المحدث الشيخ عبدالله بن يوسف الجديع صاحب المؤلفات العلمية المثيرة للجدل

  • 6/26/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عبدالله عيسى العباسي : نكمل معكم اللقاء الذي بدأناه بالأمس حول فضيلة الشيخ عبدالله بن يوسف الجديع و الذي وصلنا فيه إلى دخول الشيخ دولة الكويت، و نواصل هنا أهم المحطات في حياته العلمية و علاقته بجماعة جهيمان العتيبي التي اقتحمت الحرم المكي ، فإلى هذا اللقاء: س: يذكر بعضهم أنك كنت على صلة بجماعة جهيمان العتيبي التي اقتحمت الحرم المكي إبان تواجدك في الكويت، بل إن منهم من وصفك بمفتي جماعة جهيمان في الكويت، فما مدى صحة هذه الزعم؟ الجواب: لا، هذا زعم غير صحيح، كل ما في الأمر أنه كان لي تواصل مع مختلف أطياف الشباب المتدين والحريص على طلب العلم ونشر الدعوة، ومن هؤلاء بعض الشباب من أصحاب التوجه المتشدد، ممن كانت لديهم بعض السوداوية في نظرتهم للمجتمع، وأنه مجتمع منغمس في المعاصي ويجب اعتزاله، وكانوا يضخمون بعض المعاصي والمخالفات، وكان لبعضهم صلة بحركة جهيمان، والتي - حسب اطلاعي ومعرفتي - لم تكن حركة حزبية، ولا منتظمة، وإنما كانت فكرًا على الصفة المذكورة في هؤلاء الشباب المشار إليهم، يلتقي عليه معهم يومئذ كثيرون، ولا أخفي أنني عايشت طائفة من هؤلاء الشباب، وآكلتهم وشاربتهم، وكانوا مثالًا لصلاح الحال والصدق وأخذ النفس بالجد، وكان لي فيهم دور أخ ناصح ومعلم، وكنت أميل إلى العزلة، حتى أني في ذلك الوقت كنت قمت بتحقيق رسالة العزلة للإمام الخطابي، وكان أول تحقيق حديثي لي، إلا أني لم أنشرها حتى الآن. ] ولكن ألم يتأثر بعض هؤلاء الشباب المتشددين - إن صح التعبير- بفكر جهيمان ويصدقوا خدعة المهدي التي ادعاها محمد بن عبدالله القحطاني صاحب جهيمان؟ الجواب: نعم، تأثر بعض منهم بذلك، كما أشرت؛ لأنهم كانوا شبابًا مُتحمسين، فالتقوا مع جماعة جُهيمان في نظرتهم السلبية للمجتمع، الأمر الذي جعل بعضهم يغتر بدعوة جهيمان، فلما علم بقصة المهدي عزم على الرحيل إلى مكة لمبايعة المهدي المزعوم، وأذكر في هذا السياق أنه كان لي جهد مع فضيلة الشيخ الشاعر أحمد المعلم (من علماء اليمن)، وكان يعرف جُهيمان إذ كانا قبل ذلك جميعًا في المدينة المنورة، وكان المعلم وقتها طالب علم قوي ومؤصل، وبخاصة علم الحديث، فألف رسالة في إبطال مهدوية محمد بن عبدالله القحطاني، وبالتالي إبطال دعوة جُهيمان، وقمت بنفسي بكتابة هذه الرسالة، وكنا نقوم بنشر مضمونها بين الشباب الذين بلغهم أمر تلك الفتنة، فنذهب سوياً لبعض الشباب ممن علمنا أنه يريد الالتحاق بجماعة جهيمان حتى صار بعض أولئك يُحَذِّر منا لئلا نصرفه عما يريد، ووُفِّقنا بإثناء بعضهم والعودة بهم إلى جادة الصواب. س: حدثنا أكثر عن حياتك في الكويت؟ كم قضيت فيها؟ وهل اقتصرت على العمل في المكتبة أم عملت في أماكن أخرى؟ نعم، قضيت في الكويت ما يقرب من 15 سنة من عام 1978 إلى عام 1993م ما عدا أشهر قضيتها في المملكة العربية السعودية خلال فترة الغزو العراقي للكويت. وعملت بعد مدة من عملي في مكتبة الدار السلفية المذكورة آنفًا، في وزارة الأوقاف كإمام في مسجد عمرو بن العاص في منطقة الصباحية، وذلك لبضع سنين، وكانت لي بعض الدروس الخاصة التي درَّست فيها بعض الشباب علوم الآلة. كما نشطت في تأليف البحوث العلمية، حيث كانت فترة إقامتي في الكويت أشبه بفترة التثمير والتطبيق للعلم الذي تعلمته في العراق، وذلك بسبب غربتي ومعيشتي وحيداً دون مشاغل عائلية، وكذلك بسبب المجال العلمي والدعوي المفتوح والنشط الذي كانت تعرفه الكويت حينها، ومكتبتي الشخصية كانت كافية فيما احتوته من المراجع للبحث العلمي. ] حدثنا أكثر عن البحوث التي ألفتها في فترة إقامتك في الكويت، عن المشايخ الذين درست عليهم والمشايخ الذين قابلتهم، خصوصاً وأن تلك الفترة - كما ذكرت - كان تشهد نشاطاً دعوياً ملحوظاً في الكويت، هل انضممت إلى بعض الجماعات أو التكتلات الإسلامية الموجودة على الساحة هناك؟ الجواب: كتبت الكثير من البحوث، وحققت عددًا من الكتب المخطوطة، وكان أول ما نشر لي، رسالة بعنوان: كشف الستر عن أحكام زكاة الفطر، ومن البحوث بحث في مسألة القراءة في الصلاة، ومسألة اللحية، وبحث في ذم الغناء والمعازف، وبحوث أخرى كثيرة متفرقة، نشر بعضها. أما المشايخ الذين قابلتهم في الكويت، بل واستفدت منهم قليلًا أو كثيرًا، فكثيرون، منهم الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، والشيخان محمد وعمر ابنا سليمان الأشقر، كما قابلت الشيخ الألباني أثناء زيارته إلى الكويت، كذلك الشيخ زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي، والشيخ محمد جميل غازي، وسواهم. وأما بالنسبة لانتمائي أو انضمامي إلى بعض الجماعات والتيارات الإسلامية الفاعلة والموجودة في الكويت حينها، فإن مذهبي فيما يتعلق بالجماعات أني لم أر ولا أرى لنفسي الانضواء تحت تنظيم جماعة مُعينة مهما كان لها من صفة اتباع الحق وصدق النية، ولم يكن ذلك في حياتي كلها، مع أني من حيث المبدأ لست ضد الانخراط ضمن هذه الجماعات إذا كان بغرض تنظيم وترشيد العمل لأجل الدين والدعوة إليه دون عصبية، وكان القوانين السارية تسمح بذلك، لكني لا أستحبه لنفسي، حرصًا على الوقوف على مسافة متقاربة من كل الجماعات الإسلامية الموجودة في الساحة والتي تنتمي إلى الكتاب والسنة. ] هل من الممكن أن نصف عبدالله الجديع بأنه كان متشدداً في فترة إقامته في الكويت ثم تغير بعدها؟ لا، عبدالله بن يوسف الجديع، لم يتغير منذ أن كان في العراق إلى هذه اللحظة بما يصح معه أن يوصف بالتشدد والتساهل؛ لأن أهم درسٍ تعلمته ولا أزال أحفظه عن شيخي عادل بن كايد البصري كان التجرد لاتباع الدليل والدوران معه حيثما دار، فهو الذي حببني بالمنهج السلفي القائم على اتباع الدليل دون إهمال النظر في مقصده، كل ما في الأمر أن آرائي الفقهية لربَّما تغير الشيء منها مع زيادة الحصيلة العلمية وإعادة النظر في بعض المسائل مع ملازمة الثبات على المنهج، والحمد لله. كما تعلمت وعُلِّمت أن مذاهب أهل العلم، معظمة محترمة، محلها فوق الرؤوس، ولكن كل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -. وما ينتهي إليه البحث قد يوصف بالشدة أو السهولة، لا لكون صاحبه متشدّدًا أو متساهلًا، وإنما لأن منهج البحث والاستدلال هدى إلى ذلك، شأن المذاهب الفقهية المتبوعة، فالمذهب الحنبلي - مثلاً - قد يصفه بعض الناس بالتساهل في باب الأعذار والشروط، ولكنه ليس كذلك في غيرها في أبواب أخرى، والسبب أنه بَنى على مقدمات مُعينة في هذا الباب وذاك جعلت آراءه فيه أكثر يُسرًا من آراء بقية المذاهب، وهكذا يوجد في سواه، بما يكون نتيجة طبيعية لمقدمات البحث. فبالنسبة لي لست أعتبر نفسي متشدداً ولا متساهلاً بإطلاق؛ لما ذكرت أن الشأن في اتباع الدليل مع رعاية مقصده، وقد يُصدم بعض الناس حين يراني أشدد في مسائل يتساهل فيها كثير من العلماء، من ذلك - مثلاً - أني لا أُجيز الزواج بكتابية في البلدان غير الإسلامية؛ لما ظهر لي من ترجح جانب المفسدة على جانب المصلحة في مثل هذه الزيجات، وتحريم الزواج بنية الطلاق، وتحريم زواج المسلمة من غير مسلم، هذا مع إقامتي في بلد أوروبي غير إسلامي بريطانيا منذ عقدين من الزمن، فهذه الأمثلة تُعطيك مؤشراً على أنني لست مُتساهلاً، ولست أتتبع الرخص كما يظن بعض الناس، بل إني قد آخذ بالعزيمة أحيانًا وأضيق على نفسي في بعض المسائل، ولا أفعل مثل ذلك في حق عموم الناس. ] من المُلاحظ على الرغم من كونك لم تنضم إلى جماعة مُعينة أثناء إقامتك في الكويت، إلا أنك كنت تميل إلى المدرسة السلفية، فما سبب هذا الميل؟ وهل تأثرت أو تواصلت ببعض المشايخ السلفيين الكبار كالشيخ الألباني أو ابن باز والعثيمين؟ الجواب: نعم، كنت أنتهج المنهج السلفي منذ كنت في العراق وحتى الساعة، وأبقى عليه بإذن الله حتى ألقى ربي، ذلك أني أراه المنهج الصواب؛ لكونه ترجمة لاتباع الكتاب والسنة، وسبب هذا الميل أن دراستي في المدرسة الدينية في العراق كانت قائمة على التأصيل العلمي والتحرر من التبعية، فصحيح أننا كنا ندرس الفقه على المذهب الشافعي، إلا أننا كنا ندرسه كوسيلة للرسوخ العلمي لا كغاية في حد ذاته، بالإضافة إلى تأثري بشيخي عادل بن كايد البصري كما ذكرت، الذي كان له أثر كبير في تعريفي بمنهج السلف وتعلقي به. ونعم، تأثرت بمشايخ المدرسة السلفية، وكنت في فترة مبكرة متأثراً بتحقيقات ومنهج العلامة الألباني في الحديث، وذلك منذ وجودي في العراق، وكان أول كتاب قرأته له هو صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في طبعته الأولى. وكان شيخي عادل بن كايد مع تزكيته للشيخ الألباني وعلمه إلا أنه كان يخالفه في بعض منهجه في تصحيح وتضعيف الأحاديث. أما الشيخ ابن باز، فقد التقيته وحضرت له شيئًا يسيرًا من الدروس أثناء تواجدي في الرياض في مطلع التسعينات، بل وقبلها في زيارة لي للسعودية في أوساط السبعينات. وأما الشيخ العثيمين فكان تواصلي معه عن طريق جماعة من طلابي وأصحابي، كما زرت الشيخ في القصيم. كذلك وقعت لي صلة بآخرين من العلماء، منهم من لقيت، ومنهم من واصلت عن طريق بعض الأصحاب، فممن لقيت: الشيخ إسماعيل الأنصاري بالرياض، والشيخ أبو تراب الظاهري في جدة، والشيخ عبدالله بن حميد في الحرم المكي، والشيخ عبدالفتاح أبو غدة، وسواهم كثير، كما نزلت ضيفًا على الشيخ مقبل الوادعي في مطلع الثمانيات في قرية دماج في مدينة صعدة، واستفدت من مجالسته وصحبته في فترة الزيارة على قصرها. ] هل كنت متأثراً بالمدرسة الظاهرية في بداية طريقك في طلب العلم؟ وهل جالست أحداً من مشايخ الظاهرية أثناء إقامتك في السعودية كالشيخ ابن عقيل الظاهري أو ظاهرية الإحساء؟ الجواب: نعم، لفترة قصيرة، وكنت أسمي نفسي في بعض الأحيان: عبدالله بن يوسف الظاهري، ولكنها لم تكن ظاهرية بحتة، فأنا كنت وما زلت أرى ضرورة التمسك بظاهر النص مع عدم إغفال مقصده - كما سبق -، فالظاهر هو ما يعصم الإنسان من الزلل عند رعاية المقاصد؛ إذ رعايتها شأن عقلي قائم على النظر في المصالح والمفاسد، والعقل يرد عليه القصور والنقص. ومراعاتي للنصوص هي التي قادتني إلى السلامة - فيما أحسب - في كثير من التقلبات التي مررت بها، ونجتني من الكثير من الفتن كفتنة جهيمان في القديم، وفتن التطرف بشقيه التنطع والتميُّع في القديم والحديث، كما عافى الله بها من آفات التقليد والعصبية للمذاهب، والحمد لله. أما عن ملاقاتي لأحد مشايخ الظاهرية، فلم يحدث بيني وبين أحد منهم أي لقاء سوى الشيخ أبي تراب، كما تقدم، كما كانت لي صداقة مع بعض الأصحاب منهم من مشايخ الإحساء. ] الملاحظ لكتاباتك يجد لديك تمكناً ومتانة علمية في علم أصول الفقه، فما سبب ذلك؟ كذلك، ما سبب ميلك نحو الكتابة في المسائل التأصيلية في علوم الآلة ككتب: تيسير أصول الفقه والمقدمات في علوم القرآن وتحرير علوم الحديث، ثم ملت نحو الكتابة في مسائل عامة ككتابتك في الغناء والمعازف وإسلام أحد الزوجين؟ الجواب: السبب أن العلوم الشرعية يكمل بعضها بعضًا، ومنزلة علم أصول الفقه فيها منزلة الضروري؛ إذ عليه يبنى الفهم السليم والتنزيل الصحيح للنصوص الشرعية مواضعها اللائقة، إضافة لما رأيته من قلة الاعتناء بهذا العلم والتفعيل له، فحتى من يتلقاه فإنه لا يكاد يُعْمِله في الفقه، إلا قليلًا؛ لذلك فقد انقطعت متفرغًا لفترة أثناء إقامتي في الكويت لدراسة علم أصول الفقه من مختلف مصادره. أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، فمنذ بداية طلبي كنت حريصاً على التأصيل وتنقيح فهمي لعلوم الآلة، والحرص على إيصالها إلى طلاب العلم، فكانت بالنسبة لي دُربة عملية، وبخاصة علم الحديث من بين تلك العلوم؛ لأني أراه أساسًا حاكمًا في العلوم الإسلامية، بمثابة السُّلْطَة، على كل مادة دينية شرعية، ومن يفقد التمكن في هذا العلم يبقى فقهه ركيكًا، فهو يستدل بالحديث ولا يدري أصله. وقد كان الفضل لشدة اعتنائي وتعلقي به يرجع إلى توفيق الله عز وجل، ثم إلى شيخي أبي عمر عادل بن كايد البصري، فكنت أتابعه أسأله الأسئلة الدقيقة في علم الحديث وتمييز الصحيح من غيره. من ثَمَّ، وفي المرحلة التالية من حياتي، جاء وقت التطبيق للمعارف في الفروع العملية والمسائل التي أرى في الناس حاجة ماسة لبيان حكم الشرع فيها، فكان ما سميتم من البحوث عبارة عن بعض تلك الأمثلة، وما لم ينشر من نحو ذلك بعد كثير، أسأل الله أن يوفق لبثه في الناس، ويكون لهم مبصرًا وهاديًا. ] لماذا اخترت الهجرة إلى بريطانيا بالتحديد بعد خروجك من الكويت؟ الجواب: بصراحة، بريطانيا لم تكن الخيار الأول في بادئ الأمر، بل حاولت الهجرة قبلها إلى عدد من البلدان؛ منها اليمن، حيث حرص الشيخ مقبل الوادعي على إقامتي وحصولي على الجنسية فيها، ولكن دون جدوى، ولكن ساقني الله سوقاً إلى بريطانيا وبالتحديد إلى ليدز حيث أقيم منذ اثنتين وعشرين سنة، في أمان وعافية، والحمد لله.

مشاركة :