تزخر الثقافة الشعبية المصرية بالعديد من العناصر والموروثات الثقافية التى استطاعت الجماعة الشعبية تنقلها من جيل لجيل، والتى تتمثل في العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية، التى تعبر عن التركيبة الثقافية للشعب المصرى، والتى ظلت راسخة في الوجدان الشعبى على مر العصور، وخلال شهر رمضان المبارك، سنحاول تقديم لمحة للقارئ عن أهم العناصر الثقافية التى تميز بها الإنسان المصرى عبر العصور، ولا نزال نستخدم بعضها حتى الآن.الكثير منا لا يستطيع أن يبدأ يومه دون شرب فنجان من القهوة أو يدخن سيجارة حتى يستطيع أن ينهض ويستفيق من نومه، فهل هذه العادات جديدة على المصريين، بالطبع لا، فهى قديمة قدم نشأة الحضارة، وفى هذه الحلقة من حلقات «شعبيات» سنتعرف على عادات المصريين والذين يبدءون يومهم بفنجان قهوة والغليون.ويقول «إدوارد لاين». في كتابه «عادات المصريين المحدثين». «يكتفى معظم المصريين عادة بتناول فنجان القهوة وبتدخين الغليون «البيبة» حتى الظهر، فإذا تناول بعضهم الفطور فتكون وجبة خفيفة لا تثقل معدتهم، والتى تتكون من الخبز والبيض والزبد، والفول المدمس، والذى يتم سلقه طيلة الليل في وعاء من الفخار، ويضاف إلى الفول الزيت والزبد وعصير الليمون، بالإضافة إلى «الدُقة» والمصنوعة من الخليط الخبز والملح والفلفل مع قليل من الزعتر أو النعناع والكمون، وتؤكل «الدُقة» مع الكزبرة والقرفة والسمسم والحمص، وتغمس في طبقها لقمات الخبز.ويستغرق «لاين» في وصف الغليون «البيبة». والتى كانت جزءًا لا يتجزأ من عادات المصريين، حيث يحتفظ المدخن بتبغ البيبة لاستعماله اليومى في كيس مصنوع من الحرير، ولهذا الكيس جيب صغير فيه صوان ومادة سريعة الاشتعال، وكان المدخن يحمل الكيس في صدره، وكان يتراوح طول البيبة عادة، والتى كانت تعرف بـ «الشابوق» و«العود» بين أربعة وخمسة أقدام، وكان الغليون الخشبى هو الأكثر شيوعًا في مصر، وكان العديد من المصريين يستعملون البيبة الحمراء، وكان وعاء البيبة مصنوع من الطين المطبوخ الأحمر أو البنى، ومزودة بقطعتين من الكهرمان الفاتح، ومنها من كان مرصعا بالذهب المصقول والعقيق واليشب والعقيق الأحمر، وكان يتراوح سعر البيبة الواحدة في مطلع القرن الـ ١٩ بين جنيه وثلاثة جنيهات إسترلينية ويدخنها أبناء الطبقة المتوسطة.أما التبغ الذى كان يدخنه الأغنياء فكانت رائحته زكية، وكان يأتى معظمه من مدينة اللاذقية في سوريا، وكان أفخر أنواعه هو «التبغ الجبلى» المزروع في تلال المدينة، كما كان يلجأ بعض المصريين إلى استخدام الغليون الفارسى، وهو ما يعرف بـ «النرجيلة». والتى يدخنها أبناء الطبقات الميسورة، وهى المصنوعة من «النارجيل» أى الجوز الهندى، ومن هنا نشأت كلمة «جوزة».أما القهوة فكانت غالبا ما تشرب دون أن يضاف إليها سكر أو حليب، والمصريون مولعون باحتساء القهوة الصافية القوية المذاق ولا يحبون تحليتها بالسكر، وميسورو الحال كانوا يضعون عليها «العنبر» فكانت توضع قطعة صغيرة من العنبر في قعر الفنجان، ثم يقومون بصب القهوة عليها، فكانوا يتفننون في صنعها، وأيضًا الفناجين التى كانت توضع فيها، والتى غالبًا ما كانت تصنع من الخزف الصينى أو الهولندى، وكان هناك نوع آخر يسمى بـ«الظَّرَف». وهو مصنوع من النحاس أو الفضة، وكان لا بد أن يتم تسخين الماء أولًا ثم يوضع البن الطازج إليها ويتم تحريكه، ويوضع المزيج بعد ذلك على نار هادئة حتى تبدأ القهوة في الغليان، وترفع بعد ذلك لتصب في الفناجين والقشدة تعلو سطحها.
مشاركة :