الجيش يقطع الطريق على مطالب مدنية الدولة في الجزائر

  • 5/8/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعكس انتقاد المؤسسة العسكرية في الجزائر بشكل مباشر وغير مسبوق للمعارضين السياسيين ووصفهم بالخونة والعملاء ملامح المرحلة السياسية القادمة، في وقت تستعد فيه البلاد لوضع دستور جديد يراهن الجزائريون على تبنيه مطالبهم بالقطع مع النظام السابق وآليات حكمه التي كان فيها الجيش نواة صلبة. الجزائر- شنت المؤسسة العسكرية الجزائرية هجوما قويا غير مسبوق، على الناشطين السياسيين المعارضين للسلطة، خلال تعليق حرره العقيد غجاتي في العدد الأخير من مجلة الجيش الصادر خلال هذا الشهر، وهو ما يوحي بأن قطيعة لا رجعة فيها بصدد التشكل بين العسكر كقوة صلبة في تركيبة النظام السياسي وبين المعارضة السياسية الراديكالية المنبثقة عن الحراك الشعبي. ولم يتورع التعليق الذي حمل عنوان “الويل لخونة الوطن”، في توجيه تهم الخيانة والعمالة لأطراف لم يسمها باسمها لكنه لمح لها من خلال “الاشتغال في شبكات التواصل الاجتماعي انطلاقا من بعض العواصم الأوروبية”، في إشارة إلى ناشطين سياسيين معارضين خارج البلاد. وذكرت مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة العسكرية) التي باتت تحمل تصورات المؤسسة العسكرية للوضع السياسي القائم، منذ تنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في مطلع أبريل العام 2019، وبروز النخبة العسكرية بشكل لافت في الواجهة بقيادة القائد الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، بأن “عندما نقول إن للجزائر أعداء يتربصون بها ويشككون في إنجازاتها وينتهزون الفرص للانقضاض عليها، ليس من باب المبالغة وإنما حقيقة ظاهرة للعيان لا ينكرها إلا الجاحد المتملق”. ويبدو أن مطلب “الدولة المدنية” الذي يرافع لأجله الحراك الشعبي منذ أكثر من عام، قبل تعليق الاحتجاجات السياسية بسبب تفشي وباء كورونا في مارس الماضي، يشكل مصدر إزعاج حقيقي للنخب العسكرية في المؤسسة، الأمر الذي يجدد الصراع الأزلي في الجزائر بين السياسي والعسكري لإدارة شؤون الدولة. ويعتبر مطلب “دولة مدنية وليست عسكرية”، المرفوع والمعبر عنه بقوة في الاحتجاجات السياسية التي عاشتها البلاد قبل شهر مارس الماضي، صلب القبضة الحديدية الدائرة بين السلطة الحاكمة وبين الشارع المنتفض، ويعبر عن بلوغ البلاد تحولا حساسا في مسارها السياسي، قد ينقلها إلى مرحلة جديدة في التاريخ، كما قد يبقيها تحت نفوذ العسكر. وذكر التعليق الوارد في العدد الأخير من المجلة، “لم يتقبلوا شعار (جيش شعب خاوة خاوة)، فأسرعوا ينبحون ككلاب مسعورة (دولة مدنية لا عسكرية)، وشعارات أخرى طبخت في مخابر أعداء الوطن لا تعبر عن حراك الـ22 من فبراير، ولا عن أخلاق الشعب الجزائري وشهامته، أكثر من ذلك ترويج الإشاعات أصبح هوايتهم المفضلة، ينقلون أدق التفاصيل عما يجري في لقاءات واجتماعات القادة العسكريين وكأنهم حاضرون معهم، فأعلنوا عن توقيف إطارات وتعيين آخرين في مناصب عليا، بل أبلغوا عن مرض البعض وموت البعض الآخر”. وظهر منذ سنوات ناشطون معارضون في عدة عواصم أوروبية، يزعمون اطلاعهم الواسع على تفاصيل دقيقة داخل المؤسسات النافذة في الدولة، ويشيرون إلى ما يصفونه بـ”الرجال الشرفاء” الذين يزودونهم بالوضع داخل تلك المؤسسات، بما في ذلك ما يصفونه بـ”خلفيات ودلالات الصراع بين الأجنحة داخل النظام الحاكم”، وهو ما يكون قد أخرج قيادة الجيش عن صمتها والتعبير عن موقفها في التعليق الوارد في العدد الأخير من مجلتها. تدخل الجيش الجزائري في ملامح الخارطة السياسية المستقبلية قد يفسح المجال أمام المزيد من تأزيم الأوضاع ويذهب تلميح التعليق الذي أثار موجة من الانتقاد على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى تضمين مفردات غير مسبوقة تنذر بقبضة حديدية بين قيادة المؤسسة العسكرية وبين ناشطين في المعارضة السياسية والحراك الشعبي، لاسيما وأنه أسس لقطيعة بين الطرفين قد تفسح المجال أمام تجاذبات سياسية في المستقبل فور الإعلان عن رفع تدابير الحظر الصحي. وذكر التعليق ذلك بالقول “شبكات التواصل الاجتماعي صارت مرتعا للكثير من الخونة وبعض الجهلة، يشوهون الحقائق ويختلقون الأكاذيب.. صفحات على فيسبوك، وفيديوهات على اليوتيوب، وانتهازيون متطفلون على النشاط الحقوقي.. أشباه الإعلاميين ومحترفو الكذب والتزييف، اللاهثون وراء الشهرة والمال ليسوا في الواقع إلا شرذمة مرتزقة”. كما يلمح إلى شكل ومضمون الدولة التي تريد السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، ومن ورائه نخب عسكرية نافذة، تشييدها ابتداء من مسودة الدستور المعلن عنها الخميس، والتي تضمنت بعض المراجعات المفصلية، كإلغاء ما يعرف بـ”الثلث الرئاسي” في مجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان)، والتشريع بالأوامر الرئاسية في فترات العطل النيابية وغيرهما. لكن يبقى مصير المطالب الأساسية المرفوعة في الحراك الشعبي، والمنقلب عليها بداية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 من ديسمبر الماضي، مجهولا في ظل الحملة الواسعة التي تشنها السلطة ضد الناشطين السياسيين، حيث يجري يوميا توقيف أو حبس عدد منهم، في خطوة تستهدف إشاعة أجواء خوف لدى الشارع قبل أي عودة إلى الاحتجاجات السياسية بعد انتهاء جائحة كورونا. ولا يزال العديد من الناشطين في السجن المؤقت أو بصدد قضاء العقوبة، بتهم تهديد الوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر، على غرار الناشط السياسي المعارض كريم طابو، وسمير بلعربي، وعبدالوهاب فرساوي، ورشيد نكاز، والعشرات من الناشطين أوقفوا مؤخرا.

مشاركة :