قال الدكتور حمادة شعبان، المنسق بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف إن من المشاهد التي لفتت نظري في مسلسل "الاختيار" الذي يُذاع حاليًا في شهر رمضان المبارك الحوار الذي دار بين "أبو بكر البغدادي" زعيم تنظيم داعش الإرهابي، والشخص المسمى بـ "أبي مصعب" في حضور "هشام عشماوي"، وكنت أتمنى أن يطول هذا الحوار بينهما أكثر من ذلك.ولفت إلى أن هذا المشهد يوضح بجلاء عدة اختلافات وفوارق بين تنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات المتطرفة، كما يوضح حرص "البغدادي" على الحصول على بيعة كل الأفراد والجماعات الموالية للظواهري زعيم تنظيم القاعدة وأبي محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة الموالية للقاعدة أيضًا، سواء كان ذلك بالتهديد أو الإغراء المادي، أو بخطاب العنف والتوحش الذي يصور فيه "داعش" لغيره من التنظيمات الإرهابية أنه وحده القادر على الوقوف في ساحة الحرب، واستفزاز الغرب، واستدعائه للقتال في المنطقة العربية، والدليل على ذلك تصوير عمليات القتل البشعة ونشرها. وتابع: أيضًا يوضح هذا المشهد أن البيعة هي الأهم عند تنظيم "داعش" الإرهابي، وقد كان التنظيم يقبل أي فرد يريد الانضمام إليه أيًا كانت خلفيته، الأهم هو بيعة "البغدادي"، وقد قبل التنظيم البيعة من جماعات وفصائل مسلحة هي أقرب إلى قطاع الطريق وجباة الأموال، بايعته لدوافع مادية وكي تضمن حمايته لها من التنظيمات الأخرى. أما عن إشادة "البغدادي" وثنائه على "هشام عشماوي" في هذا المشهد، فقد كان "البغدادي" بالفعل يحب هذا النوع من المقاتلين لعدة أسباب من أهمها خلفيتهم العسكرية التي تجعلهم منخرطين في القتال وبعيدين عن منافسته في النواحي السياسية والعلمية والروحية، كما يمثلون ضمانة لاستمرار التنظيم حيًا لأطول فترة ممكنة بخلاف المدنيين الذين قد ينضموا إلى تنظيمٍ إرهابي تأثرًا بزعيم أو قائد أو كاريزما معينة، فإذا مات هذا القائد تركوا التنظيم، ومن ثم نجد معظم القادة التاريخيين وقادة الصف الأول ومساعدي البغدادي كانوا ضباطًا سابقين في الجيش العراقي.وأردف سواء كان هذا المشهد حدث بالفعل أو هو من قبيل الحبكة الدرامية فإنه بالفعل كانت هناك مفاوضات ومباحثات بين تنظيمي داعش والقاعدة وكان يحضرها عن داعش "أبو علاء الأنباري" و"أبو محمد التركماني" اللذان قتلا عام 2016. وشدد شعبان، أن مسلسل "الاختيار" قد أثبت أن الفنون بصفة عامة والدراما بصفة خاصة، تستطيع أن تلعب دورًا تَوعَويًّا كبيرًا في جميع قضايا المجتمع، إذا تمّ استغلالُها الاستغلالَ الأمثل. ففي مكافحة التطرف مثلًا يمكن كتابة نصوص درامية تَسمو بالإنسان، وتُهَذِّب الوِجدان، وتزيد وعي الشباب، وتغرس الوطنية والانتماء في قلوبهم، وتُعَمِّق ثقافة السلام والحوار وتَقَبُّل التعددية والاختلاف في إطارٍ من التسامح، وتَكبح جِماح العنفِ والإرهاب والتوَحُّش، وتُحارب الفكر المتطرف، وتوضح كيف يفتري المتطرفون على القيم الدينية وينتزعون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من سياقاتها، ويلحقون بها ما ليس فيها، ويجردون القيم المقدسة من معاني الرحمة والإنسانية ويضفون عليها العنف والإرهاب.وقال إنّ قضية مكافحة الفكر المتطرف تُمَثِّل إشكاليّة مُعقَدة، تَتَداخل فيها عدة أبعاد، وليست مقصورةً على المعالجة العسكرية فقط، بل يجب أن تلعب الثقافة والإبداع والفَنّ الهادف أدْوارهم المُهِمّة في هذه القضية؛ لذلك يرى كاتب هذه السطور أنه ينبغي أن نستغل الدراما وننتج أعمال على غرار مسلسل "الاختيار"، وينبغي أن يُستشار في هذه النصوص الدرامية علماء نفْسٍ واجتماع، ومتخصّصون في الجماعات المتطرفة؛ لأن المؤلف إذا أراد أن يتعرض للجماعات المتطرفة قد يكتب مسلسلًا لمحاربة فكرةٍ متطرفة لدى جماعةٍ بعينها، لكن نظرًا لعدم تخصصه في جماعات التطرف قد يُفَنِّد فِكرَ الجماعة التي يحاربها، وفي الوقت ذاتِه -ودون أن يدري- قد يؤكّد ويدعم فكر جماعةٍ متطرفة أخرى، وكلنا يعلم أن الجماعاتِ المتطرفةَ بينها اختلافاتٌ كثيرة وكبيرة، تجعلها تنشقّ عن بعضها البعض، وتدسّ الجواسيسَ بين بعضها بعض، بل وتقاتل بعضُها بعضًا. كذلك قد يكتب المؤلف نصًّا بهدف محاربة الفكر المتطرف والإرهاب، لكن دون أن يدري قد يُشَجِّع فئةً شبابية بعينها على التطرف؛ لذلك إذا أراد كاتبٌ التعرُّض لمثل هذه النصوص، فعليه أن يتجنّب طريقة بعض المؤلفين الذين يُصَوِّرون تاجر المخدرات أو المجرمَ بصفةٍ عامّة على أنه شخصٌ غنيّ، يعيش في أفخمِ البيوت، ويركب أحدثَ السيارات، داهية في التفكير، ومُنَظِّر لديه قدراتٌ هائلة على إقناع الغير، ولديه ذكاء خارق في خداع الشرطة والهروب منها.إضافة إلى براعته في صنع المتفجرات واستخدام السلاح، وكذلك يجب تَجَنُّب إلقاء أسباب الانجراف إلى طريق العنف والإجرام على ظروف وأسباب ليس للمجرم فيها يَدٌ، وإظهار المجرم أو المتطرف وكأنه دُفِعَ إلى هذا الطريق دفعًا، هذا الأمر يجعلُ بعضَ المشاهدين دون أن يَدروا يتعاطفون مع هذا المتطرف، بل وربما يلتمسون له العذر، كما أن هذا الأمر خطير للغاية في التشجيع على التطرف خصوصًا عند المراهقين، ومحدودي الثقافة الدينية الذين تَستهويهم المغامراتُ.
مشاركة :