عبد اللطيف الزبيدي ما الذي يجري على صعيد الفلسفة في فرنسا؟ ثمة صفحة جديدة من الضروري الوقوف عندها، لأنها ستفتح أبواباً موصدة منذ رحيل سارتر. طوال العقود الثلاثة الأخيرة، مرّغ أدعياء الفلسفة الفرنسيون الصهاينة، أمثال برنار هنري ليفي، آلان فينكلكروت (اقرأها: فين كل الكروت؟) أنف الفلسفة والفكر في الوحول. لم يدعوا لقيم الفلسفة حرمة. الدعي الذي يجب أن تلاحقه محكمة الجنايات الدولية، لما اقترفت يداه من جرائم إزاء العراق، سوريا، ليبيا، أفغانستان، يوغسلافيا، وهو«برّ نارٍ» حقاً، ظلت وسائط إعلام فرنسية معلومة الغايات، تطبل له ولأشباهه طوال عقود. أحد أهم الفلاسفة الفرنسيين الحاليين، وأفضلهم من حيث الحفاظ على مروحة معقولة من المبادئ الإنسانية إزاء القضايا العادلة، ميشال أونفري (61 سنة)، قرر في هذه الحقبة الغريبة الأطوار، إصدار مجلة اسمها بعيد من الحكمة والبحث عن الحقيقة: «الجبهة الشعبية». العجلة من الشيطان، فلا تقل أين هذا الاسم من باريس؟ فقد سبقه جان ماري لوبان إلى تسمية حزبه «الجبهة الوطنية». حين سئل الفيلسوف: لماذا اخترت هذا الاسم؟ قال: «إنها جبهة مضادة للجبهة المبيدة للشعوب». يجب العودة إلى جذور«الشعبية» عند أونفري. في سنة 2002 أسس في مدينة «كاين» بالنورماندي، «الجامعة الشعبية»، التي كل محاضراتها بالمجان وللجميع. ظل منذ التأسيس يحاضر في الفلسفة وطلابه حشود، إنما بنظرة مختلفة، فعنوان كل محاضراته: «تاريخ الفلسفة المضاد»، من الفلاسفة ما قبل السقراطيين إلى العصر الحديث. بعبارة أخرى، سار على نهج الفلاسفة الكلاسيكيين، أولئك الذين يعمدون إلى تشكيل أتباع ومريدين وتلاميذ وأنصار فكريين. للرجل مشروع هو قلب الطاولة على رؤوس المفسدين في أرض الفلسفة الفاعلة التي لها رؤية مبدئية. حتى المجلة اختار لها شكلاً يفرض على القارئ الاحترام، هي بين المجلة والكتاب. هي لكل الأطياف من اليمين إلى اليسار. ليس فوضوياً لمجرد أنه لم ينس السترات الصفراء، وسيمد جسراً بين الفلسفة والعلوم من خلال دعوة الأقلام العلمية. يظن القلم أن الرسالة قد وصلت، فهذا الفيلسوف الفرنسي وسط رومانسية إيحاءات باريس، مصرّ على تشكيل جبهة لأنه يرى أن الكيل طفح، فلم يعد للعاقل غير أن يتحلى بشيء من الجنون لإعادة المجانين إلى ذرّة من الرشد. لزوم ما يلزم: النتيجة العجبية: لماذا كل هذا الكلام، والعالم العربي لا فلسفة فيه ولا فلاسفة، والجنون لدينا فنون؟ abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :