تجمع الأوساط الاقتصادية والمالية اللبنانية أن البلاد باتت على أبواب انهيار اقتصادي وشيك أكثر من أي وقت مضى مع انحسار هوامش تحرك الحكومة لتصحيح المسار خاصة وأن خطة الإصلاح المعلنة تكرس الخيارات السابقة في التعامل مع الأزمات المزمنة وتزيد من تعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. اعتبر خبراء لبنانيون أن خطة الإصلاح الحكومية، التي تم إقرارها نهاية الشهر الماضي غير مجدية لأنها تصف اقتصاد البلاد بأنه “في حالة من السقوط الحر ويحتاج لحزمة إنقاذ مالي للجم الركود”. ويعاني لبنان من أزمة وضعته على بوابة الانهيار، ولكن الخطة تكريس الخيارات الاقتصادية السابقة، والقضاء على الطبقة الوسطى. وتحاول الخطة تأمين الدعم المالي من مصادر خارجية متعددة منها صندوق النقد الدولي بنحو 10 مليارات دولار، ومؤتمر سيدر بنحو 11 مليار دولار ومن موارد أخرى مثل قروض وهبات ثنائية مع الدول والصناديق والمؤسسات المانحة. ويقوم برنامج الخطة الإصلاحية للحكومة على إلغاء ربط العملة المحلية، حيث وُضعت الخطة على تقدير 3500 ليرة مقابل الدولار، معتبرة أن القدرة التنافسية سوف تتحسن إذا ما تم تعديل سعر صرف الليرة حسب سعر السوق. ويؤكد الخبير الاقتصادي حسن مقلد أن البلاد في حالة انكماش اقتصادي وعلى بوابة الانهيار الاقتصادي وهناك أشكال قد تكون أسوأ بكثير مما نراه الآن لو حصل الانهيار بشكل كامل، عندما تنتفي أية إمكانية لأي نشاط اقتصادي. ونسبت وكالة الأنباء الألمانية لمقلد قوله إن “الخطة تحرك الاقتصاد ولكنها تحدث انقساما طبقيا هائلا في البلد وفقرا هائلا ينهي الطبقة الوسطى نهائياً”، معتبراً أنها “تكريس لكل الخيارات الاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى هذه الحالة”. وأوضح أن الخطة غير قابلة للتنفيذ بسبب شروطها القاسية لدرجة أن أحداً لن يتحملها من اللبنانيين، ولا حتى السياسيين، لأنها تحمّل الخسائر للناس. وهناك قناعة راسخة بأن هناك خيارات بديلة، ولكن كل الخيارات الأخرى تطال مصالح السياسيين والمتحكمين في البلد، والخطة كما أقرت هي الخيار الوحيد الذي يطال الناس ويسمح لسيطرة المتحكمين في البلد أن تستمر. ويرى الخبير أن استعادة الأموال المنهوبة بحاجة إلى توافق سياسي وبحاجة إلى عمل طويل، ولكن الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج وتخص شخصيات نافذة يمكن استرجاعها، ليس عن طريق مصادرتها، بل إعادتها إلى المصارف اللبنانية. ويقوم برنامج الخطة الإصلاحية للحكومة على إعادة هيكلة شاملة للنظام المالي وإجراء تعديل مالي كبير على مراحل يركز على تحسين الامتثال الضريبي واعتماد إصلاحات ترمي إلى تعزيز النمو، ووضع أجندة لإصلاح القطاع الاجتماعي ووضع استراتيجية لمكافحة الفساد وتوفير المساعدة المالية الدولية بشروط مواتية. ويعتبر البعض أن نجاح الخطة الإصلاحية التي أقرتها الحكومة يعتمد على إصلاح سياسي يواكبها، وعلى استنباط خيارات بديلة عن الاعتماد بشكل كامل على صندوق النقد الدولي. وقال الباحث الاقتصادي زياد ناصرالدين لوكالة الأنباء الألمانية إن “المشكلة تكمن في غياب البنيان الاقتصادي منذ 1992، وكذلك غياب الهيكلية الاقتصادية واليوم نشهد انهياراً كاملاً للمنظومة المالية والنقدية، التي تم تأسيسها في ذلك الوقت ووصلت إلى أسوأ نتائج هذا العام”. وأشار إلى أن الخطة الاقتصادية حددت أرقام الخسائر في لبنان، وهي لا تحاكي اقتصادا إنتاجيا بل انطلقت لتحاكي صندوق النقد الدولي والدائنين، مؤكدا أنه لا يمكن معالجة الاقتصاد بالأرقام بل بالبرامج والتحفيزات. وأضاف “من حقنا أن يكون لدينا خيارات بديلة عن صندوق النقد الدولي، ومنها التوجه إلى الشرق والتحفيزات الصناعية لجذب مستثمرين لبنانيين من الخارج وحمايتهم، واستعادة إيرادات الدولة كالأملاك البحرية، وهيكلة فوائد الدين العام، وإلغاء السرية المصرفية، واستعادة الأموال المنقولة”. ورأى أن الخطة الاقتصادية يجب أن تحاكي الواقع الإنساني والاجتماعي، ولكن ما يحصل اليوم هو التوجه إلى صندوق النقد للحصول على الأموال وصندوق النقد لديه وصفات جاهزة، وهي وصفات مقلقة. واعتبر ناصرالدين أن أخطر ما في هذه الخطة هو تحرير سعر الصرف وأن حجم الفساد بحاجة إلى حل من خلال خطة اقتصادية متكاملة مع النقد والمال، حيث يجب أن يكون المال والنقد في خدمة الاقتصاد وليس العكس. ويعاني لبنان من انكماش اقتصادي يقارب 13 في المئة ومن تفاقم معدل التضخم ليصل إلى أكثر من 50 في المئة، ومن تدهور في سعر صرف الليرة مقابل الدولار حيث بلغ حوالي 4200 ليرة لبنانية للدولار في السوق السوداء. وقال المحامي هشام الخوري إن “خطة الإنقاذ الاقتصادية تتضمن بعض البنود التي تعد أساسية للنهوض بالوضع وأهمها محاربة الفساد، ولكن تنفيذها غير ممكن في ظل النظام السياسي الذي يقوم على أساس المحاصصة الطائفية. وشكك في نجاحها إلا إذا ترافقت مع إصلاح سياسي يتمثل بإقامة نظام مدني علماني بعيداً عن المحاصصة الطائفية، لأن كل طائفة تحمي فاسديها في ظل النظام الطائفي القائم في لبنان. ويقوم برنامج الخطة الإصلاحية للحكومة على إعادة هيكلة شاملة للديون، حيث تشير التقديرات إلى أنها بلغت بنهاية العام الماضي نحو 90.2 مليار دولار موزعة بنسبة 63 في المئة للدين بالليرة اللبنانية و37 في المئة للدين بالعملات الأجنبية. وفي ظل الوضع القائم يشعر اللبنانيون بقلق كبير على مستقبلهم، ويرفضون تحمّل تبعات الأزمة الاقتصادية، ويأملون أن تتمكن الحكومة من إنقاذ اقتصادهم من الانهيار الشامل. ويؤكد معظم التجار أن ارتفاع الأسعار مرتبط بارتفاع سعر صرف الدولار، وقد أثرّ ذلك على حركة البيع فانخفضت بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40 في المئة. ويقول روجيه صاحب أحد المتاجر الصغيرة في منطقة المتن الشمالي في جبل لبنان، إن الأسعار بدأت بالارتفاع منذ ديسمبر الماضي، بحدود 5 في المئة إلى 10 في المئة، ولكنها ارتفعت بشكل كبير منذ حوالي أسبوعين بين 30 إلى 50 في المئة وبعضها ارتفع بنسبة أعلى من مئة في المئة. ومنذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في لبنان في أكتوبر الماضي، بلغت نسبة المؤسسات التي أقفلت أبوابها وصرفت العاملين فيها 30 في المئة في حين أن 20 في المئة من المؤسسات تدفع نصف راتب. وليس لمعظم المواطنين ثقة في برنامج الحكومة لأنهم يعتقدون أن الخطة المعلنة غير قابلة للتنفيذ وأنهم لا يستطيعون تحمل خمس سنوات أخرى حتى تتعافى الأوضاع. وإلى جانب كل تلك المشاكل، يعاني القطاع المصرفي من شلل تام، فضلا عن ارتفاع معدل الفقر، الذي يتجاوز عتبة الـ45 في المئة من تعداد السكان البالغ نحو 7 ملايين نسمة، إلى جانب ارتفاع نسبة البطالة لتفوق 35 في المئة.
مشاركة :