مطران إيبارشية المنيا للأقباط الكاثوليك: محبه الله هي خلاصنا

  • 5/8/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كتب الانبا بطرس فهيم مطران إيبارشية المنيا للأقباط الكاثوليك، عبر صفحته الرسمية على مواقع التواص الاجتماعي "فيس بوك": قال يسوع لتلاميذه "مجانا أخذتم، مجانا أعطوا" (مت 10:.المجانية هي صفة المحبة الأولى، هي صفة الله الأولى، هي كاريتاس، المحبة ذاتها.والإنسان المخلوق منذ بدء الخليقة، على صورة الله ومثاله، في رواية الخلق الأولى (تك 1)، ومن تراب الأرض وروح الله، في رواية الخلق الثانية (تك 2)، لا بد له بالضرورة أن يكون محبة مجانية، فالله أبوه والأرض أمه. فإذا نظر لفوق للأعلى، سيجد الله أبوه هو المحبة المطلقة، المجانية المطلقة، يشرق شمسه على الأبرار والأشرار ويمطر على الصالحين والطالحين (مت 5: 45). يحب الجميع بلا تمييز وبلا حدود وبلا شروط. فالله يعطي أرضه وماءه وهواءه بلا ثمن للجميع ودون تفرقة. وإذا نظر الإنسان للأرض للأسفل، سيجد أمه الأرض بسخائها وعطائها اللامحدود، فهي تنبت العشب لكل من يزرع بغض النظر عن لونه وجنسه ودينه وطبعه وخيره وشره، وحتى لو لم يزرعها الإنسان فإنها تنبت ما فيها وما يعطيها المطر من قوة إنبات وما تجود به الطبيعة من خير.فالإنسان حين خُلق، خُلق من عنصرين كلاهما خيّر محب ومجاني، لا يعرف الشح ولا الأنانية، فمن أين جاءت الأنانية والبخل والشح في حياة الإنسان؟ ولماذا لم يتعلم من الله أبيه ومن الأرض أمه؟ لماذا ترك نفسه يتعلم بالأكثر من الحية (تك 3)، رمز الشر والحسد والكذب والأنانية الدخيل على الإنسان والطبيعة؟ فالحية هي التي ضحكت على الإنسان وغررت به وشككته في نية الله ومحبته وسخائه؟ وقد أثبت الواقع مدى كذبها وخداعها للإنسان، ولكن مازال الإنسان يصغي إليها ويصدقها أكثر من الله ومن كل عناصر الخير التي يرسلها له الله. هل استطاعت الحية الشيطان أن تفسد طبيعة الإنسان وليس سلوكه فقط؟لقد أخذ السيد المسيح، بتجسده، طبيعة الإنسان هذه الفاسدة وصلبها على الصليب وجددها باتحاده بها، وبالأخص بالقيامة. فأين ثمر التجسد والفداء والقيامة؟ ماذا كان الإنسان قبل أن يسقط في الخطيئة ويشوه صورة الله فيه؟ وماذا حدث للإنسان بعد السقوط؟ وماذا حدث للإنسان بعد قصة الفداء العجيب التي حققها لصالحه السيد المسيح بحياته وتعاليمه وصلبه وقيامته؟ ماذا استفاد الإنسان؟ وماذا تغير فيه؟ ماذا اكتسب وماذا خسر؟ إلى من انتمى وإلى من ينتمي الآن؟ إلى أين قادته حريته واختياره؟ يسوع انتصر على الشر والموت والشيطان في ذاته وفي الكون. ولكن هل انتصر على الشر والموت والشيطان في الإنسان؟ ما هي علامات ذلك؟ ولماذا نجد كل مظاهر الشر والعنف والموت في حياة الكثيرين من الناس؟ إنها حرية الإنسان يا سادة! فهو إما أن يختار الانتماء للرب يسوع المائت القائم، ويجعله يملك عليه ويغير طبيعته ويفدي حياته ويوجه سلوكه؟ وإما أن يستسلم للشيطان ويجعله يسيطر عليه ويمتلك حياته ويوجه سلوكه. وحده الإنسان بين كل الخلائق له الحرية لأن يعطي حياته لمن يشاء، ويجني ثمرة اختياره وحريته التي تذهب في الحقيقة لأكثر وأكبر وأبعد من مجرد حرية اختيار بين شيئين.إن علامة الفداء والمحبة والمسيحية الحقيقية هي المجانية. أن يتقبل الإنسان كل شيء من الله ومن الطبيعة مجانا بسخاء وشكر، وأن يهب كل شيء لله وللطبيعة ولأخيه الإنسان مجانا وبسخاء وشكر. فيتشبه بالله أبيه وبالطبيعة أمه. فلا خيار من أجل حياة سليمة، صحية، منسجمة ومتناغمة، خصبة ومحيية للإنسان وللطبيعة وللبشرية كلها، إلا بتخلص الإنسان مما تعلمه من الحية الشيطان وأعوانها في كل مكان وزمان من خصال وعادات وقيم شريرة مثل الأنانية والاستهلاكية واستنزاف الطبيعة والإنسان أخيه والله نفسه. فالثقافة الحديثة أنتجت إنسانا ذا عقلية تجارية، لا يفكر في شيء قبل أن يفكر فيما يعود عليه من ورائه، وفيما يكسبه منه، فلإنسان اليوم لكل شيء ثمن، ولا شيء مجانا وبدون مقابل، حتى خدمة الأخوة. هذه العقلية النفعية والتجارية هي عكس تماما المجانية التي يطلبها منا الله. حين أرسل الله الإنسان في الأرض وأعطاه سلطان عليها ليبنيها وينميها لم يكن قصد الله أن يتسلط الإنسان بالمعنى العنيف والأناني والشرير على الأرض والطبيعة بل أن يكون له رسالة عليها، ليشارك الله في إكمال خلقها ونموها بالمعنى الذي يريده الله ويعمل به الله في الكون والخليقة، رسالة نمو وتطور وخلق ومحبة وحضارة، وليس سلطة عنف وشر ودمار وهدر وموت.كم يحتاج إنسان اليوم إلى مراجعة ذاته في أولوياته الذاتية واختياراته الوجودية، وفي قيمه الأساسية وفي سلوكياته الأخلاقية وفي مبادئه الإيمانية، من أجل خلاص نفسه وبيئته ومجتمعه والعالم كله، فله الاختيار وله أو عليه النتيجة.بمحبة الله المجانية فدانا وخلّصنا، وفي المجانية، المُعاشة فيما بيننا، خلاصنا وخلاص العالم كله.

مشاركة :