السعودية الأوفر حظا للخروج بسلام من مذبحة النفط

  • 5/15/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يتوقع المراقبون أن تخرج المملكة العربية السعودية “سالمة” من العاصفة التي يعيش على وقعها العالم اليوم بسبب تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد وسوق النفط العالمية. وتملك السعودية مقومات النجاة التي قد تمكنها من الخروج أقوى من هذه المعركة اقتصاديا وسياسيا، بسبب اعتمادها على احتياطاتها المالية وقدرتها على الاقتراض. رغم المخاوف من مخلفات أزمة النفط وتداعيات وباء كورونا المستجد، من المرجح أن تخرج دولة واحدة على الأقل من أزمة الوباء ومن “مذبحة النفط” أقوى من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية، وهي المملكة العربية السعودية. وينظر الخبراء إلى الموارد المالية للمملكة كأحد أهم الروافد الداعمة لها في هذه الفترة. ويذهب في هذا السياق جيسون بوردوف، المستشار السابق لشؤون الطاقة في إدارة باراك أوباما ورئيس مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، الذي كتب تحليلا في مجلة فورين بوليسي تحدث فيه عن الفرص التي ستمكن السعودية من أن تصمد أمام عاصفة كهذه، لافتا إلى أن الرياض ليست لديها احتياطيات مالية فقط بل لديها أيضا القدرة الواضحة على الاقتراض. وفي 22 أبريل الماضي، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن بلاده يمكن أن تقترض ما يصل إلى 58 مليار دولار في عام 2020. وقال أيضا إنها ستسحب ما يصل إلى 32 مليار دولار من احتياطياتها المالية. ومع وجود 474 مليار دولار يحتفظ بها البنك المركزي في احتياطيات النقد الأجنبي، تقف السعودية بشكل مريح فوق مستوى حوالي 300 مليار دولار، والتي يعتبرها الكثيرون الحد الأدنى للدفاع عن عملتها، الريال، مقارنة بالدولار الأميركي. وتوقع بوردوف أن تشهد السعودية ارتفاعا في عائدات النفط وأن تحصل على حصة أكبر من سوق النفط بمجرد استقرارها، وذلك بفضل تخفيضات الإنتاج وإجراءات الحظر بسبب الانهيار الاقتصادي العالمي، وأن أزمة النفط الحالية ستضع الأساس لطفرة الأسعار في السنوات المقبلة، مما سيساعد على ازدهار الإيرادات بالنسبة إلى المملكة. وفي حين أن التوقعات المستقبلية للطلب على النفط في المستقبل غير مؤكدة إلى حد كبير، بالنظر إلى الأزمة الحالية، من المرجح أن ينمو الطلب بشكل أسرع من العرض. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يعود مستوى الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول نهاية عام 2020. وتشعر وكالة الطاقة الدولية بتفاؤل، حيث تتوقع أن يقل الطلب بنسبة 2 إلى 3 في المئة فقط عن متوسط الطلب لعام 2019 البالغ 100 مليون برميل لكل يوم بحلول نهاية العام. تفاؤل حذر لكن إذا استمرت إجراءات احتواء الوباء لفترة أطول أو ظهرت موجة ثانية من الفايروس، سيستغرق التعافي وقتا أطول. وعليه، يمكن أن تؤدي التغييرات في نمط الحياة إلى خفض مستوى الطلب على النفط في المستقبل، وتبقى هذه الفرضية مؤقتة ورهينة نتائج المعركة ضد الوباء ففي الصين، على سبيل المثال، عاد نشاط السفر بالسيارات والشحن بواسطة الشاحنات بالفعل إلى مستوى العام الماضي تقريبا، على الرغم من أن السفر الجوي -الذي يمثل مع الشحن العالمي على النفط- لا يزال متراجعا بشكل حاد. كما يمكن أن يزداد الطلب على النفط إذا قرر عدد أكبر من الناس أن التنقل بسياراتهم باعتبارها أكثر أمانا من وسائل النقل الجماعي المزدحمة. ولا يعني ذلك ألّا تهدد سيناريوهات قاتمة سوق طاقة النفط العالمية. واستنادا إلى تقرير فورين بوليسي، سيستغرق إمداد النفط وقتا أطول في العودة بسبب الإنتاج المحدود، وإلغاء الاستثمار في الإمداد الجديد، وتباطؤ صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة. وبسبب وفرة النفط حاليا والتي عملت على وصول الطاقة التخزينية إلى الحد الأقصى، سيتعين إغلاق عدد غير مسبوق من آبار النفط المنتجة، مما قد يؤدي إلى المخاطرة بإتلاف الاحتياطيات. ويعتقد بوردوف أن مستوى هذا العرض لن يعود أبدا، وسيستغرق الأمر وقتا طويلا واستثمارا كبيرا لإعادة مستويات العرض مرة أخرى. وتتوقع شركة إنرجي أسبكتس، وهي شركة استشارية نفطية، أن يتعرض حوالي 4 ملايين برميل يوميا من المعروض لخطر التلف شبه الدائم. كما خفضت شركات النفط الكبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل نفقاتها الرأسمالية استجابة لانهيار الأسعار. وحتى من دون أي نمو في الطلب على النفط، يجب توفير حوالي 6 ملايين برميل يوميا من إمدادات النفط الجديدة سنويا لتعويض انخفاضات الإنتاج الطبيعي. علاوة على ذلك، لا يأتي النفط الآن في صالح المستثمرين المعنيين بعائدات الصناعة الضعيفة وزيادة الضغوط السياسية والاجتماعية. وسيستغرق النفط الصخري الأميركي، سنوات حتى يعود إلى مستويات ما قبل فايروس كورونا. واعتمادا على المدة التي يظل فيها الطلب على النفط منخفضا، من المتوقع أن ينخفض إنتاج النفط الأميركي بنسبة 30 في المئة عن ذروته السابقة لفايروس كورونا بنحو 13 مليون برميل يوميا. ويقدر المحلل السابق في مؤسسة غولدمان ساكس، أرغون مورتي، أنه حتى مع تعافي أسعار النفط الأميركية إلى حوالي 50 دولارا للبرميل، فإن نمو الناتج الأميركي السنوي سيكون في درجة بين صفر و500 ألف برميل يوميا. في حين تمهد جائحة كورونا الطريق لاستعادة أسواق النفط وارتفاع الأسعار، فإن السعودية، إلى جانب عدد من دول الخليج الأخرى وروسيا، لن تستفيد من الأسعار المرتفعة فحسب، بل ستجد فرصا لزيادة حصتها في السوق وبيع المزيد من النفط. وحتى الآن، وفي ظل انخفاض الأسعار، تناقش السعودية والكويت جلب المزيد من النفط إلى السوق من حقل مشترك يمتد على حدودهما. وعلى عكس السعودية سيجد أعضاء أوبك الأكثر ضعفا من الناحية الاقتصادية صعوبة في الاستثمار في استعادة مستويات العرض والحفاظ عليه (ناهيك عن زيادته) وبالتالي سيشهدون نمو الناتج بشكل بطيء. وهذا هو بالضبط ما حدث في إيران والعراق ونيجيريا وفنزويلا بعد تدهور صناعة النفط بين عامي 1998 و1999. وفي الآونة الأخيرة استثمرت السعودية الأزمة بشكل ناجح مكانتها الجيوسياسية من خلال عدم الاكتفاء بتحالفها مع الولايات المتحدة وذلك بإعادة تأسيس نفسها كمنتج متأرجح لسوق النفط العالمية. وفي الوقت الذي تدافع فيه المنتجون والمستهلكون الرئيسيون لمنع زيادة المعروض من النفط من الضغط على مرافق التخزين في العالم، لجؤوا أخيرا إلى السعودية وطلبوا منها قيادة أوبك والمنتجين الرئيسيين الآخرين لوضع خطة خفض تاريخي للإنتاج. ومن خلال المحادثات عن حصص إنتاج النفط في تكساس أو إنشاء كارتل عالمي جديد للنفط من خلال مجموعة العشرين، كان الاتصال بالرياض هو الخيار الحقيقي الوحيد المتاح لصانعي السياسات في نهاية المطاف. وذلك لأن السعودية كانت الدولة الوحيدة الراغبة منذ فترة طويلة في الاحتفاظ بفائض من الطاقة الإنتاجية يسمح لها بإضافة أو طرح العرض من أو إلى السوق بسرعة. هذا الموقف المتفرّد لا يمنح السعودية قوة على سوق النفط العالمية فحسب، بل يمنحها أيضا تأثيرا جيوسياسيا كبيرا. وفي السوق العالمية، ستثبت صحة هذه الحجة حتى تستخدم الدول كميات أقل من النفط، وهذا لا يزال يمثل هدفا مهما لسياسة المناخ. وتبقى السعودية قوة نفطية رغم المنافسة الروسية، ومن خلال قيادة الجهود الرامية إلى خفض إنتاج أوبك، ذكّرت السعودية موسكو أيضا بأن روسيا لا يمكنها أن تفعل ذلك بمفردها، كما حاولت القيام بذلك عندما انسحبت من مفاوضات أوبك في مارس وأطلقت حرب الأسعار. وقد كانت السعودية أقل المتضررين من هذه المعركة. وما يمكن استنتاجه أن موسكو تعتمد على الرياض في إدارة سوق النفط وليس العكس، مما يعزز قوة السعودية في هذه العلاقة الثنائية، ويؤكد أيضا أنها تنتهج سياسة نفطية ناجعة تجعلها قادرة على النجاح والانتصار من “مذبحة النفط” التي خلفتها أزمة كورونا.

مشاركة :