يقص علينا ربنا في سورة مريم وقت مخاضها، فيقول «فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا».ولابد أنك مثلي أيها القارئ الكريم استوقفك أمر الله -عز وجل- مريم أن تهز إليها جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب، وذلك من ناحيتين على الأقل:الأولى: في حال رخاء مريم كان يأتيها رزقها دون عناء ولا تعب، حيث قال سبحانه في سورة آل عمران « كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، فلماذا لم يرزقها الرطب حال توجعها وألمها دون عناء!.والثانية: كلنا يعرف ثبات وثقل جذع النخل، ولا يمكن أن يتساقط رطبه بهز جذعه من شخص سوي، فكيف بامرأة في قاع ضعفها وقت مخاضها سيتساقط بمجرد الهز.النقطتان السابقتان محيرتان، لكنها حقيقة تلفت نظرنا لأمرين مهمين، يمكن أن نستلهم منهما بعض المعاني التي يجدر بنا الانتباه لها ونحن نمر في أزمة عامة مثل كورونا الآن، وربما في كل أزمة أو وضع شخصي.الأولى: في حال الأزمات، أو الحزن والألم والضيق، لا تسمح للمشاعر السلبية أن تتملك عليك تفكيرك، وإلا أهلكتك تلك السلبية قبل أن تمتد لك أضرار الأزمة نفسها أو الوضع الذي ألمّ بك، لذا لا تترك نفسك للأفكار السلبية وقاومها عبر العمل، نعم، العمل.. «هزي، تساقط عليك، وقري عينا، ولا تحزني»، هذا النشاط الذي أمرها به الله له نتيجة مادية ملموسة «تساقط» ومعنوية محسوسة «قري عينا، ولا تحزني»، اشغل نفسك بنشاط يفيدك شخصيا أو يفيد مجتمعك، سواء كان عملًا ربحيًا بأجر أو تطوعي.الثانية: لابد من المبادرة بعمل يخرجك من وضعك، مهما كنت مبارَكًا، فحتى المعجزات تحتاج حراكًا وفعلًا.الرطب لن يتساقط بمجرد هز النخلة، لكنه تلميح الله لنا بضرورة الحراك، فحتى مريم احتاجت أن تقوم بفعل بسيط ليحقق لها رب العزة توفير السكينة وقت مخاضها.في أزماتك أو الأوضاع الحرجة، قم بأذكارك وكل أدعيتك وصلواتك، ولكن لابد أن تسلك طريقًا ماديًا ملموسًا منطقيًا في سبيل الوقاية أو حل الأزمة، ومهما كان سيرك في الطريق بطيئًا أو ضعيفًا، لكن بإخلاص واتباع حقيقي لما يتطلبه، فستصل.
مشاركة :