرف الليرة قبل استعادة الثقة، وتحصين المناخ الاقتصادي والمالي والحصول على الدعم الدولي من صندوق النقد الدولي والدول المانحة، يؤدي إلى فلتان شامل لأسعار السلع، وتدهور كبير لسعر صرف الليرة، كما يؤدي إلى تعثر كبير للمؤسسات المقترضة بالدولار».وقال دياب في كلمة ألقاها خلال الاجتماع «ما نطرحه ليس كتاباً منزلاً، وهو قابل للتطوير»، معتبراً أنّ «الخطة ليست ملكاً لحكومة، أو حكم، بل هي برنامج عمل للدولة هدفه عبور لبنان مرحلة صعبة». خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي ليست «منزلة» وأضاف أن خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي ليست «منزلة»، وأنه يمكن تعديلها. ووافقت الحكومة على الخطة الأسبوع الماضي، معلنة أنها ستشكل أساس محادثات بشأن مساعدة مالية مع صندوق النقد الدولي. وكان دياب تحدث في بداية اجتماع مع الزعماء السياسيين لتقديم الخطة التي تحدد الخسائر الهائلة في القطاع المالي. وقال «أدعوكم بصدق وإخلاص إلى التوقف عن السجالات... لا مجال للمزايدات اليوم. ولا مكان لتصفية الحسابات. ولا يفترض فتح الدفاتر القديمة في السياسة».وأضاف «اليوم نحن هنا في هذا الواقع المظلم، سيكون تبادل الاتهامات مكلفاً للجميع، وعلى وجه الخصوص للبنانيين الذين ينتظرون من قياداتهم السياسية أن تتحمل مسؤولياتها، ويطالبون الحكومة بوضع خطة لإخراجهم من هذا النفق. الوقت ضيق واللبنانيون يراقبون كل خطوة». وقال وزير المالية غازي وزني في كلمته أمام الاجتماع إن لبنان بدأ مفاوضات لإعادة هيكلة ديونه السيادية قبل أسبوعين، وإن فتح مفاوضات مع صندوق النقد الدولي سيعيد الثقة بالبلاد. البنوك تصوغ خطة إنقاذ خاصّة تحفاظ على بعض رأسمالها قال رئيس جمعية مصارف لبنان إن البنوك في لبنان تعكف على صياغة خطة إنقاذ مالي وطنية تحفظ لها بعض رأس المال بدلاً من شطبه بالكامل، كما هو منصوص عليه في برنامج حكومي.وانتقدت الجمعية الخطة التي اعتمدتها الحكومة في الأسبوع الماضي، وقالت إنها «تمعن في تقويض الثقة» في بلد مثقل بشدة بالدين، ويواجه انهياراً اقتصادياً ومالياً.وتهدف الخطة الحكومية، التي ستشكل أساس محادثات بشأن مساعدة مالية مع صندوق النقد الدولي، لإخراج لبنان من أزمة تُعتبر أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب (1975 و1990).وقال سليم صفير رئيس جمعية مصارف لبنان لرويترز، الثلاثاء «تتجاهل الخطة الحكومية القطاع المصرفي تماماً»، مضيفاً أن البنوك تريد مناقشة اقتراحاتها مع خبراء الحكومة «لإعادة تكوين الثقة من أجل إنشاء لبنان جديد».وذكر أن اقتراحات المصرفيين ستُعلن في غضون أسبوع، أو عشرة أيام، وظلت البنوك اللبنانية مقرضاً أساسياً للحكومة على مدى عقود وساهمت في تمويل بلد يعاني الهدر، والفساد، وتخلفاً عن سداد دين سيادي لأول مرة في مارس/ آذار.وقالت جمعية مصارف لبنان في الأسبوع الماضي إن الخطة الحكومية تلقي باللوم عن الأزمة على عاتق البنوك بشكل مجحف، وتتبنى أسلوباً عقابياً في التعامل مع القطاع، وبالتالي مودعيه.ونتج عن الأزمة أنْ حيل بين المودعين ومدخراتهم إلى حد كبير، وفقدت العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها منذ أكتوبر/ تشرين الأول، حيث تفاقم شح الدولارات.وبموجب الخطة الحكومية، سيجري شطب رأسمال البنوك اللبنانية مع تلقي إنقاذ مالي كامل من المساهمين. 31 تريليون ليرة رأس المال المجمع للبنوك ويبلغ رأس المال المجمع للبنوك اللبنانية 31 تريليون ليرة لبنانية، أو ما يعادل 20.6 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي 1507.5 ليرة مقابل الدولار، أو 8.9 مليار دولار بسعر صرف أقل يبلغ 3500 ليرة مستخدم في خطة الحكومة.وتدعو الخطة لإعادة رسملة القطاع المصرفي، وهي مهمة يقول مصرفيون إنها لن تكون سهلة نظراً للأزمة المالية التي يعانيها لبنان. وقد تضطر البنوك التي تعجز عن جمع رأس مال جديد للتوقف عن العمل، ما يزيد من تضرر الاقتصاد.وقال صفير إن اقتراح الحكومة بشأن رأسمال البنوك «سلبي للغاية»، مضيفاً أنه كانت هناك سبل أخرى لحل المسألة. وامتنع عن ذكر تفاصيل بشأن اقتراح البنوك.وتابع «نتحدث عن وضع خطة جديدة مع الحكومة على أن تحافظ هذه الخطة الجديدة بكل الوسائل على الحد الأدنى من رأس المال (في البنوك) الضروري لبدء دورة اقتصادية جديدة».وقال «الاقتصاد في سائر أنحاء العالم في وضع سيئ للغاية، ما من شأنه أن يجعل جلب مساهمين جدد للاستثمار في النظام المصرفي اللبناني اليوم، أو غداً، أمراً شديد الصعوبة، ويتعين أن نعتمد على ما لدينا».وتتوقع خطة الحكومة انكماش الاقتصاد اللبناني 13.8% في 2020 و4.4% في 2021 قبل أن يبدأ تعافياً تدريجياً يشهد نمواً اقتصادياً بنسبة 3.1% في 2024.وقال صفير «لا يمكن تحقيق شيء مستدام من دون القطاع المصرفي»، مضيفاً أن خطة المصرفيين «أكثر واقعية» من أفكار الحكومة التي قال إنها تعتمد على مساعدة مالية دولية، لا تبدو وشيكة حتى الآن.
مشاركة :