تتوقع أوروبا ركوداً تاريخياً في عام 2020 ستتأثر به بشكل خاص بلدان جنوب القارة بسبب توقف السياحة من جراء وباء كوفيد-19، وسط سجال حاد بين الولايات المتحدة والصين حول مصدر الوباء. وتأتي توقعات الاتحاد الأوروبي في توقيت أعلنت فيه ألمانيا، أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، خططا للعودة إلى الحياة الطبيعية بعدما كشفت بيانات جديدة حجم الضرر اللاحق بقطاعاتها الصناعية ومبيعات السيارات. وبالإضافة إلى أوروبا تسعى دول آسيا إلى تخفيف القيود المفروضة لاحتواء الوباء والتي أبقت أعدادا كبيرة من الأشخاص في منازلهم على مدى أسابيع ودمّرت اقتصاداتها، ما دفع العالم نحو ركود غير مسبوق منذ عقود. واستأنف بعض طلاب المدارس الثانوية دروسهم الأربعاء في ووهان، المدينة الصينية التي ظهر فيها كوفيد-19 في كانون الاول/ديسمبر قبل تفشيه في مختلف انحاء الكوكب، في حين أعادت كوريا الجنوبية فتح متاحفها وشركاتها. وأودى المرض التنفسي بحياة 257 ألف شخص على الأقل حول العالم وأصاب نحو 3,7 ملايين شخص وفق الأرقام الرسمية، وأرغم أكثر من نصف البشرية على البقاء في منازلهم. وقال مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي باولو جينتيلوني إنه من المتوقّع أن يسجل اقتصاد منطقة اليورو انكماشا بنسبة 7,7 بالمئة. وحذّر بأن "أوروبا تواجه صدمة اقتصادية غير مسبوقة منذ الكساد الكبير". وتسعى الحكومات إلى إنعاش اقتصاداتها عبر الرفع التدريجي لتدابير الإغلاق التي أبقت 4,6 مليارات شخص في منازلهم، وفي الوقت نفسه إلى تجنّب موجة تفش ثانية للوباء. وستسمح ألمانيا بإعادة فتح كل المتاجر والمدارس خلال أيار/مايو، وهي تخطّط للسماح باستئناف بطولة كرة القدم من دون جمهور. وأظهرت بيانات جديدة أن مبيعات السيارات تدهورت الشهر الماضي بنسبة 61 بالمئة كما تراجعت الطلبات الصناعية في آذار/مارس إلى أدنى مستوى لها. في بريطانيا، قال رئيس رئيس الوزراء بوريس جونسون إنه قد يتم تخفيف بعض تدابير الإغلاق اعتبارا من الأسبوع المقبل، إلا أنه حذّر من التسرّع في اتخّاذ أي خطوة في هذا الإطار. وقال جونسون الذي تعافى مؤخرا من إصابته بالوباء إن "البلاد ستواجه كارثة اقتصادية في حال أدى تخفيف القيود إلى إطلاق موجة تفش ثانية". والثلاثاء أصبحت المملكة المتحدة الدولة الأكثر تسجيلا للوفيات بكوفيد-19 في أوروبا متخطية إيطاليا، والثانية عالميا بعد الولايات المتحدة. وفي فرنسا سمحت السلطات بإعادة فتح بعض المدارس اعتبارا من 11 أيار/مايو، بعد إغلاق دام شهرين، أما في إسبانيا فصوت مجلس النواب الأربعاء على تمديد تدابير الإغلاق لأسبوعين. وتأتي الجلسة في وقت أعلنت فيه إسبانيا تدهور الإقبال السياحي بنسبة 64 بالمئة في آذار/مارس، ما يشكل ضربة قوية لهذا القطاع الحيوي للبلاد. وأيد بعض السكان العودة التدريجية للحياة الطبيعية لتجنّب موجة تفش ثانية للوباء الذي شل البلاد. وقال أدريان وهو مزارع من مدريد إن "إنهاء الإغلاق لن يكون سيئا، لكن يجب أن يتم على مراحل". وأضاف "من الأفضل التحلي بمزيد من الصبر وإنهاء (الإغلاق) بشكل جيد بدلا من التسرّع ومواجهة ذروة جديدة أو موجة تفش ثانية". لكن مع تبدد الآمال بانتعاش اقتصادي سريع دخلت الولايات المتحدة والصين في سجال حاد حول مصدر الوباء الذي ظهر لاول مرة في ووهان الصينية العام الماضي. وتقول الإدارة الأميركية إن لديها "أدلة" على أن سارس-كوف-2 تسرب من معهد الحُميات في ووهان. لكن بكين ردت على ذلك بقولها إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو "لا يمكنه أن يقدم دليلا" على تسرب مثل هذا الفيروس من المختبر "لأنه لا يملكه". وقالت المتحدة باسم الخارجية الصينية هوا تشونيينغ إن "هذه المسألة يجب ان يتولاها علماء وخبراء طبيون وليس سياسيين يكذبون لغاياتهم السياسية الشخصية". وكان بومبيو قد قال "ليس لدينا (إثبات) يقين، و(لكن) هناك أدلة مهمة على أن هذا جاء من المختبر. كلا التصريحين صحيحان". ويسود لدى غالبية الباحثين في العالم اعتقاد بأن فيروس كورونا المستجد انتقل إلى الإنسان عبر حيوان. ويعتقد باحثون صينيون أن سوق ووهان هي مصدر العدوى إذ تباع فيها حيوانات برية حيّة. أما بشأن فتح تحقيق دولي، فقال السفير الصيني لدى الأمم المتحدة في جنيف الأربعاء "إن الأولوية هي التركيز على مكافحة الوباء حتى التغلب نهائياً عليه (...) ليس لدينا وقت نضيعه". ويسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعادة العجلة الاقتصادية للدوران قبل موعد الاستحقاق الرئاسي في تشرين الثاني/نوفمبر. وقال "لا يمكننا إبقاء بلادنا مغلقة للسنوات الخمس المقبلة". لكن بيانات الوظائف الأميركية الصادرة الأربعاء أظهرت أن أكثر من 20 مليون وظيفة خاصة قد ألغيت في نيسان/أبريل في الولايات المتحدة. والولايات المتحدة هي الدولة الأكثر تضررا بكوفيد-19 وقد بلغت حصيلة وفياتها جراء الإصابة بالوباء 71 ألفا فيما ارتفعت حصيلة الإصابات الى 1,2 مليون إلى الآن. وبدا كأن ترامب تراجع عن قرار إلغاء خلية التصدي لفيروس كورونا، بعدما كان نائبه مايك بنس قد أشار إلى أنها قد تنهي عملها في أوائل حزيران/يونيو. وجاء في سلسلة تغريدات أطلقها الرئيس الأميركي أن خلية الأزمة حققت نجاحا كبيرا "وستواصل عملها والتركيز على السلامة وإعادة فتح بلدانا". ويأتي ذلك في وقت عاد فيه طلاب المدارس الثانوية إلى مقاعد الدراسة في ووهان بعد أسابيع من الإغلاق. وفرضت المدارس على الطلبة وضع أقنعة واقية وإبقاء مسافة بينهم فيما تعمل كاميرات بالأشعة تحت الحمراء للكشف عن أي ارتفاع في درجة حرارة الجسم. وقال أحد مستخدمي تطبيق "ويبو"، منصة التواصل الاجتماعي الصينية الشبيهة بتويتر "إنها المرة الأولى التي أكون فيها بغاية السعادة بالعودة إلى المدرسة". وبدأت مظاهر الحياة شبه الطبيعية تعود إلى كوريا الجنوبية، التي كانت في مراحل التفشي الأولى ثاني الدول الأكثر تضررا بعد الصين. وعاد العمال إلى شركاتهم ومكاتبهم وأعادت المتاحف والمكتبات فتح أبوابها في بلد تمكّن من السيطرة على الوباء بفضل حملة فحوص واسعة النطاق وآلية تتبّع فاعلة للإصابات والمخالطين. في سيول، زار نحو مئة شخص المتحف الوطني حيث قدّم الموظفون باقات من الورد لأوائل الزوار. وقالت المتحدثة باسم المتحف لي هيون جو لوكالة فرانس برس "نحن متحمسون للغاية لإعادة فتح (المتحف) نحن بغاية السعادة".
مشاركة :