في هذا الحوار استضاف الكاتب في صحيفة أتلانتكو الفرنسية جان – مارك سيلفيستر، فريديريك إنسيل، البرفيسور في الجغرافيا السياسية لدى المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية، جامعة باريس الثامنة، والمحاضر في كلية باريس للعلوم السياسية، والأستاذ بكلية باريس للأعمال، مستضيف اللقاءات الجيوسياسية الدولية في تروفيل، وعضو لجنة المراجعة الجيوسياسية لـ"هيرودوت"، والحائز على جائزة الكتاب الجيوسياسي، مؤلف عشرات الكتب منها قاموسي الجيوسياسي، والجغرافيا السياسية لأمة فرنسا (مع إيف لاكوست)، وكتابه التالي "الحرب" والذي سُينشر في (سبتمبر 2020)، ودار الحديث عن الأزمة الراهنة بسبب وباء فيروس كورونا الجديد كوفيد-19 من كافة الأبعاد عما حصل بسببها وما سيحدث وما يجب فعله. ويعتقد فريديريك إنسيل، أن وباء فيروس كورونا الجديد، لن يخل بميزان الجغرافيا السياسية، ولكنه يجب أن يُلزم الاتحاد الأوروبي على البروز كقوة عالمية. *لقد دفع سكان أوروبا الغربية بالفعل ثمنًا باهظًا لفيروس كورونا الجديد (Covid-19)، لكن الدول الأعضاء استجابت بترتيب مشتت. وبدا الاتحاد الأوروبي مشوشًا بسبب حجم الأزمة: فعلى ماذا يجب التركيز عليه في قادم الأيام؟ **بدون أدنى تردد: السيادة! فلا يعني ذلك إغلاق الحدود وتبني موقف قومي بحت من شأنه أن يجرنا إلى الهاوية، بل بإعادة تنظيم صفوفنا واحتياجاتنا من الناحية الصحية حتى نتمكن من مواجهة الأزمات القادمة من هذا النوع بهدوء. عندما أقول "نحن"، فأنا أعني أولئك الشركاء في الاتحاد الأوروبي الذين يُبدلون التضامن الأوروبي بالعقود المُربحة – سريعة الزوال – مع بكين... ومن السخف أن 500 مليون أوروبي – متطورون تقنيًا للغاية – تعتمد صحتهم وأمنهم الصحي على المواد والمنتجات المصنعة في دولة ثالثة ليست بحليف ولا حتى صديق، أضف إلى ذلك أن حكومتها استبدادية وتتدخل بشؤون الغير؛ سوف تقدرون إحساسي هذا... سيكون من المناسب جمع إنتاج المواد الضرورية بشكل فعال. والحديث هنا ليس عن الصحة فقط، بل يشمل كل شيء، فماذا سيحدث في أوقات الأزمات الجيوسياسية الحادة إن أصبحت الكهرباء البرتغالية أو نشاط الموانئ اليونانية أو السيارات الإيطالية تحت السيطرة الصينية؟ هذه الأزمة تعكس الخطر الملموس للغاية للانتقال الشمولي، وأعتقد أن الاتحاد الأوروبي، على المدى القصير جدًا، لن يكون قادرًا على التفكير بعمق بشأن استقلاله عن الخارج. سأذهب لما هو أبعد من ذلك: أزمة فيروس كورونا الجديد (Covid-19)، هي التحذير الأخير لأوروبا. وكما أكد جان إيف لو دريان، "يجب أن تكون أوروبا جيوسياسية"، بمعنى آخر، يجب أن تتحمل تكاليف ووضع "قوة عالمية"، وليس فقط ناديًا حصريًا تجتمع فيه العلامات التجارية والفنية والثقافية. وإلا ستختفي شيئًا فشيئًا، كل عضو من أعضائها – بما في ذلك فرنسا – ستفقد سيادتها تدريجيًا لصالح الصين أو لصالح القوى الإمبريالية الأخرى. *ما الذي تحتاجه فرنسا بالضبط؟ **بالطبع صناعة الدفاع! اسمعوا، إن ذلك التقليد القديم من السلطة والاستقلال من ناحية، موهبة مهندسينا منذ قرون من ناحية أخرى، وتقلبات التاريخ "أعطتنا" واحدة من أفضل أدوات الدفاع في العالم اليوم. فالأمر ليس غلو في الوطنية ولكن من أجل معرفة ما يمكن أن يحصل لنا في أوقات الأزمات. أولا، يوظف الدفاع 400.000 شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالتالي يعتمد على هذا الرقم ضعفاه على الأقل، وهو الأمر الذي لا يمكن إغفاله، خاصة في هذه الأوقات. ولأسباب واضحة تتعلق بالسلامة، هذه الوظائف غير قابلة للنقل من الأساس، وبالتالي سيستفيد منها أولئك الذين يعيشون ويسكنون ويستهلكون في فرنسا. وأخيرًا، منتجات الدفاع، ذات القيمة العالية جدًا، تقوم على عدد من المهندسين ذوي مستوى عال وينتج عنها مكاسب كبيرة. وأود أن أضيف أنه في سوق عالمية سريعة النمو، سيظل الطلب كبير، بغض النظر عن مثل هذا الوباء الفيروسي الذي لن يُغير بأي حال من الأحوال معظم الطموحات الجيوسياسية، ونرى ذلك في الحياة اليومية. يمكننا دائمًا أن نتجادل، ولكن نظرًا لوضعنا الحرج للغاية من حيث التوظيف والميزان التجاري والتمويل العام، سيكون من الحماقة تجاهل هذه الأصول. علاوة على ذلك، لا تنسوا التحديات الحاسمة التي سيضعنا أمامها دونالد ترمب إذا ما أعيد انتخابه في نوفمبر... باختصار: يجب على الدولة، أكثر من أي وقت مضى، دعم صناعتنا الدفاعية. *هذا الجهد الدفاعي هل يجب أن يستمر ليُشكل جزءًا من منظمة حلف شمال الأطلسي، أم يجب على فرنسا أن تتخيل تحالفات أخرى – أوروبية على وجه الخصوص؟ **يا له من سؤال خطير، إن كان على صعيد الأهمية أو الهوية. على الرغم من أنني لا أُعتبر معاديًا لحلف شمال الأطلسي، فإنني سأجيب بأن هناك مشكلتين خطيرتين تواجهان فرنسا. أولاً – وهذا ليس بجديد – منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، لم يعد الناتو كما كان أبداً لا في مهمته ولا في مهامه، حيث إنه لم يذهب إلى آسيا الوسطى، الشرق الأوسط، أو الساحل، حيث لا يزال التهديد الشيوعي متحفظًا جدًا... أما بالنسبة لروسيا اليوم، فهي لم تعد خصمًا كما كان الاتحاد السوفييتي. فمرافقة الحلفاء الأميركان في حماية المعسكر الديمقراطي ضد الكتلة الشرقية أمر ضروري للغاية؛ وأن متابعتهم في مغامرات غير واضحة المعالم بشكل واضح (حرب بوش الابن على الإرهاب)، أو بطريقة ترمب أحادية الجانب وغير المتناسقة، أمر سلبي. ثانيًا، لا يمكنك إجبار الحليف على البقاء على هذا النحو. فإذا قامت الولايات المتحدة بكسر حلف شمال الأطلسي من خلال اقتراح تحالفات ثنائية تابعةً لشركائها، فسيتعين علينا بالتأكيد التكيف. فمع من نحن سنتحالف؟ ألمانيا لطالما كانت مترددة في تولي دور القوة العالمية، وأوروبا الشرقية محمية من أمريكا ضد موسكو، أرى فقط أن البريطانيين هم الذين نتشارك معهم الكثير، ويمكنهم أن يشكلوا نواة جيوسياسية قوية، نواة يمكن أن تنضم إليها دول أخرى تتمتع باستقلال حقيقي في مواجهة واشنطن بشكلٍ طبيعي. لكن هل يرغب البريطانيون بذلك؟ من غير المحتمل في الوقت الراهن، لكن عندما يدركون أن الأميركان (منذ عهد باراك أوباما على الأقل) لم يعودوا يفضلون "العلاقة الخاصة"، لذلك ربما... ثم تعرفون، أن التحالفات وانكسار هذه التحالفات وعلاقات القوة في الجغرافيا السياسية غالبًا ما تتغير بوتيرة سريعة. *لكن فيروس كورونا الجديد (Covid-19)، لا يعرف حدودًا، ولا إيديولوجية، ولا معتقدًا دينيًا، ولا تنظيما أو نظاما سياسيا، وها هو غزا الكوكب بأكمله. فهل من المحتمل أن يُؤثر هذا الوباء على ميزان القوى الحالي؟ **عندما تظهر ظاهرة أميل للبحث عن المنظور التاريخي، كـ "العصور الطويلة" للمؤرخ فرناند بروديل. الوباء ليس ظاهرة جديدة، حتى لو كان هذه المرة بسببه يقبع ما يقارب من نصف البشرية في منازلهم، مع العلم أنه بسبب عولمة التبادلات وخاصة الاتصالات، فإن هذا يعني تأثر الكوكب بأكمله تقريبًا. ومع ذلك، هل ستكون هناك ثورة هائلة كما تم الإعلان في كل مكان؟ ننتظر ونرى... بعد الموت الأسود عام 1347 – الذي هلك بسببه ما بين ثلث إلى نصف الأوروبيين (وربما من آسيا الصغرى وآسيا الوسطى) في بضع سنوات – لم تتغير الأساسيات قط؛ نظام الولاء الإقطاعي، الحكم الديني في المجالات السياسية والاجتماعية، طرق ممارسة السلطة وجباية الضرائب، ديمومة علاقات القوة بين القوى واستمرار حرب المئة عام، وهلم جرا. هو حدث كان في أوروبا ومنذ فترة طويلة؟ صحيح، فلنأخذ حالة أحدث وعالمية بالفعل: الإنفلونزا الإسبانية عام 1918، التي قتلت ما بين 40 و100 مليون شخص في جميع أنحاء الكوكب. ما الذي تغير جذريًا بعد تفشيه؟ لا شيء يُذكر. كذلك بعد الإنفلونزا الآسيوية في سنوات ما بعد الحرب... أنا لا أقول إنه لن تكون هناك عواقب وإصلاحات صحية واقتصادية وبيئية ولوجستية، وربما تغييرات في تحالفات سياسية معينة. ولكن حذار من المنظور المشوه للحظة؛ فكلما زاد هذا القلق، – من خلال المعلومات الكثيرة والمتطفلة (وغير الموثوقة في بعض الأحيان) – كلما كان هناك المزيد من الاضطرابات. ولكن في التاريخ، الأعمال كالمعتاد مرنة بشكل مخيف... *هل بوسعنا، على هذا الصعيد الساخن، تكوين بعض وجهات النظر حول العمالقة؟ أهي الصين أم الولايات المتحدة الأميركية من يُعتقد أنها ستستفيد من هذه الأزمة؟ **ما ألاحظه قبل كل شيء – وهو ما ليس بمستغرب بعد خمسة وعشرين عامًا من البحث الجيوسياسي – هو أن معظم القوى تحاول الاستفادة من الأزمة الصحية لتطوير بيادقها الجيوسياسية أو تعزيز قوتها الداخلية. وهذا ينطبق على الدول الكبرى، مثل روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة الأميركية، ولكن ينطبق أيضًا على دول أصغر حجمًا، مثل تركيا أو المجر أو سوريا. من أجل الإجابة على سؤالك، من هما العملاقان؟ بكين، إذا نجح النظام في قمع الغضب الذي أبداه العديد من مواطنيها ضدها بما فيه الكفاية، ستقوم باستعراض للقوة على الصعيدين الداخلي والخارجي، سواء عن طريق القوة الصلبة – من خلال نشر سفنها الحربية في المياه المتنازع عليها – أو القوة الناعمة من خلال الاعتماد على الخطابات الهجومية أكثر من المُعتاد؛ وإذا سمحنا بذلك، نعم، ستحرز الصين نقاطًا تحت ذريعة تقديم عالم الأقنعة في وقت واحد... على الأقل على المدى القصير. لأنه على المدى الطويل، الأوروبيون وغيرهم، ولا سيما في أفريقيا، المكتوين بأزمة فيروس كورونا الجديد (Covid-19) قد يرغبون في تنويع إمداداتهم لمواد سلسلة قطاعات كاملة، وبالتالي ضعف القوة الشرائية من بكين، في الوقت الذي تُحد فيه الآن الاستثمارات الاستراتيجية على أراضيها. لذا فإن الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الصيني يمكن أن يُصحب بفائض تجاري لقوة متنامية اقتصاديًا في عز ازدهارها. أما واشنطن، فهي على عكس المحيط، ليست بمنأى عن الشؤون العالمية بل تقلبها رأساً على عقب! فرئيسها – الذي كشفت الأزمة الصحية لمرة أخرى وبصورة تراجيدية – كوميدية عن تناقضاته وعدم كفاءته – يسعى لكسر هياكل التحالفات القائمة والتوازنات المتعددة الأطراف مع الثوابت النادرة لصنع القرار القومي من ناحية، والهوس التجاري من ناحية أخرى، وهو ما يُسعده في نهاية المطاف. وإذا ما تمت إضافة تأثير ديني قوي على الانتخابات، ستحصلون بكل تأكيد على كوكتيل مُتفجر. ولكن إذا عانى الاقتصاد مرة أخرى بشدة لن أكون قاطعًا بشأن "التدهور الأميركي" الشهير مثل أولئك الذين أعلنوا عنه أربع مرات في أقل من قرن ونصف! فمع أو بدون فيروس كورونا الجديد (Covid-19)، ستبقى القوة الهجومية الأميركية الاستثنائية على المستويات العسكرية والتكنولوجية والدبلوماسية والطاقة والمالية والعلمية والديمغرافية والجامعية لفترة طويلة، وبالمناسبة، عدد المعوقات أقل مما تتحدث به الصين. ولا ننسى أن نأخذ في الاعتبار الارتدادات السابقة التي ظهرت في ظروف أخرى (فكل حالة جيوسياسية هي حالة خاصة!) خلال العقود 1860 و1940 و1980. في الواقع، الكثيرون سيعتمدون على الانتخابات المقبلة. وأعتقد أنها لن تسهم بالكثير من التطوير... *ما الذي يمكن أن يتغير من جانب روسيا؟ **عندما دعوت صديقي الاقتصادي الراحل برنارد ماريس، للتحدث لطلاب العلوم السياسية، أصرّ دائمًا على التشجيع اللازم للإبداع بدلاً من نظام النقد المزعج. المشكلة الرئيسية لهذه الدول المصدرة للنفط والغاز بقوة، حروب النفط، التي يُطلقونها، أو ينخرطون فيها، ومن خلالها تنتج كارثة في الأسعار في كثير من الأحيان، إن هذه "اللعنة" في حد ذاتها، لا تشجع الاستثمار في البحث والتطوير والإبداع وتنمية الموارد البديلة والتكنولوجيا العالية، بل تُشجع على الإنفاق العسكري والفساد والمغامرة. من وجهة النظر هذه، لا يقلب فيروس كورونا الجديد (Covid-19) الطاولة أيضًا. أعتقد أن روسيا – لا تزال قوة عظمى، ونحن نهملها أكثر من اللازم – فهي تتمتع بأقوى قدرة على الصمود؛ في حين تخضع إيران بشكل دائم لنظام عقوبات صارمة مرتبط بالملف النووي، وتعتمد المملكة العربية السعودية على النفط بشكل كامل. حذار: صعود القوة الجيوسياسية في أي بلد من عدمه، لا يُنظر إليه من خلال طريقة إدارة الأزمات أو تجنبها للكوارث الاقتصادية من عدمه. ففي النهاية، الأزمات توضح وتؤكد الحقائق الموجودة بالفعل أكثر مما تخلق. *نحن غالبا ما نُقارن النتائج المترتبة على هذا الوباء مع تلك التي تُسببها الحروب لأن الفيروس يدمر العديد من الأرواح ومخاطر الحجر أوقفت ودمرت اقتصادات بأكملها. لكننا هنا لا نعرف العدو، على عكس ما يحدث في صراع مسلح أو حرب إرهابية. كيف يستجيب الخبير في الجغرافيا السياسية لذلك؟ **أعتقد أنه يجب تصنيف المشاكل لتجنب أي إفراط في الحلول. إن كُنّا في حالة حرب، كما أشار إيمانويل ماكرون بقوة لأغراض توجيهية، دعونا نعترف أنه بالفعل هناك خطر مميت ومن الضروري الحماية منه بشكل جماعي، فالبعض يناضلون بشجاعة وإيثار "في المقدمة". ومع ذلك، أعتقد أنه يجب علينا أن نتخيل أنفسنا في حالة حرب، مُستخدمًا مصطلح عزيز على أستاذي في الجغرافيا السياسية، إيف لاكوست، لأنه بطبيعة الحال فالوضع ليس صراعًا حقيقيًا: فالعدو ليس بشر ولا يُرى بالعين المجردة، ولا يعتقد بأي شيء، وليس لديه هدف، ولن يتفاوض. أما الاقتصاد، فقادتنا هم الذين اتخذوا القرار الصعب والضروري لإضعافه عن طريق الحجر الشديد. بحكم أني لست مُختصا بالفيروسات (على عكس العديد من "الخبراء" الجدد على الشبكات الاجتماعية ...)، فلن أعلق بالمزيد على هذا الوباء. لكن من ناحية أخرى، بصفتي عالم جيوسياسي ومواطن، أود أن أؤكد بشكل مستقل عن أي اعتبار سياسي أن مسؤولينا التنفيذيين، مهما كانت تجربتهم وأخطاؤهم، (فمن على الكوكب كان مستعدًا تمامًا لفيروس كورونا الجديد (Covid-19)؟)، يفعلون ما بوسعهم بجدية وعقلانية، ويعملون على الموازنة بين إنقاذ الاقتصاد، وحماية الحريات الجمهورية والحفاظ على أكبر عدد ممكن من الأرواح. وستوافقونني الرأي وستقولون إنه لا يمكن قول الشيء نفسه عن جميع رؤساء الدول والحكومات في العالم، بما في ذلك دول الغرب... أعطيكم هذه الإجابة وأنا شخصيًا مفجوع بسبب فيروس كورونا الجديد (Covid-19). *فيروس كورونا الجديد (Covid-19) لن يدخر الإرهابيين وقوى الإسلاميين الراديكالية. هل من المحتمل أن يُضعف التهديد أم العكس من ذلك سيُعززه؟ **كما تعلمون، في أوقات الأزمات الشديدة، تظهر فئتان: الخارجين عن القانون، وبعض المهمشين، خصوصًا المتعصبين الذين يحسبون الموتى بسخرية قائلين بأنه قد آن أوانهم، الذين غزو المجتمعات و / أو الدول التي يستهدفونها بإيديولوجيتهم القاتلة. هذا صحيح في أوقات الوباء، فالمتطرفون الدينيون يفسرون هذه الكوارث الطبيعية على أنها عقوبات إلهية سببها – كالعادة –ما يسمون بالكُفّار والنساء غير المستترات، واليهود والماسونيين وغيرهم من الغرب المنحط. تذكروا الهرطقة السخيفة من أعلى السلطات في جمهورية إيران الإسلامية في بداية الأزمة، قبل أن يتفشى فيهم فيروس كورونا الجديد (Covid-19)! (في الطوائف الأخرى تجد تصوفًا فيما يتعلق بهذه الأمور، لكن بات التعبير عنه في العقود الأخيرة بعنف أقل). منذ أكثر من عشرين عامًا أعمل كأكاديمي متخصص في الشرق الأوسط – لكنني أيضًا مواطن وجمهوري متعصب – لذا أحذر من مخاطر الإسلاميين الراديكاليين وأشجب "الحمقى" الذين يُطبلون لهم والمعلقين المتهاونين. لا تزال هذه الظاهرة شديدة السمية، ولكن فيما يتعلق بعلاقات القوة وما لم تنحسر القوى التي تقاتلها في منطقة الساحل وأماكن أخرى أو إذا تفشى الوباء في منطقة الشرق الأوسط أو آسيا الوسطى، فإن وجود الإسلاميين الراديكاليين لن يغير الوضع بشكل كبير. *بعد الأزمة الصحية، الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وربما أزمة سياسية في العديد من البلدان. فما هي الأنظمة السياسية الأفضل تجاوبًا: الأنظمة الاستبدادية أم الديمقراطية؟ **غالبًا ما نميل إلى اعتبار أن الأنظمة الاستبدادية تعرف كيف تشن حربًا أفضل من الديمقراطيات، بغض النظر عن العدو. إلا أن الأمر ليس كذلك على الصعيد العسكري، – حيث أظهر الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون على وجه الخصوص في القرنين التاسع عشر والعشرين أنهم يعرفون كيفية الفوز على الدول غير الديمقراطية – ولا يزال محل شك، خاصة عندما يتعلق بإدارة أزمة صحية مثل تلك التي تضرب الكوكب: صحيح أن الصين قوة، لكن ردّها جاء في وقت متأخر جدًا ولم تتمكن من تجنب عدد الوفيات الكبير، ولا الانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي ولا فقدان مصداقيتها لأن القمع والدعاية (حتى دون الخوض في التهم المتعلقة بمختبر ووهان) لم يتوقفا عن النمو منذ بداية الأزمة... أما الدول الاستبدادية الأخرى حول العالم، فلا أعلم إن كان حالها أفضل من جمهورية التشيك أو النرويج أو إسرائيل أو السنغال أو تشيلي. في معظم الحالات، إنها البصيرة، وحالة الخدمات، ومستوى مسؤولية القادة، هي الأمور التي تصنع الفارق أكثر من طبيعة النظام القائم. ولكن أبعد من هذه الاعتبارات، يبدو أن سؤالك فلسفي بالنسبة لي: فما هي العقبات التي تعترض حرياتنا وأنماط الحياة التي نحن على استعداد للموافقة عليها؟ علاوة على ذلك، لقد رأينا بالفعل سلطات استبدادية، بما في ذلك في القوى الصاعدة الكبرى، قابعة تحت الغضب الشعبي، بسبب الفشل الاجتماعي أو الاقتصادي... وفي الختام، اسمحوا لي أن أؤكد: أن هذه القيم والحريات الديمقراطية الأساسية، لن نحافظ عليها إلا من خلال حماية وتعزيز مهاراتنا، وأدوات وسمات الدفاع.
مشاركة :