جائحة كورونا وأثرها على العقود (٢)

  • 5/15/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

غرِّد 2/2 الضابط الثاني: أن يقع الظرف الطارئ بعد انعقاد العقد، و قبل تمام تنفيذه، حتى يرتب أثره، إذاً لو وقع الظرف الطارئ قبل انعقاد العقد فلا أثر له على الإلتزام المعقود عليه، لعلم أطراف التعاقد به، و دخولهم على بينة، و لأنهم احتاطوا له عند التعاقد، و كذا لو وقع الظرف الطارئ بعد تمام تنفيذ العقد، فلا يعتد بهذا الظرف و لا أثر له، لأن تنفيذ الإلتزام جرى في ظروف طبيعية ، و الظرف الطارئ حدث لاحق لتنفيذ الإلتزام، أما إذا حدث الظرف الطارئ و قد نفذ بعض الإلتزام دون بعضه، فتسري أحكام الظروف الاستثنائية على الإلتزام الذي لم ينفذ. الضابط الثالث: أن يصبح تنفيذ الإلتزام مرهقاً للمدين، فمن أجل أن يرتب هذا الظرف الطارئ أثراً على الإلتزام التعاقدي، يلزم منه أن يشوب تنفيذه إرهاقاً للمدين، و ضابط الإرهاق : ما يتحقق معه خسارة جسيمة و فادحة بما يتجاوز العرف و العادة، و استظهار ضابط الإرهاق عائد إلى تقدير محكة الموضوع. و باستقراء نظريتي القوة القاهرة، و الظروف الإستثنائية، ننتهي إلى أن كلامنهما حدث فجائي ليس بالإستطاعة توقعه، و لا يمكن دفعه، و لكنهما يختلفان في الطبيعة و الأثر المترتب عليهما، لكون القوة القاهرة لا يشترط أن يكون أثرها عاماً حتى ترتب أثراً، كما أن من آثار القوه القاهرة أن ينسحب آثرها على العقد بالفسخ، لأنها تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلاً،و هذه الإستحالة تؤدي إلى انقضاء الإلتزام، بخلاف الظروف الطارئة فلا يؤول أثرها إلى انفساخ العقد، لكنه يجعل تنفيذه مرهقاً، و بناء عليه يتدخل القضاء – وهواختصاص أصيل له- بناء على دعوى يقيمها المضرور فيرد الإلتزام إلى الحد المعقول السائغ شرعاً، دفعاً ًللضرر، ولأجل أن يغرم الضرر المفاجئ الجميع قسمة بينهم . و عند التأمل بنصوص الشريعة الإسلامية، يظهر بجلاء أن الشريعة الإسلامية سبقت جميع القوانين الوضعية فيما يتعلق بنظرية ((الظروف الإستثنائية)) أو ((القوة القاهرة)) وهو ما يصطلح عليه بنظرية ((الضرورة)) حيث تواترت الأدلة الشرعية الثابتة الدالة على مراعاة حالة الضرورة، بأحكام استثنائية تختلف عنها في الظروف الطبيعية، منها قول الله تعالى{إنما حرم عليكم الميتة، و الدم، و لحم الخنزير و ما أهل به لغير الله، فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}. فهذه محرمات في الظروف العادية، لكن ثمة ظروفا استثنائية يرتفع معها الحرج، و يزال بها الضرر، و تنشأ معها أحكاماً خاصة بهذه الظروف، إعمالاً للأدلة الشرعية الثابتة، التي تقرر أحكاما خاصة للظروف الإستثنائية منها الأية المشار لها آنفا، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم :((لا ضرر و لا ضرار))، و قاعدة :”المشقة تجلب التيسير”، و قاعدة “الضرر يزال..” و ما سوى ذلك من قواعد الشريعة. و من المسائل المشهورة في الظروف الاستثنائية التي قررتها الشريعة الإسلامية مسألة “وضع الجوائح” إذ هي أصل في القوة القاهرة أو حتى الظروف الاستثنائية، فقد خرّج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( لو بعت أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً)) و في رواية عند أنس قول صلى الله عليه وسلم :(( أرأيت لو منع الله الثمره بم يستحل أحدكم مال أخيه!)) و هذه مسألة مشهورة عند الفقهاء، و صورتها أن الثمر إن أصابته جائحة، و قد سلّم المشتري للبائع الثمن رجع المشتري حينئذ على البائع بالثمن، لكون المشتري لم يستفد شيئاً من الثمر، و هذا الحديث أصل في وضع الجوائح، وإزالة الضرر في المبايعات، و جميع المعاوضات. يبقى ملحظين يتعين الإشارة لهما الأول :أن محل إعمال الظروف الإستثنائية أو القوة القاهرة، العقود المتراخية ، أو المستمرة كعقود الإجارة، و المقاولة، والتوريد، و البيع، إن كان التنفيذ متراخيا إلى أجل محدد، و عقود العمل لكونها عقود إجارة على عمل، أما العقود ذات التنفيذ الفوري فالأصل أن أحكام الظروف الاستثنائية لا تسري عليها، لأن الأصل أن تنفيذ الالتزام فورياً دون أن تترك مجالا لحدوث ظروف جديدة تؤثر على توازن العقد، إلاّ أن يتأخر التنفيذ بسبب أجنبي لايد للمدين في حدوثه، فحينئذ تسري عليها أحكام القوة القاهرة، و الظروف الاستثنائية سالفة الذكر. و ما يتعين تقريره بهذا الخصوص، أن تكييف جائحة كورونا وإنزالها على أنها قوة قاهرة أو ظرفاً إستثنائياً، سلطة تقديرية للقضاء المختص، يستخلصها بحسب كل واقعة، و ظروفها، و نوع النشاط ومدى تأثره بسبب هذه الجائحة، و في الختام: نشير عالياً، و بكل فخر و إعجاب واعتزاز وتقدير؛ إلى ما بذلته حكومتنا الرشيدة-المملكة العربية السعودية- حرسها الله، من خطوات استباقية، و إجراءات و مبادرات مباشرة، ساهمت بشكل مباشر في التخفيف من وطأة هذه الأزمة، والحد من آثارها. نسأل الله عز وجل بمنه و كرمه، أن يرفع عنا هذا الوباء، و يدفع عن بلادنا شروره، و عن كافة بلاد المسلمين و العالم أجمع. الشيخ / خالد ابراهيم العليانمتخصص في القضاء العمالي

مشاركة :