فنانو كاريكاتير عرب يواجهون الوباء بالابتسامة 2020-05-09

  • 4/17/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الكاريكاتير أعرق فنون السخرية وأعمقها، فهو لا يكتفي بقراءة الأحداث والوقائع وترصّد الأزمات الإنسانية والجراح الغائرة تحت الجلد، إنما يتخطّى التسجيل والتعليق والتأريخ إلى مستويات تحليلية كاشفة، عبر كبسولات إبداعية مُكثّفة نابعة من قلب المأساة، لكنها مشحونة بالمفارقة والمرح والكوميديا السوداء. جاءت رسوم الفنانين العرب حول فايروس كورونا المستجدّ، الجاري تجميعها لتدشين معرض جماعي ضخم، وإصدار كتاب خاصّ، للتعبير عن وجوه الأزمة وتجسداتها التي طالت سائر أرجاء الكوكب الأرضي المُبتلَى بالوباء. وإذا كانت الفنون والآداب أبطأ من المقالات الصحافية في التعاطي مع الأحداث الجسام والمتغيّرات الكبرى والأمور الطارئة في الواقع، من حروب وثورات وأوبئة وظواهر طبيعية وكوارث بيئية وغيرها، حيث تتطلّب العملية الإبداعية مزيدا من الاصطبار والتأمل، فإن الكاريكاتير فن له طبيعة خاصة، نظرا لاقترانه عادة بالميديا منذ عهد الصحافة الورقية، والمواقع والصفحات الإلكترونية في العالم الرقمي الراهن. ومن ثم فإنه فن المواكبة اللحظية، وترمومتر الحرارة المجتمعية التي ترتفع وتنخفض تأثرا بما يجري في الحياة. وعلى الرغم من آنيته وقدرته الفائقة على اللهاث للحاق بالمستجدّات، فإن الكاريكاتير لا يقف عند الأسطح، فهو فن الجوهر والتعرية الكاملة وكشف الحقائق وتسمية الأشياء بأسمائها، بما يفوق إمكانات اللغة الكلامية، المقروءة والمسموعة والمرئية. مناعة استثنائية مع النشر الإلكتروني، من المفترض أن مساحة الحرية اتسعت أكثر، كما امتد فضاء التلقّي إلى أبعد مدى، بما منح فن السخرية حظوظا أخرى لم تكن متاحة له من قبل. واستنادا إلى ذلك كله، ليس غريبا اضطلاع العشرات من الفنانين العرب، خلال فترة وجيزة، بالمئات من الأعمال الكاريكاتيرية حول كارثة كورونا وتداعياتها الخطيرة وتمثلاتها المختلفة من عُزلة منزلية وحجر صحي وتوابع اجتماعية واقتصادية وغيرها من المظاهر والخسائر والتجليات التي اشتركت فيها البشرية كلها على نحو غير مسبوق. وتجسّدت في هذه الرسوم القيم الجمالية والخصائص التعبيرية الملائمة لفن السخرية الرفيع، الداعي دائما إلى التضافر الإنساني والصمود والمقاومة والتغلب على المحن بالأمل والبسمة والدعم الذاتي وبث الطاقة الإيجابية. هذه الإشعاعات الفنية والروحية كلها، يسعى الكاريكاتير إلى بلورتها كغايات وطموحات مشروعة من خلال مُبادرة “الملتقى العربي لروّاد الكاريكاتير” بإصدار كتاب خاص، وتنظيم معرض جماعي حول إبداعات ورسوم الفنانين المصريين والعرب المتعلقة بفايروس كورونا. الملتقى العربي لرواد الكاريكاتير ينتقي أعمال أكثر من مئة فنان تحت عنوان "معا نواصل الحياة.. ولا للاستسلام للجائحة" هل يمكن للفن أن يضيف من خلال البسمة والتندّر والمفارقة مناعة تخييلية استثنائية للوعي الإنساني والضمير الحي، إلى جانب رفع الروح المعنوية، وتغذية التفاؤل والمشاركة والتعاون، وترسيخ السلوكيات الصحية الآمنة، وتعزيز الصحة النفسية في ظل الانعزال ووقف الأنشطة الجماعية؟ يشير الكاتب الساخر عماد جمعة، مُؤسّس “الملتقى العربي لروّاد الكاريكاتير” وصاحب مبادرة المعرض الجماعي والإصدار الفني الخاص حول كورونا، إلى أن تحديات مواجهة الكارثة الوبائية غير المسبوقة في التاريخ الحديث التي يواجهها العالم ليست هينة. ويقول في تصريح لـ”العرب”، “للفن دور كبير، هكذا نأمل، ونعوّل على فنانينا المصريين والعرب من رسامي الكاريكاتير المتميزين، في تحويل تفاعلهم النابض العميق مع هذا الحدث الفارق إلى أعمال عالية القيمة الفنية من جهة، وذات طابع إنساني وتنويري من جهة أخرى، لدعم الأفراد والشعوب في رحلة التصدّي لهذا الخطر، وتخطّي هذه المرحلة بسلام”. هكذا، وتحت شعار “لا للاستسلام للجائحة.. معا نواصل الحياة”، استقبل “الملتقى العربي لروّاد الكاريكاتير” أعمالا لأكثر من مئة فنان مصري وعربي من سائر الأقطار، استعدادا لإطلاق المعرض الجماعي، ونشر الكتاب، ذلك الإصدار الذي يرجو جمعة أن يكون بمثابة “عمل موسوعي توثيقي تأريخي للجائحة، من خلال رؤى فنية لا تقف عند الرصد والتسجيل. إنما تقوم بفعل حقيقي وإيجابي من أجل استعادة الأرض حركتها، واسترداد الإنسانية نكهتها”. انصرفت أعمال الفنانين في مجملها بعيدا تماما عن كل ما هو سلبي ومحبط من أجواء المرض والعدوى والإصابات والمعاناة وما نحو ذلك، وجاءت مشعّة بالرغبة في التحدّي واستمرار الحياة المرحة ولو خلف الأسوار. ورسمت بانوراما للخرائط المجتمعية والممارسات العائلية والسلوكيات الفردية في ظل العزل المنزلي الإجباري والحياة الجديدة، وما يتعلّق بذلك من مفارقات ومواقف كوميدية وتفاصيل يومية، يتفجّر منها الضحك والدفء، مع عدم إهمال تثمين أهمية هذه التوصيات والتعليمات التي أكّد عليها الأطباء ومنظمة الصحة العالمية لتخطي المحنة سريعا بأقل الخسائر. ومن أبرز الفنانين المشاركين حضر من مصر كل من فوزي مرسي، نبيل صادق، أحمد عبدالنعيم، هاني عبدالجواد وسمير عبدالغني، ومن فلسطين أسامة نزال، ومن ليبيا الفنانان العجيلي العبيدي وعبدالحليم القماطي، والمغربي ناجي بناجي، واللبنانية دلال، والتونسي رشيد الرحموني، والعراقي حمودي عذاب والكويتي بدر بن غيث وغيرهم. والتقى الفنانون كذلك في منح أعمالهم ثقلا إضافيّا من خلال ربط الهمّ المجتمعي والإنساني بالقضايا السياسية، وتبعات مُمارسات بعض الدول محل الانتقاد، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب إبراز الخسائر التي تكبّدها العالم جراء نزاعات القوى العظمى، والمعارك العسكرية المسلحة، والصراعات الاقتصادية والثقافية، وغيرها من بؤر الاشتعال والأحداث الساخنة التي جاء الوباء ليجعل البشر يُعيدون النظر إليها وإلى أنفسهم وفق قائمة أولويات مُغايرة تُراعي التكاتف والتضامن.

مشاركة :