تعتبر الصور الفوتوغرافية التي التقطها المصور نصري فليحان لفلسطين مطلع القرن العشرين مكسبا حضاريا وثقافيا حقيقيا، حيث تقدم صورة من تاريخ البلد وتكشف خفايا عن واقعه الاجتماعي وعن جغرافيته ومظاهر الحياة فيه. لذا فإن عرضها يمثل رحلة تاريخية شيقة في خفايا بلد تعاقبت عليه حضارات عريقة. في ظل استمرار إجراءات التباعد الاجتماعي للحد من انتشار فايروس كوفيد – 19، كشف مركز “عكاسة” للتصوير الفوتوغرافي في جامعة نيويورك أبوظبي عن إصداره لمجموعة من الصور الرقمية التي تم التقاطها في فلسطين بين عامي 1912 و1924، لتكون متاحة للجمهور عبر موقعه على الإنترنت. وتضم المجموعة أعمال المصور نصري فليحان، وتقدم طيفاً واسعاً من الصور التي التقطها، وهو مصور قبرصي من أصل لبناني ولد عام 1891 وتوفي عام 1959، ودرس فليحان الهندسة المدنية في جامعة بوردو، وبعد تخرجه عام 1912 سافر إلى فلسطين وعمل هناك كمهندس. وعلى مدى السنوات اللاحقة تنقل فليحان بين الأردن وفلسطين ومصر والولايات المتحدة الأميركية للعمل في عدد من المشاريع، ومن بينها نفق هولندا في مدينة نيويورك. استخدم فليحان عدسته أثناء عمله اليومي كمهندس، خصوصاً خلال عمله في جنوب فلسطين، لتوثيق الحياة اليومية للعمال المشاركين في مشاريع البنية التحتية والتنقيب عن النفط، واستلهمت بعض صوره من أعمال المصورين الآخرين الذين عملوا في فلسطين في ذلك الوقت، ومن أبرزهم المصور الفلسطيني الشهير خليل رعد. كما تتضمن مجموعة فليحان أيضًا بطاقات عمل للعديد من أستوديوهات التصوير الفوتوغرافي في فلسطين ومصر والولايات المتحدة. وقالت ياسمين سليمان، مسؤولة الأرشيف في مركز عكاسة للتصوير الفوتوغرافي والتي عملت بدورها على المجموعة، “إن مجموعة الصور التي التقطها فليحان تحكي قصة حياته ومسيرته المهنية بين الشتات الشرق أوسطي في الولايات المتحدة، من مرحلة الدراسة في دول بعيدة مثل اليابان والفلبين والعودة لاحقًا إلى بلاد الشام، حيث ارتقت مهاراته المهنية وطور علاقاته مع مجموعة من القياديين في المجتمع الفلسطيني، منهم سليم أيوب وإسماعيل الحسيني، المسؤولان في غرفة تجارة القدس والجمعية التجارية للبنك الفلسطيني”. وأكدت سليمان فخرها بهذه المجموعة بشكل خاص، لأنها جاءت ثمرة لتعاون عابر للقارات، بين مالكة المجموعة حفيدة المصور فليحان جيل أوكيفي إدسون، وغي بوراك أمين مكتبة دراسات الشرق الأوسط والإسلام في مكتبة جامعة نيويورك – بوبست، وفريق تكنولوجيا المكتبات الرقمية في جامعة نيويورك، ومركز عكاسة للتصوير الفوتوغرافي. حيث تمت استعارة الصور لمكتبة بوبست ورقمنتها هناك بمساعدة الطالبة مارا لاسكي. ثم عملت سليمان بنفسها على البحث في الصور الرقمية وفهرستها بعناية بمساعدة من آمنة القبيسي الطالبة في جامعة نيويورك أبوظبي. وأضافت “إن نموذج عكاسة المرن في بناء مجموعاته، يمكّننا من العمل مع أفراد من العائلة أو مع المجموعات الفوتوغرافية الشخصية، من الذين يودون أن تتم أرشفة صورهم ومشاركتها رقمياً على موقع akkasah.org، بينما يحتفظون بالنسخ الأصلية المطبوعة. ونجد اليوم أكثر من 2800 صورة على الإنترنت هي نتيجة لمثل هذا التعاون بعد رقمنة الصور وإرجاعها”. يذكر أن عكاسة هو مركز التصوير الفوتوغرافي في جامعة نيويورك أبوظبي، حيث يستكشف التاريخ والممارسات المعاصرة للتصوير الفوتوغرافي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من وجهات نظر مقارنة. ويعزز المركز الدراسة العلمية لهذه التواريخ في حوار مع الثقافات والتقاليد الفوتوغرافية الأخرى من جميع أنحاء العالم، وذلك من خلال مجموعة من الأنشطة التي ينظمها، كما يدعم المركز عملية تطوير ثقافة التصوير الفوتوغرافي في دولة الإمارات.
مشاركة :