* عندما عدتُ من بعثتي الدّراسية، وعُيّنتُ أستاذًا مُساعدًا في قسم اللّغة العربية، بكلية الآداب بجدة عام 1406هـ؛ كان الزّميل الكريم الدّكتور عبدالعزيز السبيّل يُنهي دراسته العليا في جامعة «إنديانا» بالولايات المتحدة الأمريكية، وعلمتُ أنّ أطروحته التي يُعدُّها عن فنِّ القصّة في الخليج العربي، وهو ميدان اقتحمه الزّميل السبيّل بكلّ ما يملك من أدوات علمية، حتى أضحى واحدًا ممّن يُشار إليهم في دراسات الأدب السُّعودي الحديث، ونشأت علاقة أخويّة وزمالة بيني وبينه. وأتذكّر أنه زراني مرّة حيث كنت أقيم في سكن دكاترة الجامعة، وألقى نظرة على مكتبتي المتواضعة، ورغب في استعارة بعض المصادر التي يحتاجها في دراسته. وذكرني أخيرًا بهذا الأمر الذي مضى عليه ما يقربُ من ثلاثين عامًا. ولعلّ مفتاح شخصية السبيّل هو تهذيبه، ولطفه غير المتكلف، واحترامه لمن يكبرونه سنًا. ولا أكون مبالغًا إذا ما ذكرت أنّ الانفتاح الذي لمسته، وغيري، في شخصيته هو ما تلقاه في البيئة العلمية التي نشأ فيها؛ فلقد كان والده، فضيلة الشّيخ محمّد السبيّل، إمام وخطيب الحرم المكّي الشّريف، من ذلك الجيل من العلماء الذين يؤمنون بالرّأي الآخر، ويتجسّد في سلوكياتهم، كما هو الشّأن أيضًا في شخصية سماحة الشّيخ عبدالله بن حميد، أوّل مسؤول عن شؤون الحرم المكّي الشّريف في حقبةٍ كانت المدارس الفقهية المتعدّدة تتجاور وتتآزر وتتواد، ويقرّ كلُّ عالمٍ وفقيه بمنزلة الآخر، وضرورة الاعتراف بفضله ومزاياه. * وعُيِّن الزّميل السبيّل رئيسًا لقسم اللّغة العربية في حقبة معالي الدّكتور أسامة شبكشي، وكانت فترة دقيقة، وتميّزت بكثير من الصّخب؛ ولكنّ الدّكتور السبيّل كان قادرًا على احتواء الجميع بما تنطوي عليه شخصيته من تسامحٍ وقدرةٍ على المثابرة والصَّبر. * لم تنقطع صلتي بالدكتور السبيّل؛ فبعد تعيينه وكيلًا لوزارة الثقافة والإعلام سنة 1426هـ، هاتفني ليخبرني برغبة معالي السيّد إياد مدني بأن أكون ضمن أعضاء مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة، وقد حمدت للزميل السبيّل أنه طوال مدة عمله وكيلًا للوزارة، التي حملت العبء الثقافي والفكري في بلادنا، حاول أن يكون بعيدًا عن الإثارة والصخب؛ بل يحمد له أنه كان يعتذر عن حضور دعوات النشاط الثقافي والأدبي متنبهًا إلى ضرورة الفصل بين عمله الرسمي وشخصية الأديب والمبدع فيه، إضافة إلى تواصله مع زملائه، وتفقده لأحوالهم، ومشاركته أفراحهم وأتراحهم. * وجمعني معه منذ حوالى سنتين مجلس أمناء جائزة محمّد حسن عوّاد، المنبثق عن النادي الأدبي الثقافي بجدة، والذي يضم في عضويته أيضًا رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة الأستاذ الدّكتور عبدالله عويقل السُّلمي، والأستاذ الدّكتور محمّد ربيع الغامدي، والزّميلة الدكتورة أميرة كشغري، إضافة إلى الإنسان الودود والقاص محمّد علي قدس، أمين المجلس. وكان التآلف من سمات هذا المجلس، الذي يحمل اسم واحدٍ من أبرز روّاد الأدب السّعودي، والذي يعتبر كتابه «خواطر مصرّحة»، الصّادر عام 1345هـ، أوّل بيان لأديب سعودي بعد توحيد المملكة العربية السُّعودية، وخلال هذه المدّة كنا نتجاذب أطراف الحديث بعد انتهاء الجلسات الرسمية للمجلس، فعرفت جوانب أخرى مضيئة في شخصيته. وكان ذلك من بواعث تذكري لمناقب والده، الذي أزعم أنني أعرف عنه وعن مجايليه من علماء وأئمة الحرم المكي الشريف الكثير الذي يحفز الأجيال اللاحقة على الاستفادة منه، والتأسي به، والسّير على مثاله. وأخيرًا يتم اختيار الدّكتور السّبيل أمينًا عامًا لهيئة جائزة الملك فيصل من قبل لجنة الجائزة التي يرأسها صاحب السّمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشّريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، وهو يخلف في هذه المؤسّسة العلمية والفكرية رائدًا ومؤرخًا وأديبًا كبيرًا؛ هو الأستاذ الدّكتور عبدالله العثيمين، الذي أمضى في خدمة هذه الجائزة العالمية المتفرّدة ما يقرب من ثلاثين عامًا، وأعطاها من علمه وجهده وصِلاته في العالم العربي والإسلامي والغربي الشّيء الكثير، ويمكنني القول إنّ السبيّل سوف يكون خير خلفٍ لخير سلفٍ. سائلين الله التوفيق على هذه الثقة التي يستحقها عن جدارة.
مشاركة :