كشفت تقارير حديثة أن نسبة كبيرة من الأسر في جميع دول العالم باتت تعاني من انخفاض مداخيلها بسبب أزمة فايروس كورونا المستجد، وأن وضعها المالي العام يتدهور بوتيرة سريعة، مما يجبرها على اللجوء إلى الاستدانة لتلبية احتياجاتها الأساسية. تعتمد الكثير من الأسر على الاستدانة لتوفير متطلباتها الأساسية في ظل الظروف العادية، وزادت تداعيات أزمة كورنا من إقبال الآباء والأمهات على الاستدانة بسبب فقدانهم لوظائفهم. وأظهر بحث أنجزه المعهد الوطني للاستهلاك في تونس سنة 2018 شمل أكثر من 3 آلاف رب أسرة، أن 27 في المئة من الأسر التونسية أي حوالي 757 ألف أسرة يعتبرون أن الاستدانة ضرورة يمليها ضعف القدرة الشرائية، و27 في المئة يرون أيضا أن الاستدانة هو ورطة يصعب الخروج منها، وأن 20 في المئة من العينة المستجوبة يعتقدون أن الاستدانة يمثل حلاّ لتحسين ظروف العيش. وتعتبر حوالي ثلثي العائلات التونسية، 1.8 مليون أسرة، أنه لا يمكن الاستغناء عن الاستدانة بجميع أصنافه وأنواعه ولا يمكنها أن تعيش من دونه. وأدى الحجر الصحي إلى ارتفاع نسب البطالة في جميع دول العالم، وتأثرت الملايين من الأسر من تداعيات جائحة كورونا، وقال علماء الاجتماع إن تعرض أرباب الأسر إلى فقدان وظائفهم بسبب هذه الجائحة ضاعف من إقبالهم على الاستدانة، نظرا إلى عدم قدرتهم على توفير احتياجات عائلاتهم. وأعلنت العديد من الدول العربية تخصيص مساعدات مالية لدعم الأسر المتضررة من إجراءات مكافحة كورونا، إلا أنها تظل ضئيلة لا تفي بأبسط المتطلبات الحياتية، خاصة في هذه الأزمة الصعبة التي أثرت على أغلب فئات المجتمع خاصة منها الفئات الهشة. وتوصلت دراسة بريطانية حديثة إلى أن أكثر من نصف الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال صغار يتوقعون أن يغرقوا في المزيد من الديون بعد انتهاء الحجر الصحي. وقال 57 في المئة من المشاركين في الدراسة التي حللت التأثير المالي للوباء على الآباء والأمهات، إنهم من المرجح أن يقترضوا المزيد من الأموال لتغطية نفقاتهم في الأشهر المقبلة. وأكد 43 في المئة من 1800 شخص بالغ شملهم الاستطلاع أنهم قلقون بشأن نفاد الأموال، في حين أن حوالي نصفهم تقريبا 48 في المئة لديهم مخاوف بشأن دفع الإيجار أو الرهن العقاري. ووجدت الدراسة، التي أجرتها جامعة لندن، أن الأمهات اللواتي لديهن أطفال دون سن 11 يبلغن عن مستويات عالية من القلق، مشيرة إلى أن النساء هن الأكثر تضررا خلال الوباء. وقالت “إن تأثير هذه الأزمة على رفاه الأشخاص كبير وعميق، لكن النساء يتضررن أكثر من الرجال من حيث الأمن المالي والرفاهية العقلية”. وأضافت “تحتاج الحكومة إلى التدخل لتقديم دعم مالي إضافي للآباء وضمان أجور وظروف لائقة للعاملين الرئيسيين أيضا، الذين هم أيضا أكثر عرضة لأن يكونوا آباء”. وقالت المشرفة على الدراسة ماري آن ستيفنسون “إن الوباء ضاعف من أوجه عدم المساواة القائمة بين الرجال والنساء”، ودعت إلى بذل المزيد من الجهد لمعالجة فجوة الأجور بين الجنسين. وأضافت “تشير النتائج إلى الضغط الهائل الذي تتعرض له النساء خلال أزمة كوفيد – 19 في المنزل مع أسرهن وفي القوى العاملة، لقد كشفت هذه الأزمة عن الظلم الاقتصادي والاجتماعي الكامن الذي تواجهه المرأة”. وأنجزت خبيرة الاقتصاد في جامعة مانهايم الألمانية ميشيل تيرتيلت، أبحاثا حول تأثير الجائحة على العاملين من الجنسين. وقالت إنه على الرغم من أن الركود الاقتصادي يكون عادة أشد وطأة على الرجال من حيث نسب البطالة، إلا أن هذه المرة أثرت عوامل عديدة على معدلات البطالة، أولها أهمية الدور الذي يؤديه الموظف. وكان نصيب النساء من البطالة أكبر نسبيا مقارنة بالرجال، وتجعل الفجوة في الرواتب بين الجنسين النساء أكثر تأثرا بالأزمات. ولفتت ناتشا مودار، التي شاركت في تأسيس مؤسسة “العالم الذي نريد” التي تهدف إلى التعجيل بإنجاز أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، إلى أن العاملات الشابات اللاتي يتقاضين أجورا زهيدة هن الأكثر تضررا من التبعات الاقتصادية لوباء كورونا. وساهم التفاوت في الأجور بين الجنسين في مضاعفة تأثير الوباء على النساء، فلم تفقد النساء وظائفهن فحسب، بل كن يتقاضين أيضا أجورا أقل مقارنة بالرجال، وفق هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي. وكشفت تيرتيلت أن التداعيات الاقتصادية للوباء كانت أشد وطأة على الأمهات والآباء العزاب أو المطلقين أو الأرامل، مؤكدة أن الأمهات والآباء العزاب عجزوا عن العمل في ظل الحجر الصحي، حتى لو كانوا يشغلون مناصب حرجة، فلن يتمكنوا من ترك أطفالهم في المنزل بمفردهم، ولا يمكنهم استئجار مربية أو ترك أطفالهم مع أحد من الجيران أو الأقارب. أكثر من نصف الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال صغار يتوقعون أن يغرقوا في المزيد من الديون بعد انتهاء الحجر الصحي وقد لا يتمكنون من تأدية وظائفهم من المنزل إذا كان لديهم أطفال يحتاجون للرعاية المستمرة. ولهذا أصبح أكثرهم عرضة لفقدان وظائفهم. وقالت الأستاذة المساعدة لسياسات الصحة العالمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن كلير وينهايم، إن جميع الجوائح لها تأثير متفاوت على الجنسين، مضيفة أن هذا الفايروس قد ساهم في فضح جميع أوجه انعدام المساواة المتجذرة في المجتمعات. وأفادت نائب الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد “نحن نتعلم الكثير على مستويات عديدة كيف تفضح هذه الجائحة ضعف وهشاشة مجتمعاتنا. وحذرت منظمة العمل الدولية من أن 1.6 مليار عامل في مجال الاقتصاد غير الرسمي، أي ما يقرب من نصف القوى العاملة العالمية، يواجهون خطرا مباشرا بتدمير سبل عيشهم. كما أن نسبة التحويلات المالية إلى البلدان النامية انخفضت بنسبة 20 في المئة”. وأوضحت “سيؤدي كل ذلك إلى ارتفاع في معدلات الفقر. في الواقع، قدر البنك الدولي بأن حوالي 49 مليون شخص قد يقعون في براثن الفقر المدقع”. وأشارت إلى أن النساء يقفن في خطوط المواجهة الأمامية لجائحة كوفيد – 19، ينقذن الأرواح كأول المستجيبات، ويجدن حلولا كمبتكرات، ويواجهن الجائحة كقائدات. وأضافت يموت الرجال من الفايروس أكثر من النساء، لكن النساء يتحملن وطأة هذه الجائحة بطرق أخرى، حيث تشكل النساء ما يقرب 60 في المئة من الاقتصاد غير الرسمي، ويكسبن أقل ويواجهن خطر الوقوع في براثن الفقر.
مشاركة :