قبل نحو شهر أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، أن الأزمة التي أوقد شرارتها انتشار فيروس كورونا المستجد، هي الأسوأ منذ الكساد العظيم الذي ضرب العالم عام 1929، مبينة أن تداعيات الفيروس ستفضي إلى انكماش اقتصادات 170 دولة في أنحاء العالم هذا العام، وقبل أربعة أيام تكرر الاستنتاج نفسه على لسان المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني، الذي أكد أن “أوروبا تواجه صدمة اقتصادية غير مسبوقة منذ الكساد الكبير في القرن الماضي”، وحتى نلمس حجم الأزمة بلغة الأرقام، فإن خسائر “كورونا” على المستوى العالمي فاقت أربعة تريليونات دولار، أي ما يعادل خسارة تتراوح بين 2.3 و4.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقاً لتقديرات بنك التنمية الآسيوي “إيه دي بي”.تدابير الحمايةفأزمة جائحة كورونا لم تستثن دولة في العالم من تداعياتها الخطيرة، والسعودية جزء من العالم، وقد أصابها ما أصاب غيرها من آثار الأزمة، لكن ما يميز السعودية عن دولاً أخرى غيرها، أنها سارعت مبكراً إلى اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير التي تحمي اقتصادها، ركزت أولويتها فيها على المحافظة على المستوى المعيشي لمواطنيها، وعدم فقدانهم لوظائفهم، على الرغم من أن أزمة كورونا أدت إلى فقدان الملايين لوظائفهم حول العالم، منهم 30 مليون موظف فقدوا أعمالهم في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حتى الأسبوع الماضي، وفي ألمانيا صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا ارتفع عدد العاطلين عن العمل بنسبة 13,2 بالمئة في أبريل الماضي، بسبب وباء كوفيد-19، في أكبر زيادة خلال شهر منذ 1991، بحسب وكالة العمل الاتحادية.فكما يرى فإن أزمة كورونا تشمل جميع الدول، وتلقي بأعباء ثقيلة على اقتصاداتها جميعاً، وبسبب الأزمة اتخذت حكومة المملكة اليوم (الاثنين)، إجراءات إضافية إيقاف شملت إلغاء بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر يونيو المقبل، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة بدءاً من الأول من شهر يوليو المقبل، بالإضافة إلى إلغاء أو تمديد أو تأجيل بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي؛ بهدف حماية اقتصاد المملكة، وتجاوز أزمة جائحة كورونا بأقل الأضرار الممكنة، كما أوضح وزير المالية محمد الجدعان.الظروف والدواعيولا ينكر أحد أن تلك الإجراءات الإضافية تعد إجراءات أليمة؛ لأنها ستتسبب في تغير نسبي في الحالة الاعتيادية للوضع الاقتصادي للمملكة ومواطنيها، ولكن يجب عدم إغفال الظروف والدواعي التي استدعتها، والفائدة التي ستنجم عنها، فهذه الإجراءات وإن كانت ضرورية ولا مفر منها لحماية المواطنين والمقيمين والاقتصاد من تفاقم الأزمة وتبعاتها فإنها اتخذت على قاعدة أقل الضررين، وهو ما بينه وزير المالية أن قيادة المملكة “أصدرت توجيهاً باتخاذ أكثر الإجراءات ملاءمة وأقلها ضرراً وأخفها حدة، وبناءً على ذلك فهي ليست الإجراءات الافتراضية التي قد تتخذها أي دولة غير السعودية وإنما أقل الإجراءات ضرراً وأكثرها ملاءمة، وهذه نقطة مهمة ينبغي وضعها في الحسبان عند تقييم آثار تلك الإجراءات.وإلى جانب حتمية هذه الإجراءات وضرورتها، فلا غنى عنها لحماية الاقتصاد السعودي وتجنيبه احتمالات أسوأ مثل الكساد، والكساد لمن لا يعرف ووفقاً لـ”ويكيبيديا” هو “شكل من أشكال الركود غير العادية، ومن سلبياته طول مدته وارتفاع كبير غير طبيعي في نسب البطالة، وانخفاض في الموجودات المصرفية وتقلّص الإنتاج بسبب ضعف القدرة الشرائية”، وعند تطبيق هذا المفهوم على السعودية فإنه سيؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة لمستويات عالية، كما سيؤدي إلى ضياع الإنجازات التي تحققت خلال الخمس سنوات الماضية، ومنها ارتفاع نسبة تملك المواطنين في الإسكان من 43 في المئة إلى 57 في المئة، ونمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنسبة 23 في المئة، وتوليد الاقتصاد لآلاف الوظائف للسعوديين، ما يستنتج منه أن الإجراءات المتخذة تجنب المملكة وشعبها هذا المصير الأكثر إيلاماً، وتمكنها من تجاوز أزمة كورونا بأقل الأضرار.
مشاركة :