إن الابتلاء من الله بما ينزله بالعباد في الدنيا من فقر أو مصائب أو مرض، مما قد يصابون به في الدنيا من حوادث مؤلمة، وهم لا يعلمون أن الله اختارهم من بين عباده لينقذهم مما قد يصابون وهم يظنون أنه شر لهم، ولا يعلمون إنما اختارهم له لينقذهم من كثير لو أصابهم لما احتملوه أبدًا، وإنما اختار لهم أن يصيبهم ما يرفع به عظيم الضرر عنهم في الآخرة، ويمهد الطريق لهم لغفران عظيم، يمحو الله به عنهم من الذنوب مما لو عاقبهم به لما احتملوا عقابه، فعاقبهم بالأدنى مما يصيب به عباده في دنياهم بالابتلاء، وليمهد لهم الحصول على عظيم الثواب في الآخرة، ليحلهم مكانًا في الآخرة ما كانوا بالغيه لولا هذا الابتلاء، فما قدموا من أعمال لا يرقى إلى المكانة التي سيحلونها منذ أن ينفصلوا عن الدنيا ويودعوا القبور، ثم يرون ذلك يوم القيامة فإذا هم مع الصادقين والصابرين، وهم يعلمون حتمًا أنهم لا يبلغون درجتهم لولا هذا الابتلاء العظيم الذي صابروه، وما هذا إلا رحمة من الله بالعباد ، ولكن ما ابتلاهم به ليس من بينه غفران التكذيب بما أرسل الله إلى عباده رسله الكرام، وجعلهم من دين ثابت لم يكذبوه أبدًا، وما كانوا بطبعهم من الخاطئين، وإنما جرهم تكاسلهم إلى التقصير فيما هو لله أحيانًا دون عمد، فرحم منهم الضعف، فأمدهم بالإيمان الراسخ بدينهم والعلم بحقائقه، التي أبعدت عنهم معصية الله أو التفريط في أمره ونهيه، فرحمهم من صغائر ذنوب هو يعلمها، حتى كان يوم اللقاء فنجا عبدًا صالحًا نظيفًا مما قد يذهب بإيمانه، وثبت إيمانه برسوخ لقى ربه مع بعض تقصير له يعلمه الرب عز وجل، ويعفو عنه برحمته.جعلنا مع أمثال هؤلاء وأدخلنا الجنة برحمته إنه السميع العليم، فما أحسن الظن بالله عبد إلا ونجا، وما من أحد امتلأ قلبه من خشية الله إلا وجعل ربه الابتلاء عفوًا عن ذنوب مهما كانت، اللهم فأغفر لنا الذنوب واجعل قبورنا رياضًا من رياض الجنة، وأنت القدير على ذلك، وإن قلت أعمالنا يا أرحم الراحمين فأنت الرؤوف الرحيم.
مشاركة :