رمضان على مائدة الشعراء (الجزء الأول)

  • 6/26/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

رمضان على مائدة الشعراء (الجزء الأول) بقلم الشاعر: سعد بن عبدالله الغريبي يفرح المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها لقدوم شهر رمضان المبارك. كيف لا وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر العبادة التي وُكل أمر ثوابها إلى الخالق جل وعلا: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. لكن ما لفت انتباهي وأنا أبحث في هذا الموضوع أن تعبير الشعراء المسلمين عن بهجتهم بالشهر الكريم وحض بعضهم بعضا على صيامه وقيامه لم يظهر إلا متأخرا، فنكاد لا نجد في عصري الراشدين والأمويين شيئا من ذلك. أما في العصر العباسي فأكثر ما نجد أبيات الشعراء المجان والخلعاء وهم يعبرون عن تخوفهم لقرب الشهر الكريم، وما سيفرضه عليهم من حرمانهم المتع التي غرقوا فيها، وسأعرض هنا عنها صفحا،كما نجد بعض أبيات في تهنئة الخليفة بالشهر الكريم كما في أبيات الشاعر أبي بكر الصنوبري (ت 334 هـ) مهنئا بقدوم شهر رمضان : نلـــــت في ذا الصـــيام مــا ترتجيــــه      ووقـــاك الإلـــه مــا تتقيــه أنتَ في الناس مثل ذا الشهر في الأشـــــــــــهر أو مثل ليلة الـقدر فيـه ومثلها أبيات الأمير تميم بن المعز لدين الله مهنئا الخليفة العزيز بالله أول الخلفاء الفاطميين بمصر: ليهنك أن الصوم فرض مؤكد      من الله مفروض على كل مسلم وأنك مفروض المحبة مثلــه       علينا بحق قلتُ لا بالتوهـــم أما في العصور المتأخرة وإلى يومنا هذا فقد تبارى الشعراء مرحبين بالشهر الكريم وبهلاله وبلياليه وأيامه، ومعددين فضائله ومزاياه وموضحين حكمة فرضيته وضرورة العمل على تحقيق هذه الحكم.  كما نلحظ أن كثيرا من الأبيات والقصائد الرمضانية مجهول قائلوها، وكأن الناس حفظوها للاستشهاد بها في مناسبتها كل عام ولم يعنوا بمن نظمها. وغير قليل منها ضعيف فنيا، فهي لا تعدو أن تكون حكما وتوجيهات نظمت في قوالب شعرية.. يعلن  المؤيد لدين الله هبة الله الشيرازي المتوفى سنة 470هـ ( 1077م) عن فرحته بقدوم شهر رجب لأنه سيتلوه شعبان ثم رمضان، فيقول: ورحــمة ربــنا فينا تجــلت     وذاك الفضل من رب رحيم وليس سواه يسأل عن نعيم     إذا وقع الســـؤال عن النعيم أتى رجب يؤمم منك شمس الســـــــــعادة بدرها بدر العلوم ويأتي بعده شعبان شهر النــــــــبـــي الطاهر الطهر الكريم وشـــــــهر الله يتلوه وكل      يدل على أخي شــرف جسيم وهاهو الشاعر الأندلسي ابن الصباغ الجذامي يرحب بمقدم هلال رمضان ويحضنا على تعظيمه وإكرامه بتلاوة القرآن الكريم، فيقول :   هذا هلال الصوم من رمضان     بالأفق بان فلا تكـــن بالواني وافاك ضــيفا فالتزم تعظيمـه     واجعــل قِراهُ قراءةَ القــــرآن صُــمْهُ وصُنهُ واغتنم أيامــه     واجبر ذما الضعفاء بالإحسان ويرحب الشاعر السوري المعاصر محمود محمد كلزي بهلال رمضان فيقول: هـلَّ الهلالُ يفيض بالبشــرِ        متهادياً في زهوة العمـــرِ وضاء يومض من محاسنه        نور الهدى متألق السحر الكون هلَّـل ضاحكاً فرحـاً         متـلألئــاً متبسِّــمَ الثغـرِ حتى النسائم هينمتْ طرباً         تزجي البشائر أينما تسري وقد أبدع الشاعر ابن حمديس الصقلي (ت 527 هـ) في وصف هلال رمضان إذ شبهه بالصب الناحل الجسم بقوله: قلت والنـــاس يرقبون هلالا     يشبه الصب من نحافة جســـمه من يكن صائما فذا رمضان     خط بالنور للورى أول اســــمـه أما أديب العربية مصطفى صادق الرافعي فيعبر عن إحساسه بحلول الشهر الكريم بقوله: فديتـــك زائراً في كــل عـــــام       تُحَيّا بالســـلامة والســلامِ وتُقْبِلُ كالغمــام يفيــض حـــيناً       ويبقــى بعــده أثرُ الغمــامِ وكم في الناس من كلفٍ مشوقٍ      إليك وكم شــجيٍ مُســـتهامِ ويرحب الشاعر المصري ياسين الفيل في قصيدته (نَغَمُ اليقين) بشهر رمضان قائلا: رمضان يا نغم السماء ويا مدى        بالحــبِّ يخطــر بيننا بسَّــاما شـهرَ الصيام تحيةً من شــاعرٍ     عن كلِّ ما يؤذي المشاعر صاما وللشاعر المصري محمود حسن إسماعيل قصيدة جميلة يرحب فيها بمقدم شهر الصيام ويشبهه بالضيف الذي لا يكلف مضيفيه شيئا، يقول فيها: أَضَيْفٌ أنت حـَـلّ على الأنام    وأقسـم أن يُحَيــّا بالصيـام قطعت الدهـــر جَوّابــا وفيـّا     يعـود مزاره فـي كل عـام تُخيِّم لا يحد حمــاك ركــــن    فكل الأرض مهـــد للخيـام نسخت شعائر الضـيفان لمـا    قنعت من الضيافة بالمقــام ورحت تسن للأجواد شرعـا    من الإحسان علوي النظـام بأن الجــود حرمــان وزهـد    أعـز من الشراب أوالطعام ويمتدح الشاعر الجزائري المعاصر محمد الأخضر حلول  شهر الخير والرحمة فيقول: املأ الدنيــــا شــــعاعا         أيهــا النور الحبيــب  اســـكب الأنــوار فيها         مــن بعيـــد وقريــب  ذكِّـــر النـــاس عهودا        هى من خيـر العهـــود يوم كان الصوم معنى         للتســامى والصـــعود  ينشــر الرحمة فى الأر       ض على هذا الوجـــود ويقدم لنا أحد الشعراء موعظة بليغة يحثنا فيها على الاجتهاد في رمضان صياما وقياما حتى لا يدركنا الموت خاليي الوفاض: أدِم الصـــيام مـع القيـــام تعبـــــــدا       فكلاهمــــا عمــلان مقبـــولان قم في الدجـى واتل الكتاب ولا تنم        إلا كنومـــــة حائـــر ولهــــان فلربمـــــــا تأتـــي المنيـــة بغتـــــة       فتســـاق من فرش إلى أكفــــان يا حبذا عينان في غســـق الدجـــى        من خشــــية الرحمــــن باكيتان ولكاتب هذا المقال قصيدة بعنوان (رمضان) يقول فيها: رمضــانُ هَلَّ فمرحبا بهلالِـه    شــهرُ الهُدى والبِرِّ والغفرانِ شــهرٌ تَنَــزَّلَ فيه مُحْكـمُ آيِــهِ    تَهدي الأنَـــامَ لمنهــجِ الدَّيَّــانِ فيه الجِنــانُ  تفتَّحــتْ أبوابُها    وتُسَـــدُّ فيــه منافـــذُ النِّيــران فاغنم من الشهر الكريم نهارَهُ      بالصومِ والصلواتِ والقرآن والليلَ فاسهرْ خاشـعا متهجِّدا       متعوِّذا من ســِيرةِ الشيطان واشكرْ إلهكَ إذ أراكَ طريقَهُ       وهداك للإســلام والإيمــان أما الصاحب بن عباد (القرن الرابع الهجري) فينعي على من لا يعرف من الصيام إلا أنه حرمان فيقول: قد تعدَّوا على الصــيام وقالــوا    حُرِم العبد فيه حسن العوائد كذبوا، في الصــيام للمرء مهما    كــان مســـتيقظًا أتم الفوائــد موقــف بالنهـــار غير مريـــب   واجتماع بالليل عند المســاجد  وذمَّ معروف الرصافي من يقضون فترة المساء في تناول مختلف الأطعمة وكأنهم ينتقمون لجوعهم نهارا، وربما أكلوا في شهر الصيام أضعاف ما أكلوا في غيره، فلا يحققون حكمة الصوم، فقال: وأغبى العالمين فتى أكـــــــول     لفطـــنته ببطــنته انهـــزام ولو أني استطعت صيام دهري     لصمت فكان ديدنيَ الصيام ولكن لا أصـــوم صـــــيام قوم     تكاثر في فطورهم الطـــعام فإن وضح النهار طووا جياعـا     وقد هموا إذا اختلط الظــلام وقالوا: يا نهــــار لئن تُجـــعنا      فإن الليل منـــك لنا انتقــــام وناموا متخمــــين علـى امتلاء      وقد يتجشـــــؤون وهم نيــام فقل للصـــائمين أداءَ فــــرض      ألا ما هكذا فرض الصــــيام وللجوع أثر في رائحة فم الصائم، والتي هي عند الله سبحانه أطيب من رائحة المسك كما روى ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم وقد صاغ الشاعر محمد حسن فقي هذا المعنى بقوله: وعلى فمي طعم أحــس بأنــه          من طعم تلك الجنة الخضراءِ لا طــعم دنيانا فليس بوســعها          تقديــم هـــذا الطعـــم للخلفــاءِ ما ذقــت قط ولا شــعرت بمثله        أفـــلا أكــون بـــه من الســـعداءِ (يتبع)

مشاركة :