ذكر بعض المفسرين في كتبهم أن الفوم هو الثوم، بينما لفظ الثوم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واضح وصريح، ولو كان غير ذلك لنطقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظة الفوم، وفي تفسير الجلالين قال الفوم هو الحنطة، وفي القاموس المحيط، قال: الفوم: هو الحنطة والحمص والثوم وسائر الحبوب التي تخبز. مدر للبول وورد ذكره في قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ). وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله: الثوم قريب من البصل، وفي الحديث الشريف: من أكلهما فليمتهما طبخاً رواه مسلم وابن ماجة والنسائي. وأهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام فيه ثوم، فأرسله إلى أبي أيوب الأنصاري، فقال: يا رسول الله، تكرهه وترسل به إلي؟ فقال: إني أناجي من لا تناجي. والثوم حار يابس، يسخن تسخيناً قوياً، ويجفف تجفيفاً بالغاً، وهو نافع للمبرودين، ولمن مزاجه بلغمي، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج وهو مجفف للمني، مفتح للسدد، محلل للرياح الغليظة، هاضم للطعام، قاطع للعطش، مطلق للبطن، مدر للبول، يقوم في لسع الهوام وجميع الأورام الباردة مقام الترياق، وإذا دق وعمل منه ضماد على نهش الحيات أو على لسع العقرب، نفعها وجذب السموم منها.. ويسخن البدن، ويزيد في حرارته، ويقطع البلغم، ويحلل النفخ، ويصفي الحلق، ويحفظ صحة أكثر الأبدان، وينفع من تغير المياه، والسعال المزمن، ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ومشوياً، وينفع من وجع الصدر من البرد، ويخرج العلق من الحلق، وإذا دق مع الخل والملح والعسل ثم وضع على الضرس المتآكل فتته وأسقطه وعلى الضرس الوجع سكن وجعه. وإذا دق منه مقدار درهمين وأخذ مع ماء العسل أخرج البلغم والدود، وإذا طلي بالعسل على البهق نفع. (انتهى كلام ابن قيم الجوزية). صحة الأبدان يستنبط من كلام ابن القيم أن الإسلام اهتم بصحة الأبدان والأجسام، فشرع الآدابَ الصحيةَ والوسائلَ الوقائية وحَضَّ على التطبب والتداوي وتلمس العافية، فإن لكل داء دواءً، ولكل مرض شفاءً، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فَقَالَ: تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ تعالى لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ. لقد بَلَغَ من مظاهر عناية الإسلام بالصحة، أنه وَضَعَ لها الوسائلَ الوقائية، والأساليبَ العلاجية، للمحافظةِ عليها، وتَوَقِّي الأمراضِ قبل حدوثِها، فالوقاية خير من العلاج.. والحقيقة أن موقفَ الإسلامِ من الصحةِ والوقايةِ وسلامةِ الأبدانِ موقفٌ لا نظيرَ له في أي دين من الأديان، فالنظافةُ فيه عبادةٌ وقُرْبَةٌ، بل فريضةٌ من الفرائض، إننا نجد كُتُبَ الشريعةِ في الإسلام تبدأ أولَّ ما تبدأ ببابٍ عنوانه الطهارة أي النظافة، فهذا أول ما يدرسه المسلم والمسلمة من فقه الإسلام. ضوابط لازمة واهتم الإسلام بصحة الأفراد و الجماعات، ووضع لها الضوابطَ اللازمة، وأمر بمراعاتِها والعنايةِ بها، لِيَشِبَّ الفردُ المسلمُ على المستوى الكريم اللائق به، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن أعمال قد يرتكبها البعضُ دون اكتراثٍ لنتائجها، مع أنها تُعَدُّ من أشد مصادر الأمراض خطراً، ومن هذه الأعمال: التبولُ والتبرُّزُ في الماءِ الراكدِ، والظلِّ الذي يجلسون فيه، والطرقِ والأماكنِ التي يرتادها الناس.. فقد قال صلى الله عليه وسلم : اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّ [رواه أبوداود وابن ماجه] ولقد عُنِيَ الإسلامُ بنظافة البيت وساحاتِه وأفنيتِه إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا - أُرَاهُ قَالَ- أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ[رواه الترمذي]. إن من عناية الإسلام بصحة الأجسام والأبدان تحريمَه المسكراتِ والمخدراتِ والمفتِّرات، وغيرِ ذلك مما له آثارٌ سلبيةٌ على الصحةِ العامة، كما أنه حرَّم إرهاقَ البدن بالعمل وطول السهر والجوع، لأي سبب من الأسباب إلا ما كان في طاعة الله سبحانه، فقد أنكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على رَهْطٍ من أصحابه أرادَ أحدُهم أن يقومَ الليلَ فلا ينام.. والثاني أن يصومَ فلا يفطر، والثالث: أن يعتزلَ النساء فلا يتزوج، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: أَمَا وَاللَّهِ إني لأَخْشَاكُمْ لله وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى [متفق عليه]، ذلك أن أفضلَ العملِ أدومُه وإن قَلَّ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلّ [رواه مسلم]. إرشادات قيمة كما رَغَّبَ الإسلامُ في العمل والنشاطِ والحركة، وحذَّرَ من التباطؤ والتكاسل، ودعا إلى رياضة الأجسام بالسباحة والرماية وركوب الخيل، وما شابهها من ألوان الفروسية، وللصحة مباحث وأقسام، وللرسولِ صلى الله عليه وسلم إرشاداتٌ قيمةٌ في كُلِّ منها، تحفظُ للإنسان صحتَه وعافيتَه، فمثلاً: حذَّر رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من تَرْكِ آنيةِ الطعامِ والشرابِ مكشوفةً عُرْضَةً للهواء.. وللحشرات الناقلة للأمراض، فقال عليه الصلاة والسلام: غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ [ رواه مسلم]، ونهى صلى الله عليه وسلم أن يتنفس الشاربُ في الماء بقوله: إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِى الإِنَاءِ [رواه البخاري] لأن هواءَ الزَّفِيرِ يلوثه ويُفسده، وسَنَّ للشارِب تقطيعَ الشُّرْب علَى ثلاثِ دفعات، يتنفس في نهاية كل منها خارجَ الإناء. ومن اهتمام الإسلام بصحةِ جهازِ الهضْمِ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم حذَّر من مَغَبَّةِ النَّهَمِ، والأكلِ الكثير، وإدخالِ الطعامِ على الطعامِ، فقال صلى الله عليه وسلم: مَا مَلأَ آدَمِىٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ [رواه أحمد والترمذي]، ونَهَى عن النوم عقبَ الأكلِ لأن ذلك يورث عُسراً في الهضم، ويسبب للنفس غماً وكدراً، فقال صلى الله عليه وسلم: أذيبوا طعامَكم بذكر اللهِ والصلاةِ، ولا تناموا عليه تغفل قلوبُكم.
مشاركة :