عودة «فوضوية» إلى الحياة في أوروبا

  • 5/12/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع العودة التدريجيّة إلى «الوضع الطبيعي الجديد» في بلدان الاتحاد الأوروبي، وتفاوت التدابير بين البلدان، وفي داخلها، يبدو المشهد مستعصياً على المواطنين لقراءته بالشكل الصحيح، وتحديد المحظور والمسموح من الأنشطة. فالتدابير الألمانية مثلاً تتوزّع وتتفاوت بحسب الولايات، والفرنسية، وفقاً للمحافظات، بينما تختلف في إسبانيا بين الجزر والمقاطعات، وفي إيطاليا بين الأقاليم التي يتمرّد بعضها على القرار المركزي، ويفتح على حسابه خططاً وجداول زمنيّة لاستئناف النشاط الاجتماعي والحركة الاقتصادية.وفيما تتحرّك الحكومات بحذر شديد خشية عودة الوباء إلى الانتشار في موجة ثانية، يزداد القلق في أوساط المفوّضية الأوروبية التي تراقب كيف أن هذا التفاوت في التدابير ومواقيتها بين الدول الأعضاء يكشف عجز مؤسسات الاتحاد عن فرض الحد الأدنى من التنسيق بين البلدان، في أخطر أزمة تواجه الأوروبيين منذ الحرب العالمية الثانية.كانت الدنمارك أولى الدول الأعضاء التي أعادت فتح المدارس، بينما النمسا كانت السبّاقة في استئناف نشاط المتاجر، فيما تستعدّ ألمانيا للعودة إلى ملاعب كرة القدم. نصف الإسبان يخرجون منذ مطلع هذا الأسبوع إلى المقاهي في الهواء الطلق، بينما البلجيكيون لم يُمنعوا من التنزّه وممارسة الرياضات الفردية منذ بداية العزل، وفي إيطاليا لكل إقليم تدابيره ومواقيته التي غالباً لا تؤخذ سوى على محمل التوصيات.ويشعر مسؤولون في المفوضية الأوروبية بقلق من هذا المشهد، الذي يبيّن محدودية سلطة المؤسسة الأوروبية الكبرى على الدول الأعضاء، وينذر بمرحلة متعثّرة ومحفوفة بالمخاطر إذا عاد الوباء بموجة ثانية بدأت ملامحها تلوح في الأفق. ويعترف المسؤولون بأن المفوضية عندما وضعت خارطة لطريق العودة إلى الحياة الطبيعية، منتصف الشهر الماضي، حدّدت لذلك ثلاثة شروط: انخفاض كبير في عدد الإصابات الجديدة، وتجهيزات صحيّة كافية، وقدرة على مراقبة الوباء ومتابعة الانتشار عن طريق الاختبارات والتطبيقات الإلكترونية، لكنها لم تحدد معايير كميّة لاستيفاء هذه الشروط، وتركت للدول الأعضاء قرار الانتقال من مرحلة إلى أخرى. وها هي اليوم تجد نفسها عاجزة عن تبديد هذا الضباب الكثيف الذي يحيط بالإجراءات المتفاوتة بين الدول، وبلا صلاحيات للتدخّل من أجل توضيح الرؤية أمام المواطنين، وتكتفي بدقّ ناقوس الخطر والتحذير من التسرّع والعودة من المربّع الأول. ويعترف مسؤولون أوروبيون، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بأن التفاوت بين التدابير ومواقيتها، ورقعة تطبيقها داخل الاتحاد، «يكاد يقترب من الفوضى»، ويشعرون بالقلق، خصوصاً إزاء الوضع على الحدود الداخلية المقفلة حاليّاً تحت مراقبة الأجهزة الأمنية التي تفرض عقوبات على من يحاول عبورها لأغراض غير أساسية.ووصفت مفوّضة الشؤون الداخلية إيلفا جوهانسن، أمام البرلمان الأوروبي، يوم الخميس الماضي، وقف الحركة على الحدود الداخلية بأنه «مأساة كبرى بالنسبة لكثيرين»، وقالت إن عشرات الرسائل تصلها كل يوم من مواطنين يحتاجون للانتقال داخل الاتحاد، ويتعذّر عليهم ذلك. وذهبت جوهانسن إلى حد تشبيه الوضع بالستار الحديدي الذي كان قائماً بين شرق أوروبا وغربها في ظلماء الحرب الباردة. وأضافت: «لا بد من وضع حد لهذا الوضع بسرعة، لأن هناك 17 مليون أوروبي يعيشون أو يعملون في بلد غير الذي ولدوا فيه». ويتحدّث مسؤولون في المفوضية عن بوادر توتّر بين الدول الأعضاء بسبب هذا الوضع، خصوصاً فيما يتعلّق بتنقّل العمال بين بلد وآخر.وفي خضمّ هذه الرحلة الأوروبية الغامضة والحذرة نحو المستقبل، التي هي أشبه ما تكون بالعودة إلى الماضي، يخشى المسؤولون في المفوضية أن «يطلّ الصيف ومعه إجراءات جديدة مثل جوازات سفر من الدرجتين الأولى والثانية»، أي فتح الحدود أمام مواطنين، وإغلاقها بوجه آخرين من بلدان ضربها الوباء بقسوة أكبر. ويشيرون إلى أن النمسا مثلاً تسعى إلى سبل للسماح بدخول الألمان، وتقييد دخول القادمين من بلدان أوروبية أخرى، بينما تقدمت كرواتيا باقتراح لفتح معبر سياحي خاص للقادمين من تشيكيا. يذكر أن فرنسا كانت قد أعلنت منذ أيام فرض حجر صحي لأسبوعين على الوافدين إليها من الخارج، لكنها عادت عن قرارها، وسمحت لمواطني الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالدخول من غير حجر، ولم تحدد بعد تاريخاً لذلك.ويبقى اللغز الأكبر، الذي ما زال عصيّاً عن الفكّ بالنسبة للمواطنين الأوروبيين، ولحكوماتهم، هو ماذا سيحصل بالنسبة للسفر والتنقّل في الصيف الذي أصبح على الأبواب.

مشاركة :