قضت سارة عصر يوم الاثنين، 20 يناير 2020 وهي تراجع كل أوراقها وملفاتها وما وردها من رسائل بريدية وبيانات صحفية، حول فيروس «كورونا» المستجد، عادت صورة صديقتها منى وزوجها سوزيان تظهر من جديد، وقفت تنظر للبحر، كان هادئاً يعزف بأمواجه ترانيم سيمفونيات لم تؤلف بعد، راحت تفكر بصديقها وزوجها عمر وتقارن شخصيته مع شخصية سوزيان اللئيم، وسألت نفسها: كيف يختلف الرجال؟ وهل للثقافة والعلم دور كبير في صفات الرجال أم أن الحياة وظروفها المختلفة هي التي تنحت شخصية كل رجل بمعزل عن حجم الثقافة والشهادات العلمية والخبرات التي يحصل عليها؟ أم أن كل ذلك لا يؤثر على الإطلاق وأن الجينات والعوامل الوراثية وحدها هي التي تشكل المادة الأساسية لصفات وشخصية كل إنسان، سواء أكان ذكراً أم أنثى؟ وضعت أصابعها بين عينيها وهي تراجع شخصية سوزيان الذي قهرها وبث في حياتها سيلاً جارفاً من القلق، كيف نشأ هذا المخلوق؟ وكيف تحول إلى وحش يقتل سعادة الآخرين، وكيف يتسلل هؤلاء إلى حياة الناس، فيحيلونها إلى جحيم؟ سوزيان وأمثاله في المجتمعات، من عديمي الضمير والأخلاق، هم الفيروسات الحقيقية التي تتسرب إلى أي مجتمع فتفتك به، ولا يجد من يضع له حداً أو لقاحاً. ويتحول فجأة إلى مسكين بمجرد كشفه أو التقاطه، فقبل أسبوع، في 14 يناير 2020، وحين استطاعت شرطة دبي تحديد مكان سوزيان، في فندق قريب، من خلال كاميرات المراقبة المتوفرة في كل مكان، وعلم بأن زوجته منى ما زالت في العناية الطبية المركزة، فاستثمر في مرضها، وتحوّل إلى الذئب في قصة يوسف، وقدّم مرافعة طويلة إنه بريء من أية تُهمة قد توجه إليه، يومها اتصلت الدكتورة شيخة . وأبلغت سارة أن سوزيان في قبضة الأجهزة الأمنية، وأنه استسلم بسهولة، لكنه رفض تسليم ابنتيه نتالي وتاليا إلى الشرطة، وأدّعى أنه لم يختطفهما، بل أخذهما خارج البيت المليء بالمرض، خوفاً من العدوى، لكن شرطة دبي ووزارة الصحة أقنعا محاميه أن سوزيان نفسه قد يكون يحمل وينقل فيروساً معدياً، وأنه قد يشكل خطورة شديدة على ابنتيه وعلى المجتمع، وأنه لا بد من فحصه ووضعه في الحجر الفوري. فوافق سوزيان تسليم ابنتيه مقابل رفع التعميم عنه، وقالت شيخة إن زوجها سالم قد اقترح استضافة الطفلتين في بيتهم أو عند والدة شيخة لحين عودتها من فندق الحجر الخاص أو لحين شفاء والدتهما، ففرحت سارة بهذه الأخبار، لكنها طلبت من شيخة أن تستضيف هي الطفلتين في بيتها، مع التعهد بالالتزام بأية إجراءات سلامة يمكن فرضها لضمان عدم التعرض، فوافقت سارة وقالت: «الأمور طيبة». عادت سارة لأوراقها وتقاريرها محاولةً عدم التفكير بسوزيان وشخصيته المضطربة، عادت إلى لحظتها التاريخية، لحظة خروجها من مستشفى فونتي المتخصص باتجاه بيتها في الجميرا، يوم الثلاثاء الماضي، 14 يناير 2020 الساعة الثانية عشرة ظهراً، اللحظة التي قلبت حياتها رأساً على عقب، فبدأت فوراً. وكصحفية متمرسة متخصصة في التحقيقات الاستقصائية، بحثاً مكثفاً عبر الإنترنت وبالتعاون مع زميلها «شانغ لي»، مدير مكتب الوكالة في شرق آسيا، ومقره بكين، الذي يتحدث 3 لغات منها العربية والإنجليزية، وطلبت منه معلومات كاملة عن هذا الفيروس، وكيف بدأ ومدى انتشاره وتصنيفه العلمي، ورأي المؤسسات العلمية والحكومية في الصين بهذا الفيروس، والإجراءات المتبعة لغاية الآن. وكان زميلها شانغ متعاوناً فأرسل لها أن هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية الحكومية قد أعلنت أول من أمس 12 يناير 2020 عن اكتشاف وتفشي فيروس جديد يعود ليوم 12 ديسمبر 2019. وأنه وبمشاركة الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية وكلية بكين الطبية ومعهد علم الأحياء، قد تم التعرف على التسلسل الجيني الكامل للعينات المرسلة للمجموعة الأولى من المرضى الذين يعانون من الالتهاب الرئوي لسبب غير معروف بتاريخ 27 ديسمبر 2019، وقد صدر تقرير عن العلماء، لم يتم نشره، يشير أن التسلسل الجيني لمسبب المرض المجهول مرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة لفيروس السارس التاجي حسب نتيجة الاختبار. وقد أعلنت بعض التقارير، يوم 30 ديسمبر 2019 على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، بدء انتشار التهاب رئوي غير معروف أصاب 27 مريضاً حتى الآن في ووهان الصينية ومعظم هؤلاء المصابين هم مالكون لأكشاك في سوق هوانان للمأكولات البحرية، وأرسل شانغ صورة لطبيب عيون صيني يدعى «لي وين ليانغ»، يعمل في مستشفى ووهان المركزي، وقال بأنه قد نشر بياناً على موقع محادثة علمي يدعى «وي تشات» وذكر فيه أن سبعة مرضى يعالجون في قسم طب العيون في المستشفى وأنهم يعالجون من أعراض التهاب رئوي يسببه فيروس ولكن دون جدوى. حيث تم تشخيص الحالة باعتبارهم مصابين بفيروس السارس، فلم يستجيبوا للعلاج المخصص، وأنه قد جرى عزلهم في قسم الطوارئ، وأكّد لها زميلها أن الطبيب ليانغ نفسه قد أصيب أول من أمس 12 يناير 2020 بهذا الفيروس ويخضع للحجر الصحي، فسألته عبر البريد الإلكتروني: «ولماذا لا تنشر هذه المعلومات في الوكالة ليتم تعميمها؟»، فأجاب: «إنه أمر غير مسموح حالياً، لقد تم إلقاء القبض على الدكتور «لي وين ليانغ» في 3 يناير 2020 بتهمة نشر أخبار كاذبة وادعاءات مضللة على موقع وي شات، وأجبر للإفراج عنه لتوقيع اعتراف وتعهد يجبره على عدم نشر أي شائعات أو أخبار حول الفيروس التاجي، وأنه إذا خالف هذا التعهد سيتم تقديمه للعدالة، لذلك، زميلتي سارة، ومع الضغط الذي أتلقاه من الوكالة، لكنني لا أستطيع النشر حالياً، حتى لا أتعرض لأي مساءلة قانونية، قد أتمكن خلال الأسبوعين القادمين، بعد الإعلان الرسمي من الحكومة الصينية، دمت بخير». في ذلك اليوم، 14 يناير 2020، وبعد أن وردت لسارة تلك المعلومات من زميلها شانغ، تفاقمت ظنونها أن مُنى مصابة بهذا المرض الخطير، وأن سوزيان كذلك، فقد تبين أنه كان يزور مدينة ووهان الصينية، لعمله في تجارة اللحوم، وأنها أيضاً قد تكون مصابة وكذلك شيخة وغانم وآني وكلتا الطفلتين، فوضعت نظاماً غذائياً طبيعياً صارماً يضمن رفع مناعتها إلى أقصى حد ممكن. واستمرت بتناول أدويتها، وراحت في ذات الوقت، ترصد بدقة هذا الفيروس الجديد، تتابع ما يتطور حوله من معلومات، دقيقة بدقيقة. فعلمت أن منظمة الصحة العالمية قد أكدّت في 9 يناير 2020 أن السلطات الصينية بدأت تتصرف بسرعة، وأنها قد حددت الفيروس التاجي الجديد في أسابيع قليلة من بداية تفشي الفيروس، وذكرت المنظمة في بيانها أن العدد الإجمالي للأشخاص الذين أظهروا نتائج إيجابيةً لاختبار الفيروس قد بلغ 41 شخصاً، وأن الوفاة الأولى من الفيروس كانت لرجل يبلغ من العمر 61 عاماً، وهو عميل منتظم لسوق الحيوانات في ووهان، وكان يعاني عدداً من الأمراض المزمنة، ومنها أمراض الكبد المزمنة، وقد توفي لأسباب تتعلق بقصور القلب والالتهاب الرئوي. لمتابعة الحلقات السابقة اقرأ: رواية «الجائحة» – الحلقة السابعة «فيروس هاكفيت.. وهوس التقارب القاتل» الجمعة 14 يناير 2050 رواية «الجائحة» – الحلقة السادسة (فيروس جيني.. يهدد العالم من جديد - الخميس 13 يناير 2050) رواية «الجائحة» – الحلقة الخامسة ( الاقتران التخاطري - الخميس 13 يناير 2050)رواية «الجائحة» - الحلقة الرابعة («حجر مؤقت» – الثلاثاء 14 يناير 2020)رواية «الجائحة» - الحلقة الثالثة (اشتباه العدوى - الثلاثاء 14 يناير 2020)رواية "الجائحة" - الحلقة الثانية («اختطاف» - الثلاثاء 14 يناير 2020)رواية "الجائحة" - الحلقة الأولى (الحمى - الاثنين 13 يناير 2020) تابعوا فكر وفن من البيان عبر غوغل نيوز طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :