فيروس كورونا: كيف جهزت نفسي للوباء منذ عشرين عاماً؟

  • 5/11/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مصدر الصورةEmma RussellImage caption كان بيتر احيانا يستحم ثلاث مرات في الليلة الواحدة معايشة بيتر غوفين لرهاب الجراثيم منذ الطفولة جعلت منه شخصا مستعدا للتعامل مع فيروس كورونا. كان يعرف تماماً ما هي قواعد النظافة التي يجب أن يلتزم بها، وكانت لديه المهارات اللازمة لمنع خروج مخاوفه عن السيطرة. هذه قصة بيتر غوفين مع اضطراب الوسواس القهري الذي يعرف اختصارا باللغة الإنجليزية )OCD -Obsessive Compulsive Disorder ( كنت أجلس على أرضية المطبخ أثناء قيامي بمسح كيس من الحبوب باستخدام محارم تعقيم عندما تذكرت أنني كنت اجهز نفسي للتعامل مع جائحة كورونا منذ ما يقرب من 20 عاماً. في أولىسني المراهقة تم تشخيصي بأنني أعاني من الاضطراب الوسواسي القهري. لما يقرب من ثلثي فترة حياتي أعيش الخوف من الجراثيم، وكيفية انتشارها وكيف يمكنني أن أبقيها بعيدة عني وهذا ما يضعني في خانة السباقين من ناحية اتباع الإجراءات التي يجب على الناس حول العالم التقيد بها. تجنب الاتصال الجسدي مع أشخاص من خارج منزلي، وغسل يدي بعد لمس أي شيء لمسه شخص آخر، وتعقيم مشترياتي بعد العودة من السوبر ماركت هي أمور قمت بها طيلة حياتي، وبلغ الأسلوب الذي أتبعه في هذا الشأن درجة الكمال. أعرف أن الكثير من توجهاتي تقع في صلب المعرفة العالمية الجديدة حول فيروس كورونا. لكن ما أعيه أكثر من أي شيء آخر هو القلق الدائم الذي لا نهاية له والناجم عن عدم الشعور بالرضا تجاه سلامتك من العدوى. ويسأل الآلاف، وربما الملايين، من الناس حول العالم أنفسهم الآن أسئلة من قبيل: "هل اقترب مني ذلك الشخص في المتجر؟" و "هل غسلت يدي لمدة كافية؟" و"هل سيقتل هذا الصابون كل الجراثيم؟".مصدر الصورةEmma RussellImage caption المبالغة في فرك الايدي اثناء غسل الايدي من مظاهر هذا الاضطراب في منتصف القرن التاسع عشر، أطلق الأطباء الفرنسيون الذين كانوا أول من درسوا الوسواس القهري، اسم "جنون الشك" على هذا الاضطراب. كان هذا أفضل وصف على الإطلاق لما شعرت به في أحلك لحظات حياتي. ويبدو أن الكثيرين منا يواجهون شيئا من هذا القبيل الآن في مواجهة الوباء. تعرفوا على وسواسي القهري "أوليفيا" نحن على يقين إلى حد بعيد من أننا إذا حافظنا على مسافة التباعد وغسلنا أيدينا، واتبعنا قواعد الإغلاق سنتمكن من حماية أنفسنا. ولكن هناك دائما هذا القدر الضئيل ولكن المزعج من عدم اليقين والشك والقلق. إن المشاعر المزعجة الكامنة ولو كانت صغيرة هي التي تتركنا في حالة يقظة، لكن المشكلة فيها أنها قد تخرج عن السيطرة. وعلى ضوء تجربتي يطل الشك برأسه من التساؤل التالي: "هل انا نظيف بما فيه الكفاية؟" وبعدها تتفاقم المشكلة عندما يتساءل الشخص "هل سأتمكن يوما ما أن أعيش حياة طبيعية؟" وفي نهاية المطاف يصل الشخص الى المرحلة القصوى عندما يقول "لما حتى المحاولة؟".مصدر الصورةEmma Russell ترعرعت في كندا وعانيت من مشاكل في التحكم في القلق والخوف منذ مرحلة مبكرة من حياتي وعندما بلغت الثانية عشر من العمر تطور الأمر وباتت المشاعر التي تسيطر علي تتعلق بالنظافة والتلوث وخاصة ما له علاقة بالسوائل التي تخرج من أجساد البشر مثل قطرات اللعاب التي تخرج من أفواههم عند الحديث والجراثيم التي ينشرونها عندما لا يغسلون أياديهم بعد دخول دورات المياه وغير من البكتيريا الخطرة التي كنت أتخيل أنها تحوم حولي. لاحظت أسرتي في نهاية المطاف أنني أتفادى ملامسة بعض الأشياء مثل قبضة الباب ومفتاح الإنارة وفرك يدي أثناء غسلها لدرجة الاحمرار. لحسن حظي أن أسرتي تفهمت الأمر وساعدتني وكانت على استعداد لسماع هواجسي دائماً ورافقتني في رحلة المرور في دهاليز نظام الصحة العقلية المعقد. وفي نهاية المطاف دخلت مرحلة العلاج ووصف الطبيب لي أدوية مضادة للاكتئاب والتي أتناولها حتى الآن. وهذا العلاج إضافة إلى الاضطراب الذي أعانيه (الاضطراب الواسوسي القهري) اعتبرهما جزءاً من حياتي اليومية لكنهما تسببا باضطرابات كبيرة في حياتي خلال مرحلة المراهقة وأوائل العشرينات من عمري. فعندما كنت أعود من المدرسة الثانوية أو الجامعة كان همي الأساسي التخلص من الجراثيم التي علقت بي بدلا من الاهتمام بدراستي. أحياناً، كنت أقضي الليل كله وانا أقوم بغسل ملابسي أو الاستحمام للمرة الثانية أو الثالثة لأنني لم أصبح "نظيفاً بما فيه الكفاية". كنت لا اقترب من الأصدقاء لتفادي التلوث أولاً لكن الأهم كان خوفي أن يعرفوا أنني اختلف عنهم. خلال السنوات الخمس الماضية أو نحو ذلك كانت مشكلة اضطراب الوسواس القهري التي كنت أعاني منها تحت السيطرة لحد بعيد. لقد أصبحت أكثر خبرة في مواجهة مخاوفي والتغلب عليها. أحاول جاهداً التمييز بين المخاوف المفيدة، وتلك غير الضرورية أو المبالغ فيها. لقد استفدت بشكل كبير من وجود شريك صبور ومتفاهم، لكن يواجهني عند الضرورة.كيف يتعامل المصابون بالوسواس القهري مع انتشار كورونا؟ من المفارقات أن العديد من الأشخاص الذين كانوا يعانون بالأصل من مشاكل القلق أو رهاب الجراثيم قالوا إنهم يعانون من قلق أقل في الوقت الراهن مع انتشار الوباء. ربما لأن الآخرين اعتمدوا رؤيتهم للعالم، ويتخذون نفس الاحتياطات، ويتعلمون الآن التعامل مع التوتر الشديد بشكل منتظم. وهذا ينطبق علي إلى حد ما. ولكن الوباء حمل تحديات أو أعاد إحياء بعض التحديات الخاصة لي. عززت تحذيرات الصحة العامة حقيقة أن الجراثيم تنتقل بسهولة من شخص لآخر، حتى عندما نمر بجانب بعضنا البعض في الشارع. جعلتني إرشادات غسل اليدين أتساءل عن عدد المرات التي تركت فيها المغسلة غير نظيفة. ومثل تسوق المستلزمات اليومية واحدة من أعظم المشاكل التي ظهرت مجدداً في حياتي. رغم أن في ذلك الكثير من الهدر، إلا أنني كنت دائماً أفضل شراء الطعام المعد والمغلف مسبقاً، بدلاً من الخضار أو الفواكه أو الأطعمة غير المعدة التي قد تكون أياد أخرى قد لمستها إلى جانب أنني غير مهتم نسبياً بموضوع الطعام. وفي خضم أزمة وباء فيروس كورونا عدت إلى أقصى درجات الحذر التي التزمت بها في ذروة مشاكل الصحة العقلية التي واجهتها منذ حوالي عقد من الزمن. نصائح تحميك من التعرض لفيروس كورونا؟ الآن، عندما أحضر مشترياتي إلى المنزل من السوبر ماركت، أضعها في زاوية قليلة الاستخدام في شقتي، كما أتعامل مع حذائي الذي دست به على ضماد جرح مرمي في الشارع او على قطعة من العلكة. أغسل يدي وأضع جانباً المواد التي أثق أنها نظيفة، ثم أقوم بشكل منهجي بتنظيف باقي المواد بمطهر منزلي أو بسائل غسيل والماء ووضعها جانبا ثم أغسل يدي مرة أخرى، وأضع مشترياتي في الثلاجة أو المخزن. لا شيء جديد في ذلك، إنها عادات كنت آمل أن أدفنها إلى الأبد. ولست الوحيد الذي يعاني من مشاكل صحة عقلية جديدة أو أكثر حدة.مصدر الصورةEmma Russell وتشهد جميع دول العالم زيادة في الاتصالات الهاتفية طلبا للاستشارات النفسية منذ بدء الوباء. في الولايات المتحدة حذر بعض المتخصصين من أن نظام رعاية الصحة العقلية عاجز عن مواكبة الطلب المتزايد فما بالك بالبلدان التي لديها أنظمة رعاية أقل تطوراً. نصائح تحميك من التعرض لفيروس كورونا؟ بينما تدور المناقشات المتعلقة بفيروس كورونا أكثر فأكثر حول تخفيف إجراءات الإغلاق، فإن الاحتفاظ بمقاربة منطقية هادئة قد يكون أكثر أهمية وأكثر صعوبة من أي وقت مضى. بغض النظر عن موعد افتتاح المتاجر والمكاتب والمدارس، فإن شبح مرض كوفيد-19، وما يصاحبه من مخاوف وقلق ستخيم على كل أنحاء العالم لشهور قادمة. ولكن كما تعلمت من تجربتي في الفحص الذاتي ومراحل العلاج المتعددة على مدى سنوات، يمكنني القول إنه يمكن التحكم في القلق. في تجربتي كان من المفيد للغاية الإفصاح عن مشاعري بهدوء وصراحة للأشخاص الذين أثق بهم، سواء كانوا من المقربين إلي أو من الاختصاصيين. لقد خضعت لنوع من العلاج يسمى العلاج السلوكي المعرفي، أولاً في كندا عندما كنت مراهقاً وفيما بعد في المملكة المتحدة. والغرض من هذا العلاج المحدد من حيث المدة هو إعطاء المرضى المهارات التي يحتاجون إليها للتعرف على الأفكار أو الأفعال التي تجاوزت حدود المنطق أو المنفعة ودخلت نطاق الأذى أو الاضطراب واستبدالها. ومن الأفضل تعلم العلاج السلوكي المعرفي بمساعدة استشاري. ولكن هناك التقنيات التي يمكن للشخص تجربتها بنفسه، وقد تكون مفيدة لأي شخص. ومثال على ذلك وضع قائمة بكل الأشياء التي تقلق المرء وتفصيل سبب القلق في كل حالة وبما تشعر. ثم يمكن إلقاء نظرة على القائمة، ومحاولة التوصل إلى فهم الأسباب التي تؤكد الحقائق أن بعضها لا أساس لها، أو مبالغ فيها، أو قابلة للحل. وبالنسبة للأشخاص الخاضعين للإغلاق، يمكن أن يكون القلق مزيجاً معقداً من المخاوف الصحية وفقدان الدخل أو الأمان الوظيفي والعزلة الاجتماعية، وفقدان الجوانب الأكثر بهجة من الحياة. من خلال تحديد كل من هذه المخاوف بشكل منفصل قد ترى أنه يمكنك الحد من التوتر وتجاوز العزلة عن طريق إجراء مكالمات فيديو منتظمة مع العائلة أو مع الأصدقاء على سبيل المثال. أو التخطيط لعطلة صيفية كبيرة أو حفلة عندما تصبح الأوضاع أكثر أماناً. وقد تجد العزاء في نصيحة الخبراء الذين يؤكدون أن غالبية الأشخاص الذين يصابون بفيروس كورونا سيعيشون. وقد تشعر بالارتياح من الأدلة العلمية التي تؤكد أن صابون اليد العادي أو سائل الحمام يكفي لتنظيف البشرة، وأن غسل الملابس بالطريقة المعتادة يقضي على فيروسات الموجودة في الملابس. قبل كل شيء، يجب أن تتذكر أنه لا أحد منا يعاني من هذا الوباء بمفرده. في أسوأ أيامي، يمكن لشكوكي وقلقي القضاء على اعتدادي بنفسي وأرى نفسي غريباً وأحمقاً، وكأنني الشخص الوحيد على الأرض الذي ينتابه هذا الشعور، ولكن حالياً نشعر كلنا بآثار فيروس كورونا. قد يكون أحدنا يمر بفترة عزل ذاتي خلال هذه الأزمة. لكننا نقوم بذلك بشكل جماعي.

مشاركة :