في معمل أدوية خاص في محافظة حمص في وسط سورية، يصل الدكتور رشيد الفيصل وموظفوه ليلهم بنهارهم، لإنتاج أكبر دفعة من عقار «هيدروكسي كلوروكين» المستخدم في البروتوكول العلاجي السوري لمصابي وباء كوفيد- 19. ويمسح الطبيب الستيني نظارته وهو يشرف على العمل. وكان معمله على غرار بقية معامل الأدوية في سورية توقف في السنوات الأخيرة عن إنتاج هذا العقار. لكن بعد تفشّي فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من ربع مليون شخص من أصل ثلاثة ملايين و570 ألف إصابة حول العالم، استأنفت ستة معامل إنتاج الدواء بعد حصولها على ترخيص من وزارة الصحة. ويقول مدير معمل ابن حيان للصناعات الدوائية لوكالة فرانس برس «لدينا رخصة لصناعة هذا الدواء منذ العام 2016. كنا ننتجه بكميات قليلة جداً تتناسب مع حاجة السوق لعلاج أمراض مثل الذئبة الدماغية». ويوضح أنّ «الطلب اشتدّ عليه بعد أزمة كورونا بشكل كبير وقمنا باستيراد المادة الأولية وبدأنا بإعداده». والكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين عقاران قديمان ضد الملاريا يستخدمهما أطباء في دول عدة في علاج مصابي كوفيد-19، إلا أن هيئات طبية في دول عدة أوصت بتجنّبهما، إذ لم تثبت أي دراسات سريرية فعاليتهما، وبسبب مخاطر حصول مضاعفات في القلب. في المعمل الكائن على أطراف مدينة حمص، يستنفر أكثر من 500 عامل وموظف وطبيب قدراتهم. يعملون في ما يشبه «حالة طوارئ» استثنائية. وأنهى المعمل حتى الآن تجهيز 12 ألف علبة دواء خلال المرحلة الأولى التي امتدت أسبوعاً. وتحتوي كل علبة على ثلاثين حبة، ويستعد حالياً لإنتاج أربعين ألف علبة خلال أيام. ويقول الفيصل «هذه الكمية تغطّي حاجة السوق وتزيد»، إذ يحتاج المريض علبة واحدة خلال فترة علاجه. وسجّلت المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سورية 44 إصابة بينها ثلاث وفيات، فيما أعلنت الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق البلاد ثلاث إصابات. ومنحت وزارة الصحة، وفق ما توضح مديرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة السورية الدكتورة سوسن برو لفرانس برس، رخصة إنتاج عقار هيدروكسي كلوروكين لستة معامل أدوية محلية، من أصل 96 معملا لصناعة الدواء، بعد المصادقة على بروتوكول علاجي يتضمن استخدام الكلوروكين. وتشير برو إلى تأثير كبير للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية على «كل القطاعات المساهمة في صناعة الدواء مثل تأمين المواد الأولية وتحويل الأموال وقطع غيار آلات المعامل». وتستهدف العقوبات مسؤولين ورجال أعمال وشركات وتحول دون القيام بعمليات تجارية. ولم يكن استئناف تصنيع العقار والحصول على مواده الأولية عملية سهلة. ويوضح الفيصل، الطبيب الذي أمضى عمره بين الأدوية والعقاقير، بينما وضع قفازات وقناعاً طبياً، «نحن في بلد محاصر، المعاملات المالية صعبة للغاية وكذلك الاستيراد والتصدير». وفيما الحدود رسمياً مغلقة وحركة المطار متوقفة نتيجة الوباء والعقوبات الاقتصادية محكمة على سورية، يتحفظ الفيصل عن ذكر كيفية حصولهم على المواد الأولية في عملية وصفها «بالمغامرة والمخاطرة». ويقول «كانت أكبر مجازفة أخوضها في حياتي.. كان من المحتمل أن أخسر الكثير». وروّج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مارس لعقاري الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين كعلاج واعد للفيروس و«هدية من السماء». وينقسم خبراء الصحة حول العالم بشأن فعالية هذا العلاج، مشيرين إلى أن له عوارض جانبية خطيرة. وبادرت الهيئات الصحية في دول عدة إلى حظر استخدامه للمصابين بالفيروس. لكن المؤيدين يعتبرون أن بإمكان الاستخدام المبكر لكلوروكين وعقاقير مشابهة المساعدة في التخفيف من حدة العوارض، وبالتالي التخفيف من الحاجة لنقل المرضى إلى قسم العناية المشددة. خلال الأسابيع الماضية، ارتفع الطلب على دواء هيدروكسي كلوروكين بشكل كبير ليس فقط في سورية، وإنما أيضاً في دول الجوار كلبنان والعراق. ويشرح الدكتور عبد الكريم درويش خلال جولة لفريق من وكالة فرانس برس داخل معمل ابن حيان أنّ «هدفنا مبدئياً هو كفاية حاجة السوق، ونحن على أتمّ الاستعداد لتصدير الفائض إذا سمحت الظروف بذلك». وتسبّبت الزيادة على الطلب بارتفاع سعر العلبة في السوق السوداء إلى أكثر من 100 دولار، بينما تمّ في السوق المحلية تسعير ثمنها بـ6800 ليرة سورية (أقل من 10 دولارات)، وفق درويش، وهو مدير حماية الجودة في معمل ابن حيان. ويعبّر درويش عن حماسه كون بلده ينتج «واحداً من أكثر الأدوية طلباً في العالم بأرخص الأسعار». تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :