ليس أمرا خارقا التنبؤ بأنه ليس من المحتمل أن يذكر التاريخ «صفقة القرن» التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنها خطة السلام التي أنهت صراعا طال مداه، فقد كان هناك من قبل الكثير من مقترحات السلام الفاشلة لتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.وفيما يجمع المراقبون على أن الصفقة فشلت وتحولت إلى «متحف التاريخ»، يقول الدكتور سكوت أبرامسون مؤرخ الشرق الأوسط الحديث في تقرير نشرته مجلة ذا ناشونال إنتريست الأمريكية، إنه مع ذلك فإنه في التحليل الأخير، لن تكون لحكمة أو حماقة صانعي السلام المحتملين المكلفين من الرئاسة الأمريكية تأثير يذكر، طالما أن الطريق للسلام ما زال مغلقا بعقبة لا يستطيع أن يزيحها سوى تنازل مؤلم للغاية، ومن ثم غير محتمل تماما من جانب أحد طرفي الصراع: وهو تنازل إسرائيل عن هويتها كدولة يهودية أو تنازل الفلسطينيين عن حق العودة.ورغم أنه قد يبدو أن الأمرين غير مرتبطين بصورة مباشرة، فهما وجهان لعملة واحدة، وهما شطران لمنطق متعادل يتطلب التخلي إما عن غرض وجودي لإسرائيل (وهو توفير حكم ذاتي ومأوى آمن للشعب اليهودي) أو عن أعلى طموح للفلسطينيين (وهو العودة للأراضي التي فروا منها أو طردوا منها عام 1948 واستردادها).4 قضاياويؤكد أبرامسون أن المفاوضات التي جرت طوال العشرين عاما الماضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين كانت تركز على أربع قضايا خاصة بالوضع النهائي والتي كان يتصور أنه إذا تم حسمها ستؤدى إلى تسوية الصراع تماما وهي: حدود دولة فلسطينية ومصير المستوطنات في الضفة الغربية، والأمن الإسرائيلي، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، ووضع مدينة القدس.ويرى أبرامسون أن جوهر الصراع يتركز فقط على قضية اللاجئين الفلسطينيين (والقضية المصاحبة لها وهى هوية إسرائيل كدولة يهودية)، ويرجع أساس هذه القضية لحرب عام 1948 التي أسفرت عن وجود إسرائيل نفسها ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين.تضارب التفسيراتويقول أبرامسون إنه فيما يتعلق بحل الدولتين فقد كان لكل طرف تفسيره له؛ ويرى الفلسطينيون أن حل الدولتين سيقيم دولة فلسطينية فقط في جزء من فلسطين (أي في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967) ولكن سيسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين وعائلاتهم إلى باقي فلسطين (أى في إسرائيل نفسها).ويرى الفلسطينيون أن القانون الدولي لا يتطلب شيئا أقل من ذلك.وفي مفاوضات السلام توضح اللغة المحددة التي كان يصر عليها الطرفان أو يتجنبانها هذا التضارب في تفسير حل الدولتين، حيث اعترض القادة الفلسطينيون وكان ردهم كما قال نبيل شعث كبير المفاوضين السابق هو أن «السلطة الفلسطينية لن تعترف مطلقا بإسرائيل كدولة يهودية لأن مثل هذا الإعلان سوف يلغي حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لوطنهم».ولدت ميتةويقول أبرامسون إن «صفقة القرن» تبنت الموقف الإسرائيلي حيث تنص على أنه لن يكون هناك حق عودة لأي لاجئ فلسطيني أو استيعابه في دولة إسرائيل، ويتعين على القادة الفلسطينيين تبني السلام بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ولم تكن مفاجأة أن تؤكد الحكومة الإسرائيلية قبولها للخطة، وأن يرفضها الفلسطينيون تماما.ويختتم أبرامسون تقريره بالقول إن توقع أنه لن تكون إدارة ترمب وسيط سلام في الشرق الأوسط أمر واضح ، وأن «صفقة القرن» أثبتت في حقيقة الأمر أنها ولدت ميتة، وأن واشنطن عاجزة عن إنهاء معركة الإرادات المأساوية الدامية هذه ما لم يتنازل الإسرائيليون أو الفلسطينيون عما هو بالغ الأهمية بالنسبة لهما: الصهيونية أو حق العودة. وحتى يحين ذلك الوقت سيظل الطرفان محصورين بين مطرقة الصراع وسندان الحل الوسط.
مشاركة :